آيدن أونال - يني شفق

خلال افتتاح السنة التشريعية الجديدة للبرلمان التركي، أدلى الرئيس رجب طيب أردوغان بالتصريحات التالية: "إن المكان الذي ستستهدفه إسرائيل، بعد فلسطين ولبنان، بناءً على التفسيرات المحرَّفة للتوراة وبروح من التطرف الديني المطلق، سيكون تركيا... إن إسرائيل تحلم بأراضٍ تشمل الأراضي التركية."

ولم يصدر أي تعليق رسمي من إسرائيل بشأن هذه التصريحات؛ حتى وزير الخارجية الإسرائيلي، الذي يرد عادة بأسلوب فظ وغير لائق على كل تصريح لأردوغان، لم يعلق هذه المرة. ولم يخرج أي مسؤول إسرائيلي ليقول: "ليس لدينا حلم بالأراضي الموعودة، ولن نهاجم تركيا." فمن إذًا ردّ على هذه التصريحات؟ جاء الرد من حزب الشعب الجمهوري ، ثم من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ثم انهالت الردود من العديد من الكُتَّاب والصحفيين، وكأنهم في سباق، للدفاع عن إسرائيل قائلين: "إسرائيل لا تخوض حرباً دينية"، و"إسرائيل ليس لديها حلم بالأراضي الموعودة."

والواقع أن الأشخاص والمؤسسات والعقول الذين يتسابقون اليوم للدفاع عن إسرائيل اليوم هم نفسهم الذين يقومون منذ عام 1948، بالتغطية على هجمات إسرائيل وعملياتها ضد تركيا.

دعونا نستحضر معاً ما يلي:

1ـ "بي كي كي" و"غولن" هما تنظيمان إرهابيان تدعمها إسرائيل.

2ـ إسرائيل هي من تحاول إقامة دولة غير شرعية في شمال العراق وسوريا.

3ـ المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي، الذي يؤثر مباشرة على تركيا، هو إسرائيل.

4ـ وجود تركيا قوية في منطقتنا يتعارض مع مصالح إسرائيل.

5ـ موجة الهجرة التي تسببت بها إسرائيل تشكل تهديدًا على تركيا.

6ـ حرب إسرائيل هي حرب دينية، وحلمها يتمثل في السيطرة على "الأراضي الموعودة" التي تشمل تركيا. وإذا لم يتم إيقافها، فإنها عاجلاً أم آجلاً ستوجه أنظارها نحو تركيا.

فما الذي يجب أن يحدث بعد لإقناع المدافعين الطوعيّين عن إسرائيل؟

 

قضية إيران

بالنظر إلى النتائج، يتضح لنا أن كل تصريح وكل تصرف من إيران يصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة. ومع ذلك، يجب علينا ألا نقع في فخ نظريات المؤامرة. فالتحليلات التي تدعي أن إيران والولايات المتحدة وإسرائيل يتعاونون معا أو يتحركون بموجب اتفاق بينهم، هي تحليلات مبالغ فيها بشكل كبير. ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الولايات المتحدة وإسرائيل تفضلان المعارضة الشيعية على المعارضة السنية في المنطقة. وربما يعود هذا الترجيح إلى كثرة الكلام وقلة الأفعال لدى الشيعة، أو إلى ميلهم إلى إنتاج الخطابات الحماسية أكثر من التحركات الفعلية، أو إلى أن تصرفاتهم متوقعة بشكل كبير.

لقد أطاحت الولايات المتحدة بالحكومة السنية في العراق، وسلمت زمام الأمور للشيعة قبل انسحابها. وفي الثمانينيات، عندما انسحبت الولايات المتحدة وإسرائيل من لبنان، تركتا القوة والسيطرة في يد حزب الله. وحتى اليوم، لم تمس الطائرات الإسرائيلية التي تستطيع قصف أي موقع ترغب فيه في دمشق، بشار الأسد ورجاله.

وفي الوقت نفسه، نتعرض لاتهامات بالطائفية كلما أشرنا إلى أن إيران وحزب الله يرتكبان مجازر ضد السنة في العراق وسوريا. والحقيقة أن "الآخر" بالنسبة للسنة ليس الشيعة، بل إن المذهب الشيعي مبني بالكامل أساس معاداة السنة. صحيح أن هناك طائفية، ولكن مرتكبيها ليسوا السنة فهم لا يحتاجون لذلك.

لا نستطيع التحدث

عندما تحدث واقعة تثير غضب اجتماعيا، تتدخل بعض الأطراف على الفور لتحرف الموضوع عن جوهره وتمنع الحديث عنه بطريقة عقلانية ومتزنة. وهذا ما نواجهه الآن بعد مقتل شابتين بوحشية في إسطنبول. فمثلاً، خرج رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزيل واستغل الفرصة ليحول القتل إلى مكسب سياسي، ويربطه باتفاقية إسطنبول التي لا علاقة لها بالموضوع. رغم أن علاقات القاتل وتصرفاته وأسلوب حياته، وحتى الصور المعلقة على جدرانه، كانت واضحة. وخرج البعض ليهاجم المتدينين مرة أخرى مستغلاً هذه الجرائم. وبسبب هؤلاء الانتهازيين، لا تستطيع تركيا مناقشة أي من قضاياها بعمق أو حلها أو التغلب عليها. فجرائم القتل التي شهدناها مؤخرًا، مثل جريمة نارين، وشيدا الشرطية، وسيلا الرضيعة، والمرأتين الشابتين، هي قضايا تخص المجتمع بأكمله وليس جزءًا منه فقط. والذين يحاولون منعنا من مناقشة هذه الأمور يشجعون على ارتكاب جرائم جديدة دون أن يدركوا ذلك.

النمو المادي والنمو الفكري

لقد صرّح الرئيس أردوغان مرارًا بأن حزب العدالة والتنمية لم يحقق نجاحًا كافيًا في ترسيخ سلطته الثقافية. فهل الأمر يتعلق بالسلطة الثقافية فقط؟

لقد نفذت حكومات العدالة والتنمية على مدار 22 عامًا مشاريع ضخمة في البنية التحتية. وكل هذه المشاريع كانت ضرورية، وهي إنجازات عظيمة بلا شك. ولكن لم يتم التفكير في كيفية تأثير هذه المشاريع مثل تسهيل التنقل من خلال بناء الطرق، على التغيير الاجتماعي. ولم يتم التفكير مثلاً في المنهاج الذي سيتم تدريسه في مئات الألاف من الفصول الدراسية وآلاف المدارس التي تم بناؤها، أو في الجامعات التي تم افتتاحها في كل ولاية. ولم يتم التفكير في تأثير تسريع وتوسيع نطاق الإنترنت على الأجيال القادمة واتخاذ التدابير اللازمة. كما لم يتم حساب الانفتاح الاقتصادي الكبير على العالم الخارجي من حيث تأثيره على المجتمع.

لقد كنا نناضل لسنوات من أجل حق الطالبات المحجبات في الدراسة، واليوم بعد أصبح ارتداء الحجاب مسموحاً، نرى الجامعات بدأت بتخريج "العلمانيات".

إن النمو الذي لا يستند إلى دراسة تأثيره، ولا يرتكز على نظرية أو فلسفة أو أساس فكري يؤدي إلى تفكك نسيج المجتمع. ولكن لم يفت الأوان بعد، نأمل أن نستيقظ ونتخذ التدابير اللازمة.

إن لم تُصلح الشروخ الصغيرة ستتحول إلى صدع كبير

افتُتح فرع لعلامة تجارية تدعم إسرائيل بشكل مباشر في ولاية ريزا، ولم يكتفوا بذلك بل شارك في الافتتاح رؤساء بلديات ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم الاعتداء على أكاديمي احتج على الافتتاح قائلاً "تسقط إسرائيل". إذا تركنا هذه الشروخ الصغيرة دون إصلاح، معتقدين أنها ستلتئم بمرور الوقت، فإنها ستزداد وتتوسع حتى تتحول إلى صدع كبير. المشكلة التي يواجهها حزب العدالة والتنمية اليوم ناجمة عن تراكم هذه الشروخ والجروح وزيادة مشاعر الإحباط. من الطبيعي ألا يتفق الجميع في كيان كبير مثل حزب العدالة والتنمية على كل شيء ويتصرفوا بنفس الطريقة، ولكن المشكلة تكمن في أن من يخالفون الرأي الرسمي أو يتصرفون بشكل فردي أو يتلفظون بأي كلام يخطر ببالهم أصبحوا يطغون على الرؤية العامة للحزب. لقد حذرنا منذ 31 مارس من أن التأخير في اتخاذ الإجراءات قد يؤدي إلى نتائج لا يمكن علاجها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس