ترك برس
تشهد العلاقات بين إيران وتركيا في الآونة الأخيرة، حالة توتر شديدة وملحوظة، وتعود حالة التوتر هذه إلى عتبات التاريخ القديمة جدًا، حيث بدأت عقب تأسيس الشاه إسماعيل للدولة الصفوية عام 1501 والتي حاول من خلالها نشر الثقافة الدينية للمذهب الشيعي بين المسلمين، والسيطرة على أكبر رقعة جغرافية ممكنة من خلال هذه الثقافة.
أثرت هذه المحاولات على الأمن والاستقرار العثماني، لذلك حاول السلاطين العثمانيون دومًا صد الحملات الجيوثقافية والجيوسياسية للشاه إسماعيل ومن أعقبه من حاملي رسالته. امتد هذا التنافس الجيوثقافي ـ سياسي إلى عام 1923 وعام 1925، حيث تأسست الجمهورية التركية العلمانية عام 1923، وتأسست المملكة البهلوية الإيرانية العلمانية عام 1925.
توقفت حالة التوتر الجيوثقافي بين الطرفين بالدساتير العلمانية التي حكمت البلدين، وبدأ الطرفان يعيشان بعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية مُزدهرة، وبدون أي توتر ثقافي أو ديني، ولكن عام 1979 كان العام الذي أرجع حليمة إلى عادتها القديمة، حيث اعتلى سدة الحكم المذهب الشيعي، وأصبح هناك نظام حكم شيعي بحت مُعتمد على نظام ولاية الفقيه ومجلس خبراء القيادة.
برجوع النظام الشيعي المنوط بالتمدد الجيوثقافي للمنهج الديني الشيعي، عادت رياح التوتر الشديدة تبعث القلق الشديد لدى الحكومات التركية المُتعاقبة من انتقال القواعد الدينية الشيعية الثورية إلى تركيا، وإن لم تكن قواعد تعتمد على المنهج الشيعي، فيمكن أن تكون قواعد تعتمد على المنهج الديني "الثوري".
وفي شأن متصل، يشير الباحث "عاكف إيمره"، الكاتب في صحيفة يني شفق، إلى أن "التوتر الجيوثقافي الذي تحول في جل الأوقات إلى توتر جيوسياسي يسعى للسيطرة إلى أكبر مساحة ممكنة من العالم الإسلامي، بدأ منذ سنوات عديدة، ولكن اليوم يعيش أحلك أوقاته لوجود تنافس ملحوظ بين الدولتين اللتان تريان من بعضهما البعض خطر على مصالحها، في عدة مناطق من العالم الإسلامي على رأسها سوريا".
ويوضح إيمره أن "الجيوسياسية هي محاولة السيطرة على مساحات جغرافية لتوسيع رقعة السيطرة السياسية لدولة ما، وتستخدم الدول ذات الهدف الجيوسياسي عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف، من هذه الوسائل الأسلوب الجيو اقتصادي وهو دعم الدول المُراد السيطرة عليها سياسيًا لإخضاعها، والأسلوب الجيوثقافي وهو نشر فكر أو دين أو دعاية إعلامية مُعينة لغزو شعوب الدول المُراد السيطرة عليها سياسيًا وإخضاعها عبر التقارب الثقافي ويُعد هذا الأسلوب هو الأكثر شيوعًا في وقتنا الحالي، والأسلوب الجيوسياسي المؤسساتي وهو ذلك الأسلوب الذي تعتمده الدول القوية لتجميع دول منطقة ما تحت إطار مؤسساتي تنظيمي يحمل أهدافًا سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ويكون الهدف الأساسي من ذلك هو ربط دول المنطقة بخطط ومصالح الدولة القومية المُجمعة لها، وغيرها من الأساليب التي تًستخدم لتطبيق الجيوسياسة الرامية إلى توسيع رقعة سيطرة الدول".
ويؤكد إيمره أنه "على الرغم من حجم التهديد الجيوثقافي الذي كانت وما زالت تُمثله إيران لتركيا، إلا أن الأخيرة حاولت استيعاب إيران والتوتر الناتج عن ثورتها وفكره التمددي من خلال رفع حجم التجارة المُتبادلة بينهما، إلا أن إيران لم تأبه لهذه العلاقات ورأت دومًا من تركيا دولة سنية تُمثل خطرًا على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، لذلك كانت العلاقات التجارية علاقات ركيكة، زادت في فترات وانخفضت وضعفت في فترات أخرى".
ومن جانبه، يكشف الباحث السياسي في مركز عمران للأبحاث السياسية الاستراتيجية عارف كسكين أن "التنافس الثقافي بين تركيا وإيران اليوم، في منطقة الشرق الأوسط، في أوج شدته، ولا يمكن إنكار هذا التنافس، إيران اليوم تعمل بشكل مباشر لترويج ثقافتها الشيعية الثورية، وبالفعل استطاعت السيطرة على 4 بلدان عربية "سوريا، اليمن، لبنان، العراق" إلى الآن، أما تركيا فتحاول ترويج ثقافتها المُعتدلة بعيدًا عن التعصب الديني، وهذا ما تردد على لسان قيادتها أكثر من مرة".
ويتابع كسكين، في مقاله "التنافس الإيراني التركي" الذي نُشر على الموقع الإلكتروني للجزيرة ترك، مبينًا أن "الباب فُتح على مصراعيه أمام إيران، عقب اتفاقية السلام الأخيرة التي وقعتها مع الغرب مؤخرًا، وحتى تحمي تركيا رؤيتها الثقافية وموقعها الاستراتيجي في المنطقة، يجب عليها اتخاذ خطوات جادة على جميع الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادي والعسكرية إن استدعت الحاجة، وإن لم يكن هذا، فيمكن للجيوثقافة الإيرانية التمدد داخل عمق الجمهورية التركية أيضًا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!