محمد زاهد جول – الخليج أونلاين
وقع تفجير مدينة سوروج في ولاية أورفا التركية الواقعة على الحدود التركية السورية في ظل ظروف مضطربة في تركيا، وبالنّظر إلى العدد الكبير من القتلى الذي أسقط أكثر من ثلاثين قتيلاً وأكثر من مئة جريح يوم 2015/7/20 على الحدود التركية السورية فإن التفجير كبير جداً، ولا شك أن له أسبابه وتداعياته ودلالاته، فهو وإن كان ليس التفجير الأول الذي وقع في الحدود التركية السورية، التي كان بعضها من تخطيط النظام السوري، وبعضها وقع نتيجة الخطاب المتوتر في الساحة السياسية الداخلية التركية قبل الانتخابات الأخيرة، ولكن لا بد من النظر إلى هذا التفجير من زاوية خاصة أولاً، وعلى أنه مؤشر خطير على مستقبل الأمن القومي التركي في ظل ظروف عديدة تشغل الحكومة والشعب التركي ثانياً، فالأنظار التركية متوجهة الآن إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ومباحثات الأحزاب السياسية الفائزة لتشكيل حكومة تركية ائتلافية في أسرع وقت، وهذه المباحثات تواجه صعوبات ومشاكل عديدة منها إفرازات النجاح الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي)، ورفض الأحزاب التركية الأخرى هضمه بسهولة في السلطة التنفيذية بعد أن أصبح جزءاً من السلطة التشريعية.
لذلك فإن حدوث هذا التفجير بعد نتائج الانتخابات التي أفرزت تقدماً لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ينبغي أن يكون جزءاً من التحليل السياسي للحدث؛ فصعود حزب الشعوب الديمقراطي على الساحة السياسية التركية بهذه القوة أشعر الأكراد في المنطقة وبالأخص في جنوب شرق تركيا أولاً، وجنوب تركيا وشمال سوريا ثانياً بنوع من النشوة السياسية المرتفعة في الطموح والضغط على الحكومة التركية لتقديم مزيدٍ من التنازلات في عملية السلام الداخلي في تركيا، والتي أقام أركانها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى الطموح إلى إقامة كيان كردي شمال سوريا مدعوم من الأطراف التي تسعى إلى استدامة الصراع في سوريا إلى سنوات أو عقود قادمة.
إن تصريحات نائبة رئيس حزب الشعوب الديمقراطي بأن حركتها تستمد مشروعيتها من كوباني، ومن العمليات القتالية التي قام بها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، يمكن النظر إليها على أنها من التصريحات التي وترت الساحة السياسية والميدانية في تركيا وسوريا معاً، فهذه التصريحات ألهبت مشاعر الشعب التركي ضد مشاعر الكراهية القومية التي تثيرها تلك التصريحات، ولذلك فإن الحكومة التركية وهي تندد بهذا التفجير إلا أنها لا تستطيع اتهام تنظيم "الدولة- داعش" به إلا بعد الحصول على أدلة موثوقة ومؤكدة لذلك، فهي لم تؤكد بشكل قاطع أن تنظيم "الدولة- داعش" هو من يقف وراء هذا التفجير الانتحاري، فقال رئيس الورزاء التركي، داود أغلو، بأن هناك احتمالاً بأن يكون تنظيم "الدولة" وراء هذا التفجير، بينما وصف الرئيس التركي هذا التفجير بالعمل الوحشي، ورفعت الحكومة التركية استعداداتها الأمنية في تلك المنطقة خشية أن تتكرر مثل هذه التفجيرات.
ومدينة سوروج هي منطقة حدودية أولاً، وتحتوي على أعداد كبيرة من مليشيات حزب العمال الكردستاني، وكذلك أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين القادمين من عين العرب (كوباني)، وقد استهدف الانفجار حديقة "مركز أمارا الثقافي"، حين كان عشرات النشطاء الشباب من اتحاد الجمعيات الشبابية الاشتراكية (SGDF) مجتمعين في المركز، وقد جاؤوا من إسطنبول للمرور إلى عين العرب (كوباني)، ومن المرجح أن التفجير كان يستهدف هذا التجمع، وأن هؤلاء الشباب كانوا الهدف الأساسي لهذا العمل الإرهابي حيث أنهم كانوا يقومون بنشاطات يمكن اعتبارها بأنها تستهدف أطرافاً عديدة منها تنظيم "الدولة- داعش"، ومنها تنظيمات كردية أخرى، فإذا ما أضيف إلى الحادث موجة العداء بين اللاجئين السوريين والمليشيات الكردية التي قتلت وهجرت الكثيرين من السوريين العرب والتركمان في عملية تطهير عرقي، فإن هناك احتمالاً لوجود طرف آخر وراء التفجير غير تنظيم "الدولة- داعش".
