د. وسيم بكراكي - خاص ترك برس
مع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية المعجلة التي ستشهدها تركيا في 1 تشرين الثاني 2015 بدأت شركات الدراسات الاستقصائية بعرض نتائجها الواحدة تلو الأخرى معلنة عن مصداقيتها في عمليات المسح التي تشمل عادة مجموعات متنوعة من الشعب بأعداد تصل إلى مئات الألاف من المشاركين.
وعلى الرغم من أن مثل هذه النتائج لا يمكن أن تضع بشكل نهائي تخميناً واضحاً ومكتملاً إلا أنها في الغالب تعطي فكرة قوية عما تنتظره البلاد في المرحلة القادمة. وهو للأسف ما لا يمكن تحقيقه في الإنتخابات الحالية الدقيقة، لكونها انتخابات مصيرية سيتحكم فيها الصوت الواحد ربما بتغييرات كبيرة، فصوت إضافي واحد سيكون اليوم سبباً في نجاح نائب إضافي لهذا الحزب أو ذاك وبالتالي ترجيح كفة الحكومة المنفردة أو حكومة الإئتلاف التي لم تنجح الأحزاب اليوم في التوصل إلى تأسيسها.
ما سأطرحه اليوم من نتائج هو لآخر الدراسات التي جرت قبل 11 يوم فقط من موعد الإنتخابات المنتظر. وبحسب هذه الدراسات التي بلغت 8 دراسات مختلفة، نجد أن نسبة حزب العدالة والتنمية تتراوح ما بين 39 كحد أدنى، و44% كحد أقصى. وهو اختلاف مهم جداً سيكون له تأثير مباشر على تشكيلة الحكومة المنتظرة بعد الإنتخابات. فبحسب شركتي بول مارك وأو إر سي للدراسات فإن حزب العدالة والتنمية سيحصل على عدد من النواب يصل إلى 276 تقريباً.
بعض الشركات الأخرى التي تعرف بميولها لأحزاب المعارضة واليسار كما هو الحال في شركة غيزيجي مثلاً تحدثت في الغالب بنسبة 39.8% لحزب العدالة ولكنها في وقت لاحق عدلت هذه النسبة لتصبح 41.3% بشكل متقارب مع نتائج الشركات المختلفة الأخرى.
وبالنظر إلى الأحزاب المشاركة الأخرى يمكن لهذه النتائج المختلفة أن تؤكد لنا عدة نقاط مهمة على الشكل التالي:
1- سيحتفظ حزب الشعب الجمهوري اليساري المنشأ بأصوات مؤيديه كما كان عليه في الانتخابات السابقة مع زيادة قليلة ربما لا تتعدى 1 أو 2 في المئة لتكون نتائجه المتوقعة هي بحدها الأدنى 25.4% و 28.2%. (نسبة الأصوات في اخر انتخابات نيابية كانت 24.95%)
2- تتفق معظم استطلاعات الرأي على خسارة حزب الحركة القومية لأصوات ناخبيه بشكل قد يصل فيه هذا الحزب إلى الدرجة الرابعة في ترتيب الأحزاب وهو ما سيشكل في حال حصوله ضربة قوية لهذا الحزب الذي اشتتهر في الفترة الأخيرة بلاءاته المتتالية وكان برأي الكثيرين سبباً في حصول هذه الإنتخابات المبكرة. علماً أن احصائيات استطلاعات الرأي تحدثت عن نسب تتراوح ما بين 13.4% قد تصل بحدها الأقصى إلى 17.3%. (نسبة الأصوات في اخر انتخابات نيابية كانت 16.29%)
3- تتفق جميع استطلاعات الرأي على عبور حزب الشعب الديموقراطي الكردي نسبة 10% الضرورية للتمثيل في البرلمان ولكن معظمها أيضاً يتفق على خسارة هذا الحزب للأصوات العديدة التي قدمت إليه في الانتخابات السابقة بما عرف باسم "الأصوات الأمانة" حيث صوت الكثير من الناس لهذا الحزب بهدف تمكينه من تخطي حاجز 10% الآنف الذكر. ويعلل معظم المتابعين هذه الخسارة بما اتبعه هذا الحزب من موقف داعم لحزب العمال الكردستاني وتصرفه بكونه الجناح السياسي لهذا الحزب المصنف بين المنظمات الإرهابية في تركيا.
4- هناك كتلة كبيرة من الشعب تتراوح بين 14 إلى 18% ما زالت لم تحسم قرارها النهائي لجهة التصويت وهو رقم كبير قد يغير الكثير من مجريات الأمور وهو ما تسعى جميع الأحزاب حالياً للإفادة منه بأكبر نسبة ممكنة.
إذن، ولكون رقم 276 نائب هو الحد الأدنى الذي تحتاجه الأحزاب السياسية لتتمكن من تشكيل حكومة دون الحاجة لاتفاقيات التعاون مع الأحزاب الأخرى، فإن أي صوت إضافي هو صوت ذا قيمة كبيرة سيؤثر على البلد بكامله، إن لم نقل على المنطقة بأسرها. ولكون مصير الإنتخابات يتوقف إلى حد كبير عند حجم الأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية فإن استطلاعات الرأي دون أدنى شك تركز على هذا الجانب تحديداً.
وكخلاصة استنتاجية لأسباب تقدم أصوات حزب العدالة والتنمية نجد النقاط التالية:
1- الدعم المتوقع من ناخبي الأحزاب الصغيرة كحزب السعادة وحزب الوحدة الكبرى الذين تصل أصوات كل منهما ما بين 1 إلى 2% وهو في الواقع النسبة التي يحتاجها حزب العدالة اليوم لحسم الموقف نهائياً لصالحه. خصوصاً وأن ناخبي هذه الأحزاب يريدون لأصواتهم أن تكون ذات تأثير فاعل لا يمكنهم الحصول عليه بالتصويت لأحوابهم التقليدية التي لا تؤثر اليوم في المعادلة السياسية بشيء.
2- النقطة الأخرى التي يراهن عليها حزب العدالة والتنمية في هذه الإنتخابات هي تحول نسبة من مؤيدي حزب الحركة القومية إلى صفوف حزب العدالة والتنمية بسبب مواقف هذا الأخير المتشددة بشكل كبير سبب في حصول الإنتخابات المبكرة وحرمان أعضاء هذا الحزب من المشاركة الفعلية في إدارة شؤون البلاد عبر حكومة ائتلافية كانت أقرب إلى التشكيل مع حزب العدالة والتنمية. وهو ما عبر عنه كثير من قياديي هذا الحزب بإعلان انفصالهم عن الحزب وانضمامهم إلى صفوف العدالة والتنمية. وكان على رأس هؤلاء ابن مؤسس الحركة القومية توغرول تركش وكان على رأس هؤلاء ابن مؤسس الحركة القومية توغرول تركش وكان آخرهم عضو الهيئة التأسيسية في الحزب ناجي مريتش الذي تحدث بلهجة شديدة جداً خلال تقديم استقالته محملاً دولت بهتشلي رئيس الحزب الوضع الذي وصل إليه حزبهم اليوم.
3- من النقاط الأخرى التي يجري الحديث عنها والتي قد تغير نتائج الإنتخابات بشكل إيجابي لصالح حزب العدالة والتنمية هو نسبة 1 إلى 2% من أصوات الشعب "الناقم" على الوضع الحالي من عدم الإستقرار سياسياً واقتصادياً بسبب حالة الفراغ الحكومي بشكل أدى إلى الضرر بمصالحهم العامة والخاصة.
4- العامل الحزبي الداخلي الذي يمكن الحديث عنه وربطه بالتوقعات التي تضيف إلى أصوات حزب العدالة والتنمية تقدماً ما اتخذه الحزب من قرار مؤقت بإعادة أربابه وسياسييه المخضرمين إلى حلبة اللعب الرئيسي كأمثال وزير الصحة السابق رجب أكضاغ ونائب رئيس الوزراء علي باباجان...
كخلاصة أخيرة، يمكننا بشكل كبير أن نؤكد أن النسب الوارد ذكرها في استطلاعات الرأي الأخيرة هي إلى حد ما تتناسق مع نبض الشارع بشكل يضع حزب العدالة أمام أكبر امتحان حقيقي سيمكنه من العودة ربما إلى إدارة البلاد لمدة 4 سنوات أخرى مما سيعزز دون أدنى شك مواقفه في العديد من الملفات الكبرى المطروحة داخلياً وخارجياً. ولكن الجزم القاطع بنجاح أو خسارة حزب من الأحزاب سيكون أمر شبه مستحيل في هذه الإنتخابات القادمة لدقة الموقف وشدة الصراع وزيادة النزعة الحزبية التقليدية التي لا يمكن عادة تغيير رأي أصحابها بسهولة. نعم سيكون هناك تحسن لدى حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وسيكون هناك تراجع لدى حزب الحركة القومية وحزب الشعب الديموقراطي ولكن السؤال الأهم سيبقى حتى اللحظة الأخيرة من فرز نتائج الأصوات مبهماً إلى حد كبير...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس