
ترك برس
تناول تقرير تحليلي للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وقطاع غزة والضفة الغربية، خاصة خلال شهر رمضان، وانتهاك إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار عبر شن هجمات وحشية أسفرت عن مئات الشهداء والجرحى.
وسلط التقرير الضوء على مماطلة إسرائيل في تنفيذ شروط تبادل الأسرى وعرقلتها لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، إضافة إلى تواطؤ إدارة ترامب في دعم هذا العدوان.
وأشار التقرير - الذي نشرته صحيفة يني شفق - إلى الأيديولوجيا اللاهوتية المشوهة التي تحكم سياسات إسرائيل وحلفائها، مقابل المبادئ الإسلامية التي تدعو للعدل والسلام، مؤكدًا أن النهاية الحتمية لهذا الظلم ستتحقق وفق وعد الله.
وفيما يلي نص التقرير:
أصبحت اعتداءات الكيان الإسرائيلي المحتل والمُرتكب للمجازر على المسجد الأقصى وغزة والضفة الغربية، تحت ذرائع واهية، جزءًا من المشهد المعتاد في شهر رمضان. فإسرائيل لا تحتاج إلى ذريعة أو مبرر أو سبب لتصعيد إرهابها، فهي قوة عدوانية موجهة ذاتيًا، تستمد توجيهاتها من التوراة التي حرفتها، أو من تفسيرها المشوّه لها.
في صباح يوم 19 يناير، خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه، وشنّت هجمات وحشية وهمجية على مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد ما يقارب 450 فلسطينيًا، معظمهم من النساء والأطفال، فيما أصيب أكثر من 500 آخرين. ولم يكن هذا العدوان الإسرائيلي مفاجئًا فقد كانت بوادره واضحة منذ أيام.
بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، طالبت إسرائيل بالإفراج عن جميع الأسرى المحتجزين لدى "حماس"، رغم أن هذا الشرط لم يكن جزءًا من الاتفاق الأصلي، بل فرضته إسرائيل لاحقًا في انتهاك صارخ لما تم الاتفاق عليه، فهي التي انتهكت شروط الهدنة، ووفقًا للاتفاق، كان من المفترض أن يتم تبادل الأسرى في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، دون أي شروط إضافية، إلا أن إسرائيل لم تلتزم بذلك.
وكان الاتفاق ينص على أن عملية تبادل للأسرى ستتم على ثلاث مراحل، تمتد كل مرحلة منها على مدى 42 يومًا، يتم خلالها الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء أو الأموات، مقابل الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، من بينهم نحو 600 أسير محكوم عليه بالسجن المؤبد.
كما نصت بنوده على أن تفضي المرحلة الثانية إلى وقف إطلاق نار دائم، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من غزة، إلى جانب السماح بدخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، تشمل الغذاء والماء والوقود والخيام والإمدادات الطبية. وكان هناك مخطط لإعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات، وقد أخذت جامعة الدول العربية هذا الأمر على محمل الجد، حيث اجتمعت في القاهرة ووضعت خطة تمويلية بقيمة 53 مليار دولار لإعادة الإعمار.
ولكن رغم التزام حركة حماس بجميع شروط الاتفاق، فإن إسرائيل لم تسمح سوى بدخول 15 ألف شاحنة مساعدات من أصل 60 كان قد تم الاتفاق على إدخالها إلى غزة في المرحلة الأولى، كما أعاقت وصول معظم المساعدات الإنسانية الأخرى. وكان هذا بحد ذاته انتهاكًا واضحًا للاتفاق، إلا أن حركة حماس للأسف لم تكن تملك ورقة ضغط سوى تعليق عملية تبادل الأسرى.
لقد أثبتت إسرائيل مجددا أنه لا يمكن الوثوق بوعودها أبدا، وأن كلمتها لا تحمل أي قيمة أو معنى. فحتى أثناء إبرامها للاتفاقات، لا تعتبر التزاماتها سوى وسيلة لكسب الوقت والمماطلة، فلا تنوي الوفاء بوعودها على الإطلاق.
إن الدافع الأساسي وراء اضطرار إسرائيل إلى إبرام الاتفاق كان تحرير الأسرى، ولولا وجودهم لكانت قد وسّعت نطاق الإبادة الجماعية بحق سكان غزة عبر قصف جوي أكثر وحشية. أما في الحرب البرية، فقد مُنيت إسرائيل بهزيمة ساحقة، حتى باتت عاجزة عن تقدير الخسائر التي تكبّدتها نتيجة مغامرتها العسكرية، غير أن همجيتها في القصف الجوي لا تعرف حدودًا، ولا يبدو أن هناك ما يمكن أن يردعها عن ذلك.
ويبدو أن الحفاوة التي لقيها نتنياهو خلال زيارته للولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب قد منحته حصانة مطلقة لفعل ما يشاء. فبعد هجوم الأمس أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن واشنطن كانت على علم مسبق بالغارات التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، بل وأشارت إلى أن إسرائيل قد تشاورت مع البيت الأبيض وإدارة ترامب بشأن هذه الهجمات. وهكذا، جاءت هذه التصريحات إلى جانب تصريحات ترامب السابقة، لتؤكد بشكل قاطع الشراكة الفعلية للولايات المتحدة في الإبادة الجماعية التي نشهدها في غزة.
إن انخراط رجل مثل ترامب يعرف بنهجه المتطرف فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية، في هذه الشراكة الإجرامية، رغم أنها تلحق ضررًا بالغًا بمصالح الولايات المتحدة على كافة المستويات، لا يمكن تفسيره بعقلانية سياسية. فكما أن الدافع وراء جرائم إسرائيل ضد الإنسانية هو مفهومها اللاهوتي المشوه، فإن الدافع الوحيد لدعم ترامب الأعمى وغير المحدود لهذا العدوان، ولهذا الكيان المجرم، رغم أنه لا علاقة له بالعقلانية والمنطق ويتعارض مع المصالح الأمريكية، ليس سوى نفس المفهوم اللاهوتي الفاسد. فهذا النهج اللاهوتي هو الذي يحدد له الصديق والعدو، الحليف والخصم. وبالطبع فإن ترامب، إلى جانب النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، يتبنّون بحماسة مطلقة الخرافة الصهيونية التي لم تعد خافية على أحد حول "أرض الميعاد"، مدفوعين بمعتقداتهم الإنجيلية. إن مواقفهم وسلوكياتهم هذه تتطابق تمامًا مع الأخبار والأوصاف التي وصفهم القرآن الكريم بها.
ووفقا لكتابهم الذي حرفوه فإنهم يعتقدون أن الله تعالى وعدهم بهذه الأرض، ويرون أنه من المشروع، بل والواجب، وفقًا لدينهم المزعوم، إبادة الناس من على هذه الأراضي، مع أطفالهم وشيوخهم ونسائهم، وحتى جميع حيواناتهم ونباتاتهم. ونحن دائمًا نقول إن هذا السلوك يمثل في عالمنا المعاصر الذي يدعي العلمانية، فضيحة يصعب تصديقها، ولكنه في الوقت نفسه حقيقة واقعة. فقد سوقوا للعالم العلمانية، بينما تمسكوا هم بشدة بدينهم المحرف. والأدهى من ذلك أن دينهم هذا لا يعد بالسلام والوئام والرفاهية لأي إنسان، بل يقتصر على الوعود بالدمار والإبادة والمجازر، إضافة إلى الكذب والخداع والاستغلال. هذا هو الفرق بين دينهم المحرف وبين الإسلام، الذي ينهى عن إلحاق أدنى ضرر بالمدنيين والنساء والأطفال والشيوخ والعزل في الحروب.
إن ما يقوله هؤلاء عن الإسلام ليس صحيحا، بل ما يقوله الإسلام عنهم هو الذي يمثل الحقيقة. إنهم يغرقون الأرض بوحل فسادهم من خلال اتباعهم لكتابهم المحرف، وأنبيائهم الذين قتلوهم، ودينهم الذي حرفوه، في حين أن الإسلام يسعى إلى إصلاح هذا التوازن المفقود في العالم، ويطمح إلى جعل العالم مكانًا يمكن العيش فيه بسلام وهناء لجميع أصحاب الأديان، وليس المسلمين فقد. وكل ما قاله القرآن عن هؤلاء المفسدين يتحقق اليوم كما تحقق في الماضي. إنهم كاذبون، لا يوفون بوعودهم، ولا يراعون أماناتهم، إنهم مفسدون وأعداء للبشرية، ولكنهم في الوقت نفسه جبناء، فلا يجرؤون على القتال دون الاختباء خلف جدران محصنة أو الاحتماء بدروع سميكة. يزعمون أنهم عباد الله المختارون، لكنهم لا يتوقون أبدا إلى لقاء الله بالموت في سبيله، إنهم متعلقون بالحياة بشغف كبير ويودون أن يعيشوا آلاف السنين. ولكنهم لن ينجوا أبدا من نهايتهم الحتمية.
سيتحقق وعد الله فيهم، ولن تتحقق أوهامهم المتعلقة بالمسلمين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!