
ترك برس
تناول مقال للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، بصحيفة يني شفق، تصاعد التناقضات داخل المنظومة الرأسمالية الغربية، مركّزًا على التباين بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا من جهة، وبقية العالم من جهة أخرى، في أعقاب عدوان 7 أكتوبر 2023 على غزة.
يربط الكاتب هذا الحدث بإحياء أنماط الاستعمار الجديد، حيث تتبنى النخب الأنجلوسكسونية والصهيونية خطابًا يقوم على تفوق الحضارة الغربية وتبرير الإبادة، فيما تتشكل في المقابل حركات معارضة شعبية عالمية ترفض هذه السياسات.
كما يحلل محاولات هذه النخب توظيف الأيديولوجيا العرقية والدينية لتثبيت هيمنتها داخليًا وخارجيًا، محذرًا من انتقال العنف الاستعماري إلى داخل المجتمعات الغربية نفسها. وفيما يلي نص المقال:
إن تقييم التباين بين أوروبا والولايات المتحدة، أو بشكل أعم بين بريطانيا والولايات المتحدة وبقية العالم، من منظور التناقضات الداخلية للرأسمالية، ليس بالأمر اليسير. فليس هناك توجه قوي بهذا الخصوص. ورغم ذلك أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن حركة أنتيفا (الحركة المناهضة للفاشية) منظمة إرهابية، وقبل ذلك سبق وأن صنف حماس كمنظمة إرهابية، وبهذا يكون ترامب قد حدد أعداءه بوضوح، وبالتالي، إنه يسعى لإدراج أعدائه ضمن حدود أيديولوجية الرأسمالية. ومن الواضح أنه لا يمكن إدراج حماس في هذا الإطار. ولكن بما أن تصنيف حماس قد تم تحديده مسبقًا، فلن يمثل هذا مشكلة كبيرة للحضارة الأنجلوسكسونية. فهم يمتلكون بالفعل فئة جاهزة لهم، وهي "حرب الأديان والحضارات"، وقد استثمروا في هذه الفئة منذ أوائل التسعينيات على الأقل.
ويمكننا أن نلاحظ ظهور معارضة جادة للنخب الأنجلوسكسونية الحاكمة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة بعد 7 أكتوبر 2023. ولا تزال المصطلحات والمفاهيم التي ينبغي استخدامها لتعريف هذه المعارضة يكتنفها الغموض، ومن الطبيعي أن تظل الحركات المعارضة غير واضحة في بيئة سياسية يبذل فيها ترامب وكير ستارمر وفريدريك ميرز قصارى جهدهم لإخفاء أيديولوجياتهم الاستعمارية الجديدة. ولكن لا شك أن الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا تسعى إلى تصنيف هذه الحركات المعارضة ضمن فئة معينة ووصمها كأعداء. ورغم ذلك، تتشكل مقاومة لسياسات الاستعمار الجديد التي تنتهجها الأنجلوسكسونية، بمشاركة اليهود الصهاينة، في شوارع هذه الدول الثلاث، بل وفي معظم أنحاء العالم تقريبًا.
من الصعب التنبؤ بمدى تأثير الحركات المعارضة، التي تنتشر في أنحاء أوروبا ضد النخب الحاكمة في بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا. ولكن من المعروف أيضًا أن الحركات الأيديولوجية المبنية على التفوق العرقي تتصاعد في هذه الدول الثلاث، وهو ما يجب اعتباره انعكاسًا لموقف النخبة. ومن خلال متابعة هذه الحركات، يمكن الوصول إلى بيانات دقيقة حول أيديولوجيات النخب الحاكمة في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة. فخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة، تتحرك النخب وفق منظور استعماري جديد، وتمهد الطريق لحركات قائمة على التفوق العرقي على مستوى قاعدتها الشعبية. هذه المجموعات تسعى إلى تقوية نفسها وزيادة شعبيتها عبر تأجيج العداء ضد الآخرين. ويمكن القول إنهم يسعون لتطبيق مفاهيم مثل الحضارة والهمجية في إطار التناقضات الجديدة كما في القرون الماضية. ومن هذا المنظور، تحمل تصريحات المسؤولين الصهاينة الإسرائيليين حول تمثيلهم للحضارة الغربية أهمية بالغة، إذ إن عدم اعتبار الفلسطينيين بشرًا ليس حادثًا عاديًا، بل هو انعكاس للخطاب الاستعماري الذي ظهر في بريطانيا والولايات المتحدة وما زال مستمرًا حتى اليوم.
لقد حاولت أن أوضح أن حرب الإبادة الجماعية التي أشعلتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا وإسرائيل في غزة في 7 أكتوبر 2023 هي عدوان استعماري جديد. كانت هذه الملاحظة في غاية الأهمية، إذ من الضروري التوضيح أنها لم تكن حربًا دينية جديدة، وكان يجب التعبير عن ذلك بأقوى طريقة ممكنة. نحن بالتأكيد لا نتجاهل أن الفلسطينيين مسلمون، وأن أراضيهم التاريخية تقع في قلب العالم الإسلامي. ولكن لا بد من إبراز طبيعة العدوان الإبادي الذي وقع، خاصة أن هناك من يقف مع الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم بدافع معارضتهم للاستعمار الجديد. حتى أننا رأينا مجتمعات ظنناها قد اندثرت في غياهب التاريخ تخرج لتقف إلى جانب الفلسطينيين، ما يجعل هذا الحدث بعيدًا عن كونه حدثا عابرا. وخلال العامين الاستثنائيين المنصرمين، تباينت مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا عن بقية العالم. فهذه الدول، إلى جانب الكيان الصهيوني، ارتكبت فظائع وجرائم لن تُنسى في تاريخ البشرية، وسجلت أعمال الإبادة هذه في صفحات التاريخ. لقد قدم اليهود الصهاينة دينهم أيضًا في خدمة هذه الدول الثلاث.
وتمتلك الدول التي ذكرناها واليهود الصهاينة أقوى البنى في العالم. ولا خلاف في قوتهم. ولكن الحقيقة هي أنهم لم يحققوا أي "نجاح" خلال العامين الماضيين سوى تلطيخ أيديهم في برك من الدماء التي أراقوها. أخشى أنهم يسعون الآن إلى نقل هذا العنف إلى شعوبهم عبر الجماعات العنصرية. وسيحاولون ترسيخ طموحاتهم الاستعمارية الجديدة عبر تحويلها إلى أيديولوجية جديدة لدى قاعدتهم الشعبية. فهل سينجحون في ذلك أم لا؟ الوقت وحده كفيل بأن يكشف لنا ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!