ولاء خضير - خاص ترك برس
في مثل يوم 28 من شباط/ فبراير لعام 1997، استيقظت تركيا على حدثٍ غيّر مجرى الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، حيث شهدت جمهورية تركيا، انقلابًا عسكريًا أطاح بحكومة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان، من حزب الرفاه الإسلامي، وأنهى حكومته الائتلافية.
حيث أجبرت الحكومة على الخروج، دون حل البرلمان أو تعليق الدستور، ليوصف الحدث بأنه "انقلاب ما بعد الحداثة" أو "انقلاب العصر الحديث"، من قبل الأميرال التركي سالم درويشوغلو، وهي التسمية التي تم إقرارها، ويزعم أن العملية بعد الانقلاب، نظمتها باتي تشاليشما جروبو (جماعة دراسة الغرب)، وهي جماعة سرية كانت داخل الجيش التركي.
كانت عملية 28 شباط، التي تبعت إصدار المذكرة فترة للانتهاك الشديد للحريات الدينية (الإسلامية بالتحديد) في تركيا، على سبيل المثال، تم إغلاق المؤسسات الدينية، ومدارس الأئمة والخطباء، وحظر الحجاب في الجامعات.
كان نجم الدين أربكان بلا منازع، أهم قيادات تيارالإسلام السياسي في تركيا، وبدأ أربكان بالظهور على الساحة السياسية في عام 1969. وفي عام 1970م، أسس أربكان الشاب الطموح، الذي تأثر بميراث الدولة العثمانية، حركة "النظام الوطني"، وشكلت هذه الحركة، أدبيات الأحزاب السياسية الإسلامية، التي بدأ فيها "أردوغان" أيضًا مشواره السياسي، ومنح أربكان ثقته وعونه لأردوغان، وتوسعت شعبية الحركة، وازداد عدد مؤيديها.
لكن هذا الحزب لم يصمد كثيرًا، فقد صدر قرار بحله بعد عام ونصف من تأسيسه، بتهمة "التآمر ضد العلمانية"، وفي عام 1972م، عاد أربكان مجددًا إلى الساحة بـ"حزب السلامة الوطنية"، هنا بدأ "أردوغان" مسيرته الحزبية، وكان عمره 24 عاما، وتم اختياره أمينا عاما لشعبة الشباب في إسطنبول، واستمر فيها حتى عام 1980م، عندما حظر الجيش جميع الأحزاب السياسية في البلاد.
وفي هذه الفترة عاش أربكان صعوبات كثيرة، لكنه بالرغم من ذلك واصل نشاطه السياسي، بالعمل لمصلحة وطنه، والعالم الإسلامي.
ثم حقق حزب الرفاه في عام 1996م، الذي كان يمثل الإسلاميين في تركيا، فوزا كبيرا في الانتخابات البرلمانية، وأصبح "نجم الدين أربكان" رئيسًا للوزراء على رأس الحكومة الائتلافية، ولم يُخفِ توجهاته الإسلامية في مشاريعه السياسية، لكن الجيش الذي نصب نفسه حارسا للعلمانية، كان له بالمرصاد، وأطاح بحكومته، وأجبره على الاستقالة.
ففي يوم 22 كانون الثاني/ يناير من عام 1997، عقدت قيادة الجيش التركي اجتماعًا خاصًا لبحث مستقبل حكومة أربكان - تشيلر، والخطر الذي تمثله على "مستقبل النظام العلماني".
وبدأت قيادة الأركان سلسلة من النشاطات التي استهدفت إضعاف الحكومة، وخلق مناخ يسمح بالإطاحة بها، وذلك باستدعاء قضاة كبار ورؤساء جامعات وقادة اتحادات العمال والحرفيين، بل وحتى اتحاد العمال الثوريين اليساري، إلى مقر قيادة الأركان، لتحريضهم على حكومة أربكان، وتشجيعهم على إطلاق حملة شعبية ضد سياساتها، وخلال الأسابيع القليلة التالية، انطلق عدد من التظاهرات، تتهم حكومة إربكان بتهديد "أسس النظام الجمهوري العلماني".
