
ترك برس
تناول مقال للكاتب والباحث السياسي عمر كوش، مصير اتفاق 10 مارس/آذار 2024 الموقّع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد تنظيم "قسد" مظلوم عبدي، في ظل اقتراب انتهاء المهلة الزمنية لتنفيذه وتزايد الاشتباكات الميدانية في شمال شرقي سوريا.
ويحلل الكاتب في مقاله بموقع الجزيرة نت أسباب التعثر، وتعارض الرؤى بين الحكومة السورية والقوى الكردية حول شكل الدولة ومستقبل الاندماج العسكري والإداري، إضافة إلى دور الولايات المتحدة وتركيا في مسار الاتفاق.
كما يستعرض السيناريوهات المحتملة، من التنفيذ التدريجي الجزئي، إلى استمرار الجمود، وصولاً إلى خطر الانهيار والصدام المسلح، مع التأكيد على أن الحل الأكثر استقراراً يظل رهناً بالتنازلات المتبادلة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
وفيما يلي نص المقال:
تطرح تساؤلات عديدة حول مصير اتفاق 10 مارس/آذار 2024، الذي وقع عليه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، مع اقتراب موعد انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ بنوده بنهاية العام الحالي، لا سيما في ظل الاشتباكات الميدانية التي شهدتها اليوم بعض مناطق شمال شرقي سوريا، والتي أعادت إلى الواجهة مخاوف من انزلاق الاتفاق نحو مزيد من التعقيد أو الانهيار.
تمتد التساؤلات إلى السيناريوهات المحتملة، ومستقبل المفاوضات بين الحكومة السورية المؤقتة والقوى السياسية والعسكرية الكردية، حول كيفية دمج "قسد" والهيئات والإدارات المدنية، المسيطرة على مناطق الجزيرة السورية (شمال شرقي سوريا)، في مؤسسات الدولة السورية. وتطال دور الإدارة الأميركية التي دفعت إلى توقيعه، ومواقف الدول الإقليمية، خاصة تركيا، التي تراقب من كثب مآل تنفيذ الاتفاق وكيفيته، وسط تحذيرات من مغبة الاستمرار في المماطلة في تنفيذه، وتجاوز السقوف الزمنية.
يهدد الفشل في تنفيذ الاتفاق بإشعال صدام مسلح، لا أحد يتمناه في سوريا؛ لأنه سيدخل البلاد في دوامة دامية، تعرقل خروجها من الأوضاع الكارثية التي سببتها الحرب التي شنها نظام الأسد على الشعب السوري طوال 14 عاما، وقد تستدرج إليها تركيا التي يطلق مسؤولوها تهديدات بالتدخل ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين، يهددون أمنها القومي.
على الرغم من أن الاتفاق حظي بترحيب إقليمي ودولي، وجرى بوساطة ورعاية أميركية، فإنه واجه تحديات كبيرة، تجسدت في تأخير تنفيذه، واشتباكات وتوترات ميدانية متزايدة. وعقدت طوال الأشهر السابقة عدة جولات من التفاوض بين مسؤولين في الحكومة السورية ووفود للقوى الكردية، إلا أنها لم تفضِ إلى إحداث تقدم ملموس في تطبيق بنوده الأساسية، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين السوريين إلى اتهام "قسد" بالمماطلة والتقاعس في تنفيذه، وقابلتها انتقادات مماثلة من طرف قادة "قسد" والقوى والأحزاب المسيطرة على شمال شرقي سوريا.
اللافت هو أن مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" رفض في بيانه الأخير ربط تطبيق الاتفاق بمدد زمنية ملزمة، في خطوة تعد بمثابة تصعيد للجدل حول تطبيقه، مع العلم أن الاتفاق نص بوضوح في بنده الثامن على أن "تتولى اللجان التنفيذية تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي".
وفي ظل غياب أي تقدم حقيقي على المستويين؛ السياسي، والعسكري، تترقب الحكومة السورية موقف القوى والأحزاب الكردية من العرض الذي قدمته مؤخرا، وينص على إعادة تنظيم مقاتلي "قسد"، البالغ عددهم نحو 50 ألف مقاتل، في ثلاث فرق رئيسية وألوية أصغر، شريطة أن تتنازل عن بعض سلاسل القيادة، وتفتح مناطق سيطرتها أمام وحدات الجيش السوري الأخرى.
تعارض المواقف
تكمن الإشكالية في تعارض موقف الحكومة السورية مع موقف القوى المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا، وخاصة حول مستقبل الدولة السورية، وطبيعة الحكم فيها، حيث تطرَح مسألتا المركزية واللامركزية، إذ تريد الحكومة السورية اندماجا مؤسسيا كاملا، يعيد ترتيب المؤسسات وفق مبدأ السيادة المركزية، مع منح سكان تلك المناطق لا مركزية إدارية، فيما تطرح القوى الكردية نموذجا أشبه بإعادة توطين لكافة مخرجاتها العسكرية والمدنية في دولة لا مركزية، وبما يضمن لها (خاصة "قسد") البقاء ككتلة واحدة ضمن الدولة السورية، دون أن تشكل جزءا عضويا منها.
وهو ما حدا ببعض المسؤولين السوريين إلى الحديث عن أن ما تريده القوى والأحزاب الكردية هو شرعنة الوضع القائم منذ عام 2013، أي منذ أن سيطر "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي على تلك المناطق. وضعَ التعارض في المواقف والرؤى كلا من الحكومة السورية والقوى الكردية أمام مفاوضات غير مجدية، لأنها لا تمتلك قواسم لغوية، ولا مرجعية سياسية، لذلك انقضت جولات تفاوض عديدة بينهما دون أي تقدم يذكر.
فالالتزام الذي تعلنه كل من "قسد" و"مسد" حيال مبدأ الاندماج في الدولة السورية، مقترن بشرط أساسي يتمثل في الحفاظ على بنية "قسد" التنظيمية العسكرية ودورها القتالي، إلى جانب الحفاظ على هيكلية "الإدارة الذاتية" وكافة المؤسسات القائمة.
أما السلطات السورية فإنها تسعى إلى بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، وحصر السلاح بيدها. إضافة إلى أن سيطرتها على محافظات منطقة الجزيرة، تعني ضمان سيطرتها على الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمياه. وبالنسبة للقوى السياسية الكردية، فإن ذلك يعني نهاية مشروعها الذاتي أو اللامركزي.
أسباب التلكؤ
ترغب الإدارة السورية بإرساء نظامها السياسي في البلاد، وتتوافق رغبتها مع مصالح بعض القوى الفاعلة في المنطقة والعالم. لكن خياراتها لتحقيق ذلك محدودة، ولا تخرج عن خيار الحوار والتفاوض، لذلك تستند القيادات السياسية والعسكرية للقوى المسيطرة على شمال شرقي سوريا، إلى ثغرة جوهرية في اتفاق 10 مارس/آذار، تتمثل في ارتباط تنفيذه بالمفاوضات بين الطرفين، الأمر الذي يبعد الخيار العسكري غير المرغوب فيه سوريا ودوليا، خاصة بعد قبولهما وقف إطلاق النار في أبريل/نيسان الماضي بدفع من الإدارة الأميركية. لكن، بالمقابل حال التلكؤ والمماطلة دون تنفيذ الاتفاق.
تتلخص أسباب التلكؤ بالنقاط التالية
عدم رغبة قادة "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، ومخرجاته المدنية "مسد" والعسكرية "وحدات الحماية الشعبية" الكردية التي تشكل عماد "قسد"، التخلي عن المكاسب والثروات التي راكموها خلال السنوات السابقة من سيطرتهم على مناطق شمال شرقي سوريا، حيث استأثروا بعائدات حقول النفط والغاز فيها، ومصادر المياه وأراضٍ زراعية شاسعة، ومعابر حدودية تجارية مع العراق. إضافة إلى تشكيلهم قوة عسكرية مدعومة من طرف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة "داعش". فالاندماج في الجسد السوري، يعني التخلي عن كل هذه المكاسب والموارد لصالح الدولة السورية. رفض القيادات الكردية، وخاصة المنحدرة من "حزب العمال الكردستاني" التركي حل "قسد"، وتعتبر أن دمجها وفق ما تطلبه السلطات السورية، يعني نهاية دورهم ورحيلهم عن الساحة السورية. تبني القادة السياسيين والعسكريين الكرد نهجا مشككا بالقادة الجدد لسوريا، ومراهنتهم على هشاشة الإدارة السورية الجديدة بتركيبتها العسكرية، واعتبارها منذ البداية شريكا غير موثوق به. إضافة إلى محاولتهم الاستفادة من الدعم الخارجي، ومن الإرباك الذي أصاب الإدارة السورية بعد الانتهاكات التي حصلت خلال أحداث الساحل السوري ومدينة السويداء. تريد تلك القيادات المحافظة على وضعها من خلال تثبيت وضع "قسد" المستقل داخل الجيش السوري الجديد، وانتزاع الاعتراف بمناطق شمال شرقي سوريا بوصفها وحدة سياسية وإدارية ضمن نظام لا مركزي موسع.
السيناريوهات المحتملة
يشي واقع الحال أن التلكؤ والمماطلة في تنفيذ الاتفاق لا يمكن أن يستمرا طويلا، وقد يدفعان القوى الإقليمية، خصوصا تركيا، إلى القيام بعمليات عسكرية لفرض التغيير على الأرض. وقد لا يجلب الجمود والتأجيل ما تراهن عليه قيادات القوى الكردية، فالتحولات في المشهد السوري حملت معها مكاسب سياسية لصالح القيادة السورية، خاصة بعد زيارة الشرع إلى البيت الأبيض، والدعم الذي تلقاه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإلغاء "قانون قيصر"، وانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة. والأهم هو أن "قسد" لم تعد الحليف الرئيسي والوحيد لواشنطن في المنطقة، بل باتت دمشق جزءا من علاقاتها الأوسع في المنطقة، وحليفا مهما لها في حربها ضد تنظيم الدولة.
وفي ظل المعطيات الراهنة، وانقضاء المدة التي منحت لتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار، فإن عدة سيناريوهات محتملة يمكن أن نحصرها فيما يلي:
السيناريو الأول: التوصل إلى خطوات تدريجية محدودة لتنفيذ بعض بنود الاتفاق، مثل التسليم التدريجي لمناطق سيطرة "قسد"، بدءا بمحافظة دير الزور، وتسليم حقول النفط فيها، واستكمال اتفاق حلب بشأن حيي الأشرفية والشيخ مقصود. والاتفاق على تشكيل وحدات عسكرية مشتركة مؤلفة من "قسد" والجيش السوري، وتعيين قادة من قسد في مناصب بوزارة الدفاع السوري، مقابل منح مؤسسات "الإدارة الذاتية" صلاحيات محلية ضمن نظام لا مركزي إداري موسع. وهناك تسريبات تشير إلى أن مثل هذا السيناريو يحظى بدعم أميركي، ويعتبره المبعوث الخاص للرئيس الأميركي توماس باراك واقعيا. السيناريو الثاني: بقاء الوضع على ما هو عليه راهنا، ما يعني استمرار الجمود، والمحافظة على عدم التصعيد وخفض التوتر، وذلك بانتظار التوصل إلى تفاهمات إقليمية ودولية، خاصة بين أنقرة و"قسد"، وكذلك بين دمشق وتل أبيب. وهو أمر تدفع باتجاهه الولايات المتحدة الأميركية. السيناريو الثالث: وهو الأسوأ، لأنه ينتج عن انهيار التفاوض وفشله، ويفتح الباب أمام الاقتتال بين القوات الحكومية و"قسد". وهو السيناريو الأضعف احتمالا، بالنظر إلى تأكيد الرئيس الشرع أنه لن يتم اللجوء إلى القوة العسكرية من أجل بسط سيطرة الدولة على كافة المناطق السورية. إضافة إلى أن الولايات المتحدة تبذل جهودا حثيثة للحيلولة دون وقوعه.
أخيرا، ما يتمناه السوريون هو أن يتحقق السيناريو الأكثر إيجابية عبر التنفيذ التدريجي لبنود الاتفاق، وصولا إلى دمج قوات "قسد" في الجيش السوري، وعودة الجزيرة السورية إلى الجسد السوري، تحقيقا لرغبة غالبية أبنائها من العرب والكرد.
ولا شك في أن التوصل إلى مثل هذا السيناريو لا يتم إلى عبر تقديم تنازلات، والتوصل إلى حلول وسط حول الاندماج واستكمال وحدة الأرض السورية. ويبقى أن المطلوب من السلطات السورية أن تقوم بخطوات من أجل إشراك الأكراد ومختلف المكونات السورية الأخرى في جميع مفاصل الحكم، لكي يشعر السوريون جميعا أنهم معنيون بإعادة بناء وطنهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











