
ترك برس
عند الحديث عن الوجود التركي في الشرق الأوسط، غالبًا ما تُذكر الدولة العثمانية، غير أن تأثير الأتراك في المنطقة يعود إلى فترات أسبق، لا سيما في عهد السلاجقة والمماليك. ويقول الأكاديمي والكاتب التركي أحمد أويصال إن الإمبراطورية السلجوقية الكبرى، التي تأسست في القرن الحادي عشر، لعبت دورًا محوريًا في تاريخ الشرق الأوسط.
ووفقا لمقال كتبه أويصال لصحيفة الشرق القطرية، ينحدر السلاجقة من القبائل التركية في آسيا الوسطى، وجاءوا من الأتراك الأوغوز الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا في العصر العباسي، وبدأ صعودهم بزعامة طغرل بك الذي نجح مع شقيقه جغري بك في توحيد القبائل التركية تحت قيادتهما وتمكنا من تأسيس إمبراطورية واسعة امتدت من الخليج العربي إلى سوريا والأناضول.
ذكر أويصال أن السلاجقة كان لهم تأثير سياسي واقتصادي وديني واسع في المنطقة العربية حيث سيطروا على طرق التجارة البرية والبحرية، وحاربوا النفوذ الفاطمي، وعملوا على تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة.
وجاء في المقال:
*كان الإرث الأبرز للسلاجقة يتمثل في حماية الخلافة العباسية وتعزيز الإسلام السني. ففي عام 1055، دخل طغرل بك بغداد بدعوة من الخليفة العباسي وأنهى حكم البويهيين الشيعة. وبذلك اكتسب السلاجقة مكانة عظيمة باعتبارهم المدافعين عن الإسلام السني. وقد منحهم هذا التحالف مع الخلافة الشرعية الدينية، وساعدهم أيضًا على توسيع الإمبراطورية. كما شكل هذا الحدث بداية الهيمنة الإسلامية التركية في الشرق الأوسط والتي استمرت لمدة تسعة قرون. وصلت الإمبراطورية السلجوقية إلى ذروتها في عهد ألب أرسلان وملك شاه.
شهد عهد ألب أرسلان فتوحات عظيمة، حيث تمكن عام 1065 من توحيد ضفتي الخليج العربي بعد سيطرته على عُمان، ثم عزز قوته بالاستيلاء على سوريا عام 1070. وجاء انتصاره في معركة ملاذكرد عام 1071 ليُمهد الطريق أمام الاستيطان التركي الإسلامي في الأناضول. ومع تزايد ضعف بيزنطة أمام المسلمين، لجأت إلى طلب الدعم من المسيحيين في الغرب، مما أدى إلى اندلاع الحروب الصليبية. وقد تصدى السلاجقة، ومن بعدهم الزنكيون والمماليك والعثمانيون، للهجمات الصليبية بكل حزم وقوة.
* أنشأ السلاجقة بنية دولة قوية من خلال الجمع بين التقاليد البيروقراطية التي ورثوها من الساسانيين والعباسيين والأنظمة العسكرية التركية. وقد أنشأوا نظامًا مرنًا يسمح بالحكم المحلي من خلال حكام المقاطعات الذين أطلق عليهم اسم «الأتابكة» والذين كانوا مسؤولين عن الشؤون الإقليمية. كان أحد أهم الابتكارات الإدارية للسلاجقة هو نظام الإقطاع (التيمار). وفي هذا النظام، تم تخصيص عائدات الأراضي لموظفي الخدمة المدنية والجنود مقابل خدماتهم. وبهذه الطريقة ضمن ولاء أفراد الجيش للدولة وأصبحت إيرادات الدولة منتظمة. وقد وضع هذا النظام الناجح فيما بعد الأساس لنظام «تيمار» في الدولة العثمانية.
*أنشأ الوزير السلجوقي الشهير نظام الملك المدارس النظامية التي كانت تهدف إلى تدريب المسؤولين والعلماء الذين سيخدمون الإمبراطورية وما بعدها. وقد أسسوا وموّلوا العديد من المدارس التي لعبت دورًا مهمًا في نشر المعرفة. ومن خلال هذا النظام، تم إنشاء رابط قوي بين التعليم والإدارة. كما قام السلاجقة بحماية الفنون والعلوم وخلق بيئة تشجع على التعلم والابتكار. كما عملوا على تعزيز التقاليد الإسلامية السنية باعتبارهم حماة للخلافة العباسية. وفي تطور الإسلام الصوفي، كان لشخصيات مهمة مثل الغزالي وجلال الدين الرومي تأثير على الفكر والممارسة الإسلامية حتى يومنا هذا.
*وعلى الصعيد الفني فقد ساهموا بأعمال عظيمة في الأدب الفارسي خلال العصر السني، كما قدموا مساهمات جدية في مجال العمارة. قاموا ببناء هياكل ضخمة مزينة بأنماط هندسية معقدة وخطوط تجمع بين التأثيرات الفارسية والتركية والإسلامية. ومن أبرز إنجازاتها المعمارية المسجد الكبير في أصفهان، وهو مثال ممتاز للفن السلجوقي. كما قام السلاجقة ببناء العديد من القوافل، مما سهل التجارة والاتصالات عبر أراضي الإمبراطورية الشاسعة، مما ساهم في الازدهار الاقتصادي للمنطقة.
* سهل التفاعل السلجوقي مع أوروبا خلال الحروب الصليبية التبادل الثقافي والنمو الفكري، مما ساعد في ظهور عصر النهضة وأثر بشكل كبير على مسار الحضارة الغربية. باختصار، يعد إرث الإمبراطورية السلجوقية في الشرق الأوسط، التي نشأت في آسيا الوسطى، إرثًا متعدد الجوانب ودائم التأثير. فقد ترك السلاجقة بصماتهم في مجالات العمارة، الاستراتيجية العسكرية، الإدارة، الثقافة والدين، مما أثر بشكل عميق في تاريخ المنطقة ومستقبلها. كما كان لإرثهم تأثير بالغ على الدول الإسلامية التي تلتهم، وخاصة الدولة العثمانية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!