ولاء خضير - خاص ترك برس
يُعد عثمان حمدي بيك، مؤسس علم الآثار العثمانية، وقد لعب دورا أساسيا في الثقافة، والعلوم والفنون التركية في القرن التاسع عشر، كما حوّل مقتنيات متحف الإمبراطورية العثمانية، إلى واحدة من أهم المجموعات الأثرية الرائدة في العالم، والذي سمي فيما بعد بمتاحف "آثار إسطنبول".
ترك عثمان حمدي بيك بصمة رائدة في علم الآثار، فقد أعاد صياغة التشريعات والقوانين التي من شأنها حماية الآثار والمواقع التاريخية، إضافة إلى ذلك حبه واحترافه للرسم، وقد تُوجت مسيرة حياة وأعمال هذا العالم الآثاري الاسثنائي بلوحات فريدة تُعرض في أكبر متاحف العالم.
وُلد عثمان حمدي بيك عام 1842م في إسطنبول لأب يوناني الأصل، وتربى في كنف أحد القادة العثمانيين، وترقى حتى صار ذا مكانة رفيعة في الإمبراطورية العثمانية.
بدأ عثمان حمدي متابعة دروسه الأولى في إسطنبول، ثم درس القانون، وفي عام 1856م، ذهب إلى باريس ليكمل دراسة القانون، لكنه أحب الرسم كثيرا، فبدأ في متابعة دروس الرسم على يد اثنين من عظماء مدرسة الاستشراق، وهما الفنان الكبير جان ليون جيروم، وجوستاف بولونجيه.
وفي أثناء فترة تواجده بباريس أرسلت الدولة العثمانية شاكر أحمد باشا، وسليمان سيد إلى باريس من أجل تعلم الرسم، وبهؤلاء الثلاثه تشكلت أول دعامة لِفنّ الرسم التركي.
وفي عام1867م، قام عثمان حمدي بك بإرسال ثلاثة أعمال له إلى معرض باريس العالمي، بأسماء "استراحة الغجر"، و"الشهم في كمين"، و"وفاة الشهم"، ولا يعرف بالضبط مكانها. وقد تعرف علي السيده ماريا في باريس، وتزوجها واستمر زواجهما عشرة أعوام، وأنجبا فاطمه وخيريه.
وعندما عاد عثمان حمدي إلى إسطنبول، أسندت إليه مناصب إدارية عديدة منها، الإشراف على تطوير نصوص القانون القديمة، كما أنه أخذ على عاتقه محاربة سرقة وتهريب الآثار التي انتشرت في تلك الفترة، ووضع قوانين صارمة تحارب هذه الظاهرة للقضاء على تهريب الآثار.
كما أن عثمان حمدي بك، الذي عمل كوكيل لمدير بروتوكول القصر عند عودته إلى إسطنبول، شارك كمفوض في المعرض الدولي المقام في فيينا، وبينما كان في فيينا، تزوج من امرأه أخرى غير زوجته الفرنسية ماريا، وكانت زوجته الثانية تسمي نايلا هانم، وأنجبت له ملاك وليلى وأدهم وناظلي.
السيد عثمان حمدي بك، يُعد مؤسس المتحف التركي المعاصر، فقد قام بتأسيس متحف إسطنبول الأثري، وعمل على إدارته 29 عاما، وجعله من بين المتاحف الرائدة على مستوى العالم، كما يُعد من أوائل الرسامين الأتراك، وقد احتل مكانا في التاريخ، باعتباره أول من استخدم الفن التشكيلي في الرسم التركي.
وكان أول تركي يبتدع فكرة الحفريات العلمية أثناء إدارته للمتحف، فقد قام بالتنقيب عن الآثار في جبل نمرود، ولاجينا (مولا-ياطان) في صيدا (لبنان)، وكان من بين التحف الأثرية التي وجدت في الحفريات في صيدا، تابوت الإسكندر، الذي يُعد من روائع عالم الآثار، وتُعد من أهم الحفريات الأثرية التي أجريت في عامي 1887م و1888م.
وعدا عن أنه عالم آثار عثماني، وشغل منصب مدير متحف إسطنبول، فقد كان رساما ومفكرا وخبيرا فنيا، وأحد الرواد التشكيليين في عصره، كما كان معماريا بارزا متمكنا، وهو أول خبير ترميم، ومن أول من أسسوا المتاحف في تركيا.
وكا عثمان حمدي بك أول رئيس لبلدية قاضي كوي، والده هو إبراهيم أدهم باشا، الصدر الأعظم العثماني ذو الأصل اليوناني، الذي قدم عن طريق التبني منذ صغره من جزيره خوس، وعثمان حمدي هو الأخ الأكبر لكل من مدير المتحف خليل أدهم بك، وخبير المسكوكات إسماعيل غالب بك.
تقلد العديد من الوظائف المختلفة بعد عودته للوطن ، وكانت أول وظيفه له هي إدارة شؤون الأجانب بمحافظه بغداد، ولأن مدحت باشا كان واليا على بغداد، فقد قدم لوحات تعكس وجهات النظر المتعددة للمدينة، كما أنه اهتم بتاريخ بغداد وآثارها.
ففي أثناء عمله كمساعد للوالي مدحت باشا، تعرف علي الروائي المشهور أحمد مدحت أفندي، وأصبح صديقا له.
كما أنه بدأ أول حفائر تركية، بعد أن كانت بعثات الحفائر كلها أجنبية، وأنشأ المتحف القومي التركي، وأحرزت بعثته في العراق تقدما كبيرا في اكتشاف الآثار البابلية والأشورية.
ويعود إليه تأسيس المتحف التركي المعماري، والمدرسة التركية للفنون الجميلة، المعروفة باسم دار الصنائع النفيسة، ومكانها اليوم أكاديمية المعمار سنان للفنون.
له لوحات غاية في الجمال، منها لاعبو الشطرنج، ومدرب السلاحف. وقد اهتم بإظهار جماليات الخط العربي في أعماله الفنية، ففيها دائما الأدعية والأذكار وآيات الذكر التي تزين أعماله.
وقد تناول في رسوماته، صور المرأة التركية المنفتحة المثقفة المجادلة القارئة، وقد استخدم المتعلقات التاريخية كديكور لأعماله التاريخية. لوحته "مدرب السلحفاه"، عام 1906م، و"تاجر السلاح" عام 1908م، من اكثر آثاره ابتكارا وروعة. وقد عرضت العديد من رسوماته بمتحف الرسم والتشكيل في إسطنبول، ومتاحف لندن، وليفربول، وبوسطن.
توفي عثمان حمدي بيك في شباط/ فبراير 1910م، في دار مطلة على الشاطئ بـ قوروتشيشمه (إسطنبول)، مخلفًا وراءه بنية تحتية قوية لمؤسسة ثقافية كبيرة، كانت بمثابة نواة للمؤسسات الثقافية في تركيا الحديثة بعد ذلك، ووفقا لوصيته فقد أقيمت صلاة الجنازة عليه في آيا صوفيا، وقد تحول قصره في اسكيهي صار، إلى متحف منذ عام 1987م.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!