فيردا أوزير – صحيفة حرييت – ترجمة وتحرير ترك برس
لو التفتُّم وأبصرتم العالم بكل جوانبه لوجدتم أن مشاكل الماضي هي نفسها مشاكل وأزمات اليوم، قد تختلف فتزيد في أماكن وتقل في أخرى. وبحكم مكاننا وموقعنا الجغرافي في سواحل الشرق الأوسط قد نعتقد أننا نحن فقط من بُلي بالأزمات والمصائب ونحن نصبح ونمسي كل يوم بها من حولنا، ونعتقد في نفس الوقت اننا نحن فقط من تمت عليه مؤامرة سايكس بيكو. لكن الحقيقة غير ذلك، ففي كل قارات العالم الست يوجد هنالك سايكس بيكو يقسم ويفتت البلاد والعباد وينشر بينهم كل أصناف التفرقة والعداوة المستندة على معايير مختلفة وفي أطر متعددة.
مواجهة الاحتلال
في الأسبوع الماضي زرنا برفقة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان دول أوغندا وكينيا والصومال في شرق أفريقيا، ولا يختلف حال تلك الدول عن حالنا، فبينما كانت أوغندا وكينيا في الماضي تحت الاحتلال الإنجليزي كانت الصومال مداولة بين الإنجليز والإيطاليين. وفي وصف حال أفريقيا يقول مؤسس دولة كينيا جومو كينياتا "عندما جاء الأوروبيون كانوا يحملون في أيديهم إنجيلهم، وكنا نحمل بين أذرعنا في المقابل ترابنا وأرضنا، ثم علّمونا الدعاء فأغلقنا أعيننا، ولما فتحناها كنا نحمل إنجيلهم وهم يحملون ترابنا ويملكون أرضنا".
في مفارقة عجيبة للواقع نجد أن دولة أوغندا التي تخلو تماما من الإنجليز يتحدث أهلها الإنجليزية كلغة رسمية للبلد، ونسبة المسيحيين فيها تقدر بـ85%، ونرى الحال نفسه كذلك في كينيا. في إطار كل ما سبق لم ترضى كينيا عن حالها وهي تحت الاحتلال الإنجليزي رغم مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية تحت لوائها، فثاروا عليها وتحرروا عام 1963، أما بالنسبة للصومال فقد تكلمت عنها في المقالة السابقة.
سايكس بيكو أفريقيا
لقد تم تقسيم وترسيم حدود الدول الافريقية على نفس الطريقة التي تم التقسيم فيها عندنا هنا، ففي شرق أفريقيا تم اقتطاع جزء من الصومال لأثيوبيا، وجزء آخر لكينيا، وتم اقتطاع منطقة وسمّيت بجيبوتي، وفي وصف ذلك الحال يقول الرئيس الصومالي أدين عبد الله عثمان "لا يوجد هنالك مكان آخر تم تقسيم وتفتيت شعوبه مثل أفريقيا"، ألا تجدون هذه المقولة مألوفة لديكم، نعم إنه الحال ذاته ولكن بلغات مختفة. في أوغندا وبعد 30 سنة من حكم رئيس جمهوريتها موسافيني تم إجراء انتخابات في شباط/ فبراير الماضي، لم يكن المراقبون الأمميون راضين عن الانتخابات، وفي تجوالي هناك سألت فتاة شابة عن رأيها في الانتخابات فردت علي قائلة "أنا لا أحب إلا الله!".
لا تنتشر الأزمات فقط في أماكن الأقليات، ففي الصومال ورغم أنها تتكون من 100% من نفس العرق والدين والمذهب واللغة إلا أنها كانت وما تزال غارقة في الحروب القبلية منذ 20 عاما. فأفريقيا ورغم الشبه الكبير بينها وبين الشرق الأوسط في مآسيها وأزماتها إلا أنها تتميز بمشكلتين فريدتين وهما: الفقر والدول المتفككة.
الفقر والدول المتفككة
في أوغندا يعيش 40% من الشعب بدخل أقل من دولار في اليوم، وليس هناك أي بنية تحتية أو دولة مركزية تدير شؤون الناس. كذلك الحال في الصومال التي تنتشر فيها الأمراض ومتوسط أعمار أهلها لا يتجاوز 50 عاما، لكن احتمالات النهضة بدأت تلوح في أفق هذا البلد الفقير بعد اكتشاف البترول قبل 10 سنوات والذي من المقرر أن يبدأ استخراجه في 2018. أما الحال في كينيا فهو أفضل من أوغندا بسبب وجود دولة مركزية تدير شؤون البلاد، فالحكومة هناك تشارك حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب كما وتملك علاقات جيدة مع إيران، لكن وبسبب ضعف الأمن فإن العاصمة نيروبي مع حلول الظلام تخلو من ثلث سكانها!
طورت تركيا علاقاتها مع أفريقيا منذ بداية الألفية بسبب كل ما سبق ومن أجل مصالحها الخاصة هناك، فزادت سفارتها بخمس أضعاف ليصل عددها إلى 39 سفارة، وضاعفت التبادل التجاري ليصل إلى 8 أضعاف، وطورت خطوط طيرانها لتصل اليوم خطوط تركيا للطيران لـ50 نقطة مختلفة في أفريقيا. كل هذا وأكثر لم يكن فقط من أجل أفريقيا، بل هو أيضا من أجل رؤية تركيا الاستراتيجية التي ترى في أفريقيا سوقا جديدا تستطيع الانفتاح عليه بعد اكتشاف آبار النفط في السنوات السابقة، ولأن بعض الدول الأفريقية أصبحت من أكثر الدول المتطورة اقتصاديا في العقد الأخير، ولأنها تريد منافسة إيران التي توسع نفوذها هناك حتى باتت تسميها "عنقها الأفريقي".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس