
ترك برس
تثار تساؤلات كثيرة في تركيا وفي إسطنبول على وجه التحديد، حول المستقبل السياسي لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بعد قرار قضائي بسجنه على خلفية تحقيقات فساد، لا سيما وأن حزبه الشعب الجمهوري المعارض يستعد لاختياره مرشحا للانتخابات الرئاسية.
وفي الأسبوع الأخير، أصبحت التحقيقات التي فُتحت بحق رئيس بلدية أسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري (CHP)، و106 أشخاص آخرين، واحدةً من أهم الموضوعات ليس فقط في الإعلام التركي بل في الإعلام العالمي أيضًا.
وفيما يلي مقال للكاتب والصحفي التركي كمال أزوتورك، نشره موقع "الجزيرة نت"، لتوضيح تفاصيل وملابسات قضية إمام أوغلو التي ضجت بها تركيا خلال الأيام الأخيرة:
ما نطاق التحقيقات التي تم فتحُها؟
فتحت النيابة العامة في إسطنبول تحقيقَين بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو و106 أشخاص.
التحقيق الأول؛ يتعلّق بجرائم منظمة مثل الفساد، والرشوة، والتهديد، والتلاعب في المناقصات، وسوء استخدام الوظيفة العامة، وتسجيل البيانات الشخصية للمواطنين بشكل غير قانوني.
أما التحقيق الثاني، فهو بخصوص "جرائم إرهابية"، ويتعلق بتقديم دعم مادي لتنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، وتوظيف أعضائه في البلديات.
بماذا يُتهم أكرم إمام أوغلو وزملاؤه؟
يتهم أكرم إمام أوغلو وزملاؤه بإنشاء وإدارة منظمة إجرامية، وتقديم الدعم لتنظيم إرهابي، وتنظيم مناقصات غير قانونية، والتلاعب في المناقصات، وأخذ الأموال من رجال الأعمال تحت التهديد، وتسجيل بيانات سكان إسطنبول بشكل غير قانوني، وتلقي رشاوى.
ما الذي قررته المحاكم نتيجة هذه التهم؟
تم توقيف 92 شخصًا من أصل 106 شملهم التحقيق، وما زال البحث جاريًا عن 13 شخصًا.
الموقوفون أنكروا جميع التهم الموجهة إليهم أثناء استجواب الشرطة والنيابة، وأكدوا أنهم أبرياء. وقد تم اعتقال 50 شخصًا من بينهم أكرم إمام أوغلو، وإرسالهم إلى السجن بقرار من المحكمة المناوبة، بينما أُطلق سراح 42 شخصًا بشرط الرقابة القضائية.
ويشمل المعتقلون رؤساء بلديات، ومسؤولين رفيعي المستوى في البلدية، ورجال أعمال، وبيروقراطيين.
ما الذي تقوله المعارضة؟
تدعي المعارضة أن هذه التحقيقات ذات دوافع سياسية، وأنها تهدف إلى منع أكرم إمام أوغلو، أقوى مرشحي الرئاسة، من الترشح.
وفي استجوابه، رفض إمام أوغلو الرد على كثير من الأسئلة قائلًا: "لا أعتبر هذا السؤال موجهًا إليّ".
وتقول المعارضة: إن القضاء غير مستقل، وإنه خاضع لسيطرة الحكومة، مشيرة إلى أنه لم يتم فتح أي قضية ضد بلديات الأحزاب الحاكمة منذ 20 عامًا، ولذلك فهي لا تثق بالقضاء.
ما الذي تقوله الحكومة؟
يقول المتحدثون باسم حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان: إن هذه التحقيقات قرارات مستقلة للقضاء، وإن الادعاءات خطيرة ومهمة، لكن المعارضة لا ترد عليها. ويقولون: إن المعارضة تحاول تحويل القضية إلى جدل سياسي بدلًا من الرد على مزاعم الفساد التي تقدر بمليارات الليرات.
هل سيتم تعيين وصيّ على بلدية إسطنبول الكبرى؟
بحسب القانون الجنائي التركي، إذا تم اعتقال رئيس بلدية في إطار جرائم منظمة، يتم عزله من منصبه ويُنتخب نائب رئيس بلدية جديد من قبل مجلس البلدية حتى موعد الانتخابات.
أما إذا تم فتح تحقيق أو صدر حكم ضده في جرائم إرهابية، فلا تُجرى انتخابات في مجلس البلدية، بل تُعين وزارة الداخلية وصيًا.
تم عزل أكرم إمام أوغلو من منصبه من قبل وزارة الداخلية في إطار جرائم منظمة، وسيُجرى انتخاب بديل له في مجلس البلدية بتاريخ 26 مارس/ آذار، ولن يتم تعيين وصي.
أما رئيس بلدية منطقة بيليك دوزو في إسطنبول، مراد تشاليك، الذي تم اعتقاله في نفس التحقيق، فقد تم عزله أيضًا وسيُنتخب بديل له.
لكن رئيس بلدية شيشلي في إسطنبول، رسول أمره شاهين، تم اعتقاله في إطار جرائم إرهابية، ولذلك تم عزله من قبل وزارة الداخلية وتعيين قائم مقام المنطقة وصيًا عليها.
هل يمكن لأكرم إمام أوغلو أن يكون مرشحًا رئاسيًا؟
قبل هذه التحقيقات، كان هناك تحقيق قائم حول عدم صلاحية شهادة إمام أوغلو الجامعية، وقد انتهى في 18 مارس/ آذار 2025.
أكدت جامعة إسطنبول أن إمام أوغلو لم يستوفِ الشروط المطلوبة حين انتقل من جامعة غيرنه الأميركية في قبرص إلى جامعة إسطنبول عام 1990، وأنه انتقل إلى كلية إدارة الأعمال بطريقة غير قانونية، وتم إلغاء شهادته.
وألغت الجامعة شهادات 27 شخصًا آخرين انتقلوا معه في نفس الفترة.
وفقًا للدستور التركي، يجب أن يكون مرشحو الرئاسة من خريجي الجامعات، وبهذا فإن إمام أوغلو لا يمكنه الترشح. لكنه يستطيع الطعن أمام المحكمة الإدارية، وإذا أبطلت المحكمة قرار الجامعة، فيمكنه الترشح.
وإذا انتهت التحقيقات الحالية قبل انتخابات 2028 وصدر حكم بإدانته بجرائم منظمة، فلن يتمكن من الترشح أيضًا.
ورغم كل ذلك، أجرى حزب الشعب الجمهوري انتخابات تمهيدية في 23 مارس/ آذار 2025، فاز فيها إمام أوغلو كمرشح رئاسي بتأييد كبير من أعضاء الحزب. وذكر الحزب أن 15 مليون مواطن خارج الحزب صوّتوا أيضًا له.
لكن هذه الأصوات والانتخابات لا تؤهله رسميًا ليصبح مرشحًا رئاسيًا.
هل سيتم إغلاق حزب المعارضة الرئيسي؟
أجرى حزب الشعب الجمهوري (CHP) مؤتمره العام في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وانتخب أوزغور أوزال رئيسًا جديدًا.
ادّعى الرئيس السابق كمال كليجدار أوغلو وأنصاره أن المؤتمر شهد عمليات شراءِ للأصوات وتزويرٍ، وتقدّم بعض الأعضاء بدعاوى لإبطاله. وفي ظل بدء التحقيقات في إسطنبول، قررت إدارة الحزب عقد مؤتمر استثنائي في 6 أبريل/ نيسان 2025، بزعم أن "وصيًا سيتم تعيينه على الحزب".
إذا قررت المحكمة تعيين وصي، فيجب إجراء مؤتمر جديد خلال 45 يومًا. لكن لا يوجد قرار بإغلاق الحزب أو إدارته من قبل وصي حكومي.
هل لن تتمكن المعارضة من تقديم مرشح رئاسي؟
لم يكن إمام أوغلو المرشح الوحيد البديل لأردوغان؛ بل كان هناك أيضًا رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، الذي أظهرته الاستطلاعات متقدمًا على إمام أوغلو. وبسبب التنافس بينهما، تم إجراء انتخابات تمهيدية، رفض يافاش المشاركة فيها.
الآن، بعد اعتقال إمام أوغلو، يمكن لـ CHP ترشيح منصور يافاش أو شخص آخر.
هل تُقمع المعارضة في تركيا؟
بسبب قضايا الفساد التي فُتحت ضد بلديات حزب الشعب الجمهوري، وقضايا الإرهاب ضد حزب الشعوب الديمقراطي، تم تعيين أوصياء على عدد من البلديات وتم عزل بعض رؤسائها.
كما فُتحت تحقيقات ضد صحفيين وكتاب ورجال أعمال مؤيدين للمعارضة. وتدّعي المعارضة أن هذه التحقيقات، وآخرها قضية بلدية إسطنبول، تهدف إلى إسكاتها باستخدام القضاء.
ومن الصحيح أن هذه التحقيقات والاعتقالات تُشكّل ضغطًا على المعارضة ومؤيديها، لكنها لا تعني أن المعارضة قد سُحقت تمامًا. فجميع الأحزاب المعارضة لا تزال تمارس أنشطتها السياسية، وتُعد أكثر القنوات التلفزيونية والصحف المقروءة في تركيا حاليًا تابعة للمعارضة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!