هذه المعلومات ينبغي أخذها بعين الاعتبار لمعرفة دلالات هذا التفجير، فمكان التفجير والتوقيت يشيران إلى رغبة الإرهابيين الذين قاموا به في استهداف المنظمات الشبابية الكردية التي تدعم المليشيات التي قاتلت تنظيم "الدولة- داعش" في عين العرب (كوباني) وفي مدينة تل أبيض وغيرها، التي استهدفت بالتطهير العرقي السكان السوريين العرب والتركمان فيها، فالمستهدف المباشر هي الأحزاب والتنظيمات السياسية الكردية وبشكل أخص اليسارية والاشتراكية منها، التي قاتلت أو دعمت القتال في سوريا، سواء في عين العرب (كوباني) أو تل أبيض أو غيرها، وهذا الاستهداف من قبل المتورطين وإن كان يحمل رسالة إلى المليشيات الكردية أولاً، فإن فيه رسالة للحكومة التركية بأن المعركة في هذه المنطقة لن تتوقف عند نتائج واحدة، بل ستبقى متفاعلة ومستمرة، فإذا كان الفاعل هم داعش فإن ذلك يعني أن داعش لن تتوانى عن استهداف أعدائها على الأراضي التركية، وأنها وإن تجنبت الصدام مع الحكومة التركية والشعب التركي في السابق، فإنها على استعداد أن توجه الضربات لأعدائها على الأراضي التركية، حتى لو اعتبر ذلك استهدافاً للدولة التركية نفسها، أو أدى إلى إحراج حكومتها وحزب العدالة والتنمية أو رئيس الجمهورية نفسه، بل قد يكون من أهداف هذا الهجوم الانتحاري توريط الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية في مشاكل أكبر على صعيد الساحة السياسية التركية الداخلية أولاً، وتوريطها أكثر بما يجري في سوريا ثانياً، بعد أن أبدت الحكومة التركية مساعدات لوجستية ساعدت المليشيات الكردية في شمال سوريا على تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على حساب تنظيم "الدولة- داعش".
إن التفجير وبالرغم من المأساة الإنسانية التي أحدثها، إلا أن فيه رسائل سياسية مهمة لجميع الأطراف المشاركة في الأزمات السياسية داخل تركيا أولاً، والأطراف المشاركة في الصراع العسكري المسلح شمال سوريا، وهذا يتطلب رداً صحيحاً وإيجابياً من هذه الأطراف المعنية بعدم مواصلة مثل هذه التفجيرات، والمهمة الكبرى هي أمام الأحزاب السياسية التركية التي دخلت مستوى جديداً من العمل السياسي المشترك بعد الانتخبات البرلمانية الأخيرة، فهي معنية أن تقف جميعها ضد الإرهاب وإدانته مهما كانت الجهة التي تقف وراءه، فدخول التفجيرات إلى الأراضي التركية هو ناقوس خطر على كل الأطراف، وهي وإن كانت عمليات تفجيرية ومدانة حيثما وقعت، فإن إبقاءها خارج تركيا هي مصلحة لكل الأطراف التركية وغير التركية، وبالأخص الكردية منها؛ لأنها ستجعل الحكومة التركية والشعب التركي أكثر تشدداً في التقارب مع الآخرين، وأكثر رفضاً في دخول عملية السلام الداخلي، وهذه آثار ليست من مصلحة الأكراد ولا الأتراك، وبالأخص الأحزاب السياسية الجديدة على الساحة السياسية التركية، فهي غير معنية بزيادة وتيرة العداء لها، وكافة تصريحاتها السياسية ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار أن السلام هو الذي سيحقق الأهداف المنشودة وليس التصريحات العدائية ضد الوطن أو الهوية الوطنية التي يستظل تحتها الجميع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس