جلال سلمي - خاص ترك برس
شغلت محادثات التوافق التي بدأت بين حزب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري بتاريخ 21 تموز/ يوليو 2015 ليس فقط الرأي العام التركي وحده بل الرأي العالمي أجمع لأن نوعية الحكومة التركية التي كان يمكن أن يتم تشكيلها من خلال التوافق بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري كان يمكن لها أن تحدث الكثير من التغيرات الجذرية في السياسة الداخلية والخارجية في تركيا، ولكن هذه التغيرات لم يحالفها الحظ لعدم توافق الحزبين اللذان توقع الجميع توصلهما لنقاط مشتركة ولكن هذا لم يحدث، وهنا يطفو سؤال بشكل تلقائي على السطح وهو لماذا لم يحدث توافق بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري؟
هذا وقبل الاجتماع المباشر بين الطرفين أعلنا من خلال عدة تصاريح صحفية بأن لهم مبادئ أساسية لا يمكن لهم التنازل عنها، ويمكن سرد هذه المبادئ الخاصة بالطرفين بالشكل التالي:
كشف زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس وزراء تركيا الحالي أحمد داود أغلو، من خلال لقاء تلفزيوني عقب الانتخابات البرلمانية بيومين، أن "حزب العدالة والتنمية لا يملك شروطًا صعبة للتحالف، ولكن لديه بعض الشروط التي لا يمكن أن يتخلى عنها"، وأوضح داود أغلو هذه الشروط على الشكل التالي:
ـ قبول "عملية السلام أو ما يُسمى بالمصالحة الوطنية" والسعي لإتمامها.
ـ الاستمرار في مواجهة "الكيان الموازي" حتى يتم تنظيف جميع خلاياه المنتشرة داخل مؤسسات الدولة بالكامل.
ـ عدم المساس بشخصية السيد رئيس الدولة رجب طيب أردوغان والقبول به كرئيس شرعي منتخب من قبل الشعب.
وأردف داود أوغلو خلال اللقاء الصحفي بأن "هذه هي الشروط المبدئية لحزب العدالة والتنمية التي لا يمكن التخلي عنها والتي على أساسها يمكن الالتقاء والتباحث مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية".
أما حزب الشعب الجمهوري الذي تناقض وتضارب أكثر من مرة في قضية إعلان شروطه الخاصة بالائتلاف الحكومي، حيث قام بتغيير شروطه ومبادئه في أكثر من مرة، ولكن يمكن إيجاز شروط حزب الشعب الجمهوري التي تم إعلانها للمرة الأولى بالشكل التالي:
تم توضيح هذه الشروط على لسان رئيس حزب الشعب الجمهوري نفسه كمال كلجدار أوغلو في تصريح صحفي له لصحيفة تركية، حيث قال فيه: "نحن نعتقد بأن التحالف مع حزب العدالة والتنمية هو خيارانا الأخير ولكن للتحالف مع الاحزاب الأخرى فلحزبنا شروط أساسية هي:
ـ أن يتم تعيين كمال كلجدار أوغلو رئيسًا للوزراء.
ـ إذا وافق حزب الحركة القومية على الانضمام للتحالف الثنائي المحتمل بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي يمكن أن يتم تقاسم الوزارات، وإذا احتاج الأمر سيتم تسليم رئاسة البرلمان لحزب الحركة القومية.
ـ رئاسة اللجان البرلمانية ستكون خاصة بحزب الشعوب الديمقراطي.
ـ تنفيذ الوعود المشتركة مثل؛ إصلاح القضاء، ورفع أجرة الحد الأدنى، ورفع راتب المتقاعدين، وتنظيم قوانين العمل.
ـ قضية الوزراء الأربعة السابقين "المتهمون بالفساد" سيتم تفعيلها حتى تتم محاكمتهم محاكمة عادلة.
وأوضح كلجدار أوغلو، في تصريحاته للصحيفة نفسها، أنه "في حال لم يتم التوافق مع الأحزاب الأخرى، سنسعى للتحالف مع حزب العدالة والتنمية كخيار أخير". وأوضح كلجدار أوغلو شروطه للتحالف مع حزب العدالة والتنمية على الشكل التالي:
ـ إرساء نظام رئاسة وزراء تناوبي بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، في هذا النظام سيكون كلجدار أوغلو رئيسًا للوزراء لمدة عامين.
ـ لن يكون هناك شريك صغير أو كبير في التحالف، بحيث أن أعداد الوزارات يجب أن تتقسم علي الحزبين بالتساوي.
ـ ضمن هذه الوزرات يجب أن تكون وزارة العدل والداخلية والتعليم تابعة لحزب الشعب الجمهوري.
ـ رئاسة البرلمان يجب أن تكون من حق حزب الشعب الجمهوري.
ـ إلغاء تدخل السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية.
ـ تشكيل هيئة تحقيقات خاصة بالوزراء الأربعة السابقين "أصحاب قضايا الفساد والاختلاس.
ـ رفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 1500 ليرة شهريا.
على الرغم من إعلان حزب الشعب الجمهوري لهذه الشروط في بادئ إلا أنه اضطر للتنازل والتراجع عنها في سبيل جس نبض حزب العدالة والتنمية للعمل على التحالف معه، وتنازل عن بعض شروطه غير الممكنة مثل؛ شرط إرساء نظام التناوب في رئاسة الوزراء والتساوي في عدد الوزارات والتنازل عن وزارة الداخلية.
وحسب رأي علي بيرام أوغلو، الذي كتب مقالًا متعلقًا بشروط الأحزاب السياسية حول الحكومة الائتلافية في صحيفة يني شفق بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 2015، بأن "حزب العدالة والتنمية لا يمكن له إلا أن يتباحث مع حزب الشعب الجمهوري لأنه الحزب الألين على الساحة السياسية التركية ولا يمكن التحالف مع حزب الشعب الجمهوري لوضع عدد من الخطوط الحمراء التي تعارض مبادئه، حسب تصريحات زعيمه دولت باهتشالي، كما لا يمكن لحزب العدالة والتنمية التحالف مع الشعوب الديمقراطي "الكردي" لتفادي غضب جماهيره وقاعدته الشعبية".
وبالفعل بعد رفض زعيم حزب الشعوب الديمقراطي دولت باهجالي لعرض كيليجدار أوغلو والذي كان يعرض رئاسة الوزراء على دولت باهتشالي في سبيل التحالف مع حزب العدالة والتنمية، وبعد رفض باهتشالي التنازل عن خطوطه الحمراء التي كان من ضمنها إلغاء عملية السلام اضطر الحزبان إلى إعلان التباحث والتشاور المتبادل بينهما من أجل التوصل لحكومة ائتلافية، وعلى الرغم من استمرار هذه المفاوضات والمباحثات 19 يومًا، حيث بدأت بتاريخ 21 تموز/ يوليو 2015 وانتهت بتاريخ 14 آب/ أغسطس إلا أن الطرفين لم يتفقا ولم ينجحا في تأسيس حكومة ائتلافية.
ويُرجع الباحث في مركز الدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية برهان الدين دوران عدم إمكانية تأسيس الطرفين لحكومة ائتلافية إلى الأسباب التالية:
ـ عدم تنازل حزب الشعب الجمهوري عن مبدأ جعل رئيس الدولة رجب طيب أردوغان مجرد رئيس "فخري" والالتزام بموقعه وعدم تدخله في شؤون الدولة السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، وأيضًا عدم قبول حزب العدالة والتنمية بهذا المبدأ الخاص بحزب الشعب الجمهوري.
ـ الخلاف الإيدولوجي المتبادل بين الطرفين على وزراة التربية والتعليم حيث يسعى حزب الشعب الجمهوري لاسترجاع الوزارة من حزب العدالة والتنمية وإعادة نشر المنهج العلماني وإبعاد العلوم الدينية عن المناهج التعليمية، هذا ناتج عن العصبية العلمانية التي يتّسم بها حزب الشعب الجمهوري أكثر الأحزاب علمانية في الشرق الأوسط، وعلى الجانب الآخر يحاول حزب العدالة والتنمية المحافظة على الوزراء للاستمرار في إتمام مشروعه الهادف لإعداد المناهج التعليمية على أساس تاريخي ديني يُذَكِّر الطلاب الاتراك بتاريخ جدودهم العثمانيين التليد وهذا ما يرفضه حزب الشعب الجمهوري ويحاول تغييره بشدة.
ـ الاختلاف الجذري بين الطرفين بما يخص السياسة الخارجية لتركيا، حيث يريد حزب العدالة والتنمية الاستمرار بدعم الربيع العربي والوقوف بجانب الثورات العربية، بينما يريد حزب الشعب الجمهوري "عملية إصلاح جذري" تحدد السياسة الخارجية التركية على أساس واقعي ميكيافيلي براغماتي تُرجع تركيا إلى الانتباه لمصالحها القومية بشكل أساسي، على حد تعبير زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو.
ويشير دوران إلى أن "المبادئ الرئيسية الثلاثة هذه جعلت من توافق الحزبين وتأسيس حكومة ائتلافية أمرًا مستحيلًا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!