وفي 31 كانون الثاني/ يناير عام 1997، نظمت احتجاجات بواسطة بلدية سنجان، في محافظة أنقرة، ضد انتهاك "إسرائيل" لحقوق الإنسان الذي يحدث تحت ستار الليل في القدس، وامتلأ المبنى الذي تم فيه الحدث، بملصقات لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتنظيم حزب الله، وكرد فعل على المظاهرة، توغلت الدبابات التركية في يوم 4 شباط إلى شوارع سنجان.
وفي اجتماع مجلس الأمن القومي (MGK)، يوم 28 شباط 1997، قدم الجنرالات وجهات نظرهم حول القضايا المتعلقة بالعلمانية، والإسلام السياسي في تركيا، إلى الحكومة.
وأصدر مجلس الأمن القومي عدة قرارات خلال هذا الاجتماع، وأجبر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان، من حزب الرفاه الإسلامي، على توقيع القرارات، التي تهدف لحماية الفكر العلماني في تركيا، حسب وجهة نظرهم.
وكان من بين القرارات التي أجبر أربكان للتوقيع عليها، حظر صارم للحجاب في الجامعات التركية، وثماني سنوات إلزامية للتعليم الابتدائي، وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن، ومدارس الأئمة والخطباء الشرعية، وإلغاء مدارس الطرق الصوفية، والسيطرة على الجماعات الإعلامية التي تعترض على قرارات المجلس الأعلى العسكري.
وفي أعقاب المذكرة العسكرية، اضطر أربكان للاستقالة، وتم إغلاق حزب الرفاه من قبل المحكمة الدستورية في عام 1998م، ومُنع نجم الدين أربكان من ممارسة السياسة لخمس سنوات، وانضم نواب البرلمان السابقون وأعضاء حزب الرفاه، إلى حزب الفضيلة التركي، الذي أسُس بديلًا عن حزب الرفاه.
كما حُكم على رئيس بلدية إسطنبول حينها، رجب طيب أردوغان من حزب الفضيلة، بالسجن، بعد قراءته لقصيدة إسلامية قومية، اتُهم إثرها بإثارة العداء والفتنة، ومنع من ممارسة السياسة.
وعاود حزب الفضيلة الترشح في الانتخابات العامة لعام 1999، وفاز بالكثير من المقاعد في البرلمان، لكنه لم يكن مثل نجاح حزب الرفاه، في الانتخابات العامة لعام 1996.
وكانت مروة قاوقجي، وهي أحد أعضاء البرلمان في حزب الفضيلة، ترتدي الحجاب لدى دخولها البرلمان ليثور عليها عدد من البرلمانيين العلمانيين، ويتم أيضا إغلاق حزب الفضيلة من قبل المحكمة الدستورية في عام 2001، بسبب دخول مروة قاوقجي إلى البرلمان.
وعلى الرغم من منع رئيس بلدية إسطنبول السابق، أردوغان، من ممارسة السياسة، إلا أنه بعد خروجه من السجن، تمكن من تشكيل حزب العدالة والتنمية من رحم فكر أربكان، وهو حزب إصلاحي، وأعلن أنه حزب ديمقراطي محافظ، فيما شكل الإسلاميون التقليديون حزب السعادة.
وما هي إلا سنوات قليلة، حتى اكتسح حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية عام 2002م، وبدأت المسيرة التي ما زالت مستمرة في خدمة الأمة الإسلامية والوطن والإنسان.
كما شكّل البرلمان في عام 2012م، هيئة للبحث في الانقلابات العسكرية، وعلى رأسها انقلاب 28 شباط، ليبدأ اعتقال الذين لعبوا دورا أساسيا في الإنقلاب، ويتم اليوم التحقيق مع ضُبّاط تلك الفترة، ولا زال التحقيق جاريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس