إسلام الغمري - خاص ترك برس

في لحظة فارقة من تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة الدول العربية والإسلامية لبحث الحرب الدائرة على غزة وسبل إنهائها. كان الاجتماع بحد ذاته حدثًا سياسيًا لافتًا، لكن الصورة التي تصدرت المشهد لم تكن البيان الختامي ولا الكلمات الرسمية، بل جلوس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى جوار ترامب على رأس الطاولة، في مشهد رمزي لا يخلو من رسائل متعددة تتجاوز حدود البروتوكول.

اجتماع يتجاوز المخرجات

الموقف الأمريكي من الحرب على غزة واضح منذ اليوم الأول: دعم مطلق لإسرائيل حتى آخر لحظة. لذلك فإن أهمية الاجتماع لا تكمن فيما صدر عنه من تصريحات بقدر ما تكمن في الرسائل التي أراد المشاركون إيصالها. مجرد جلوس قادة الدول الإسلامية إلى طاولة واحدة مع ترامب في توقيت بالغ الحساسية يُعد رسالة ضغط غير مباشرة مفادها أن هناك نواة لتحالف إسلامي قد بدأت بالتشكل ولو بشكل محدود، وأن استمرار الانحياز الأمريكي قد يضع واشنطن في مواجهة جبهة جديدة لم تكن في حسبانها.
لماذا الآن؟ خلفيات الاجتماع

انعقاد الاجتماع في هذا التوقيت لم يكن مصادفة. فبعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة تجاه قطر، ارتفعت درجة التوتر في المنطقة بشكل غير مسبوق، وظهرت الحاجة لإعادة رسم الاصطفافات السياسية والأمنية. الولايات المتحدة أرادت من خلال اللقاء أن تُظهر أنها ما زالت ممسكة بخيوط اللعبة، فيما أرادت بعض الدول الإسلامية أن ترسل رسالة مفادها: “نحن هنا، ولن نقبل أن تُدار الحرب في غيابنا أو على حسابنا”.

تحولات في خريطة التحالفات

المشهد الإقليمي اليوم يختلف جذريًا عما كان عليه قبل سنوات قليلة. من أبرز مظاهر هذا التحول:

• التقارب التركي – المصري: شهدت المنطقة مناورات بحرية مشتركة بين البلدين للمرة الأولى منذ 13 عامًا، في إشارة واضحة إلى أن لغة المصالح الاستراتيجية باتت تتجاوز الخلافات السياسية. هذه المناورات تحمل دلالة كبرى لأن مصر وتركيا تمثلان جناحين أساسيين في معادلة شرق المتوسط.

• التعاون السعودي – الباكستاني: لم يقتصر على تصريحات سياسية، بل تُوّج بتوقيع اتفاقية تعاون أمني ودفاعي منذ أيام قليلة. هذه الخطوة تفتح الباب أمام نقاش حساس حول إمكانية إدماج القدرات النووية الباكستانية في منظومة الردع بالشرق الأوسط، وهو ما يُعد تحولًا استراتيجيًا إذا تحقق.

• إدراك متزايد للخطر الإسرائيلي: لم يعد التهديد مقتصرًا على فلسطين وحدها، بل أصبح يُنظر إليه كعامل جامع يُسرّع من خيارات الأمن الجماعي.

مقعد أردوغان بجوار ترامب: رمزية عميقة

الحدث الأبرز كان جلوس أردوغان بجوار ترامب مباشرة. هذه اللقطة الرمزية يمكن قراءتها على أكثر من مستوى:

1. إبراز تركيا كقوة إسلامية في موقع القيادة: جلوس الرئيس التركي بهذا الشكل رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن أنقرة تتصدر المشهد في العالم الإسلامي.

2. الإيحاء بتفاهم خاص بين أنقرة وواشنطن: هذا الترتيب لا يُمنح عادة إلا لقادة يُراد لهم أن يكونوا في دائرة النقاش الأساسية، وهو ما يشي بمستوى معين من التفاهم حتى في ظل التباينات.

3. إلقاء عبء المسؤولية على تركيا: بقدر ما يعزز هذا المشهد من مكانة أنقرة، فإنه يضعها أمام مسؤولية مضاعفة للتحرك الجاد من أجل وقف العدوان، أكثر من أي دولة إسلامية أخرى.

بين الإدراك والفعل

اليوم، الجميع يدرك أن الخطر الإسرائيلي قادم لا محالة، لكن الإدراك وحده لا يكفي. السؤال الحقيقي هو: هل سيُترجم هذا الوعي إلى خطوات عملية على الأرض؟ أم سيبقى مجرد خطابات وبيانات تُضاف إلى أرشيف المواقف؟

الإشكالية الكبرى أن بعض القادة ينظرون إلى وقف الحرب كأولوية، بينما يرى آخرون أن “وقف المقاومة” شرط لا بد منه لفتح أي أفق سياسي. وهنا يكمن التحدي الأكبر الذي سيحدد ما إذا كان هذا الاجتماع نقطة تحول أم محطة عابرة.

أردوغان بعد الاجتماع: تفاؤل مشروط

الرئيس التركي قال بعد الاجتماع: “انتهينا من الاجتماع وكان مثمرًا جدًا، أنا سعيد وأرجو أن تكون نتيجته خيرًا”. هذه الكلمات تعكس تفاؤلًا حذرًا، وتكشف أن أنقرة ترى الاجتماع خطوة أولى لكنها لا تعوّل كثيرًا على النتائج ما لم تُترجم إلى أفعال. الرسالة الضمنية هنا أن تركيا مستعدة للعب دور أكبر، لكنها تنتظر اختبار جدية بقية الأطراف.
البُعد الدولي: ما وراء الطاولة

من المهم إدراك أن الاجتماع لم يكن موجهًا فقط لإسرائيل أو غزة، بل كان أيضًا رسالة إلى القوى الكبرى الأخرى. فروسيا تتابع بدقة كيف تتحرك تركيا ومصر في شرق المتوسط، بينما تراقب الصين ما إذا كان العالم الإسلامي سينجح في صياغة موقف موحد. في المقابل، تسعى واشنطن للحفاظ على موقعها كوسيط وحيد لا بديل عنه. وهنا يصبح جلوس أردوغان بجوار ترامب مشهدًا يُقرأ في موسكو وبكين بقدر ما يُقرأ في تل أبيب والدوحة والقاهرة.

نداء إلى الأمة

إن ما يحدث في غزة اليوم ليس قضية فلسطينية فحسب، بل قضية الأمة كلها. فإذا لم تتحرك الدول العربية والإسلامية الآن، فمتى؟ لقد أثبتت التجارب أن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، وأن البيانات الرنانة لا توقف حربًا ولا تحمي شعبًا. اللحظة الراهنة تختبر صدق الإرادة: إما أن نصنع موقفًا موحدًا يفرض إرادته على الطاولة الدولية، أو نظل ندور في حلقة التردّد والانقسام.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس