
ترك برس
استعرض مقال للكاتب والمحلل التركي إسماعيل ياشا، قراءة لأبعاد قضية اعتقال رئيس تحرير قناة «خبر تورك» السابق مهمت عاكف أرصوي، وما أثارته من جدل واسع في الأوساط الإعلامية والسياسية التركية، مسلطًا الضوء على خلفياته الشخصية، وشبكة علاقاته، ومسيرته السريعة داخل مؤسسات قريبة من السلطة.
ويناقش الكاتب التناقض في مواقف المؤيدين للحكومة بين الدفاع عن قرينة البراءة ورفض تسييس القضاء من جهة، وممارسات إعلامية سابقة تجاه معارضين من جهة أخرى، كما يستعرض استغلال المعارضة للقضية في نقد استقلال القضاء.
وفي الوقت نفسه، يطرح ياشا أسئلة أعمق حول آليات الصعود داخل منظومة الحكم والإعلام، وحدود النفوذ والحماية، واحتمالات تحوّل القضية من ملف جنائي إلى فضيحة سياسية وأخلاقية ذات ارتدادات أوسع على بنية السلطة في تركيا. وفيما يلي نص المقال الذي نشرته صحيفة "عربي21":
اعتقلت قوات الأمن التركية، قبل أيام، رئيس تحرير قناة "خبر تورك"، مهمت عاكف أرصوي، بطلب من الادعاء العام في إسطنبول، بتهم يستحي المرء أن يذكرها، إلا أن أرصوي ينفي كل تلك التهم الموجهة إليه، ويقول إنه يتعرض لمؤامرة بسبب شراسة التنافس بين الإعلاميين. وبعد التحقيق معه، قررت المحكمة بقاءه في السجن أثناء محاكمته. وحظيت القضية التي أشعل فتيلها اعتقال أحد المشاهير بتهمة ترويج المخدرات، باهتمام واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والرأي العام، نظرا لهوية المعتقل.
أرصوي ينحدر من أسرة محافظة متدينة، ويعرف أبوه نادر أرصوي بولائه التام للنظام الإيراني وحبه الكبير للخميني. وفي حديثه لإحدى القنوات التركية المعارضة حول معركة طوفان الأقصى، اتهم أرصوي الأب؛ رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بدعم إسرائيل، وأثنى على إيران. ودرس أرصوي الابن في الحوزات الشيعية في سوريا بتوجيه أبيه قبل أن يلتحق بكلية الإعلام في جامعة إسطنبول ويتخرج منها. وتقلد مناصب عديدة بفضل أصدقائه وأصدقاء والده حتى وصل إلى منصبه الأخير. وتولى منصب المستشار الإعلامي لرئيس الشؤون الدينية الأسبق، مهمت غوزماز، كما عمل في قناة تي آر تي العربية شبه الرسمية. وكان ضيفا دائما في الفعاليات الثقافية التي تقيمها البلديات التابعة لحزب العدالة والتنمية ليلقي محاضرات ويتحدث عن تجاربه ويقدم إلى الشباب نصائحه.
وقال والده في مقطع فيديو إن ابنه بريء، وسيخرج من السجن أقوى مما كان، "كما خرج يوسف عليه السلام".
القضاء التركي صادر في أيلول/ سبتمبر الماضي أصول مجموعة "جان" القابضة بما فيها قناة "خبر تورك"، ووضعها تحت تصرف صندوق تأمين الودائع الادِّخارية. وبعد اعتقال أرصوي، قام الصندوق الحكومي بإبعاده عن منصبه. ونشرت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة تقريرا مثيرا للغاية نقلت فيه اعترافات مذيعة حول التهم الموجهة إلى أرصوي، كما ورد في التقرير اسم صديق أرصوي، "فرقان ت."، كأحد المشاركين في حفلاته. وذكر كثير من الإعلاميين أن المذكور هو منسق مركز مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية، فرقان تورلاك، علما بأنه صديق أرصوي منذ طفولته، كما أنه هو الآخر درس في الحوزات الشيعية في سوريا. وبعد ذاك التقرير، قدم تورلاك استقالته من منصبه.
القضية هزَّت الأوساط المقربة من الحكومة، والتزم كثير من الموالين لحزب العدالة والتنمية الصمت، فيما قال آخرون إنهم لا يظنون أن التهم الموجهة إلى أرصوي صحيحة، كما أشاروا إلى قاعدة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". ونشر أرصوي عبر محاميه بيانا زعم فيه أنه "يتعرض لمؤامرة سياسية"، واتهم القضاء قائلا: "كثير منا يعرف النقطة التي وصل إليها القضاء في تركيا"، إلا أنه سرعان ما تراجع عن اتهامه للقضاء بعد أن علَّق عليه النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية، شامل طيار، ورفض وصف القضية بــ"السياسية"، مشيرا إلى أن أرصوي ليس شخصية سياسية ذات وزن يمكن أن تحاك ضدها مؤامرة.
ما قاله أرصوي في بيانه الأول، وما يذكره المدافعون عنه من المؤيدين للحكومة حول قرينة البراءة وعدم وجود أدلة ملموسة واستنكار نشر تفاصيل التهم الموجهة في وسائل الإعلام قبل ثبوت إدانة المتهم، يتضمن اتهاما للقضاء، كما يضع هؤلاء في تناقض. وهذا التناقض استغلته المعارضة، وقالت إن المؤيدين للحكومة يعترفون بأن القضاء في تركيا مسيس، ولفتت إلى أن وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة نشرت وما زالت تنشر كل يوم تفاصيل قضية رئيس بلدية إسطنبول المقال أكرم إمام أوغلو، دون مراعاة قرينة البراءة.
المعارضة تدعي بأن هذه القضية ما هي إلا فصل من فصول "الصراع على العرش" الذي يخوضه نجل الرئيس التركي، بلال أردوغان، وزوج ابنته برات آلبيراق، ضد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، لقطع الطريق أمام وصول هذا الأخير إلى القصر الرئاسي بعد انتهاء رئاسة أردوغان. إلا أن هذا القول مجرد محاولة يائسة لزرع الفتنة في صفوف المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية، كما أن القول بأن أرصوي تم اعتقاله لأنه مقرب من فيدان، ادعاء لا أساس له. بل الذي يحدث هو أن القضاء يقوم بعمله في قضية جنائية دون تمييز أو التفات إلى هوية المتهم.
رئيس تحرير قناة "خبر تورك" السابق قال إنه لم يتعاط في حياته أي نوع من المخدرات على الإطلاق، إلا أن تقرير الطب الشرعي أثبت أنه كان يتعاطى كوكايين، وأما بقية التهم الموجهة إليه فستظهر المحاكمة مدى صحتها. وينتظر الرأي العام حاليا لائحة الاتهام التي سيقدمها الادعاء العام إلى المحكمة في الأيام القادمة.
القضية التي يبدو أنها ستشغل الرأي العام التركي لمدة، قد تتحول إلى فضيحة أخلاقية مدوية، في حال ثبتت إدانة أرصوي في كافة التهم الموجهة إليه، وقد تمتد لتصل شراراتها إلى آخرين في عالمي السياسة والإعلام. وبدأ الشارع التركي يطرح أسئلة عديدة منذ انتشار خبر اعتقال الصحفي الشهير، مثل: "من الذي أوصل أمثال مهمت عاكف أرصوي وفرقان تورلاك إلى تلك المناصب الرفيعة في سن الشباب، وأدخلهم القصر الرئاسي وطائرة الرئيس، وقام بحمايتهم إلى أن يرفع القضاء عنهم الحصانة؟".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











