محمود علوش - خاص ترك برس
في خضم الحلقة المفرغة التي يدور بها الصراع السوري منذ خمس سنوات، وفشل الرهانات على سقوط بشار الأسد في أيام وأسابيع وأشهر، قد يكون من السذاجة بمكان التساؤل عن طبيعة اليوم التالي الذي سيعقب سقوط النظام السوري، مع أن طرحاً كهذا كفيل بإعطاء إجابات هامّة تفسّر أسباب الحلقة المفرغة تلك وتساعد في تشخيص المرض السوري وكيفية الخروج من عنق الزجاجة.
على سخافة هذا السؤال، نجد أن الأطراف الإقليمية والدولية المعادية لثورة الشعب السوري برعت في استخدامه في كل محفل دولي يُخصص لمناقشة الأزمة السورية وأبعادها، بهدف التهويل والترهيب من "عواقب" رحيل الأسد على مستقبل الدولة السورية والمنطقة برمّتها. كان ذلك بمثابة فخّ محكم نصبه الإيرانيون والروس معًا للدول الداعمة للثورة من أجل ثنيها عن أي تحرك جدّي يوقف حمام الدم السوري ويفضي في نهاية المطاف إلى نهاية الأسد.
الإيراني كان سبّاقًا في نصب هذا الفخ، ولم يتردد منذ اللحظة الأولى لاستشعاره بالخطر على حليفه الأسد في إرسال الدعم له من مال وعتاد عسكري ومقاتلين نظاميين ومرتزقة من الدول التي يملك فيها نفوذًا من أجل حمايته. واستطاع بتدخله توفير أرضية خصبة لجذب شتى أنواع التطرّف والنعرات المذهبية في بيئة لم تكن تعرف قبل التدخل الإيراني في الحرب هذه النزعة المخيفة والمرعبة.
الروسي لم يكتفي بالمشاركة في صنع الفخ، بل وجد فيه فرصة لا تقدر بثمن لشيطنة الثورة والتخلص من المتشددين الإسلاميين في أراضيه من خلال تصديرهم إلى سورية. ولا عجب أن اللغة الروسية هي اللغة الثالثة التي يتم التحدث بها داخل تنظيم داعش بعد العربية والانكليزية، حيث كشفت وكالة "رويترز" العالمية في تقرير لها قبل نحو شهر أن المخابرات الروسية سهّلت بتعليمات مباشرة من الكرملين عملية ترحيل مقاتلين إسلاميين من دول القوقاز إلى مناطق الصراعات في الشرق الأوسط بهدف التخلص منهم هناك.
الأمريكي أذكى من أن يقع في الفخّ، لكنّه وجد فيه فرصة لتبرير خذلانه للسوريين والانصراف عن الواجب الأخلاقي تجاه مأساتهم عبر خلق حروب متعددة داخل الحرب. ومن يتابع اليوم شهر العسل الأمريكي الروسي وحالة التناغم بينهما على حساب دم السوريين، وتحرك إدارة أوباما لاحتواء غضب عدد لا يستهان به من دبلوماسيي الخارجية الأمريكية تجاه استراتيجية السورية، يتيّقن أكثر أن الولايات المتحدة تُفضّل أن تبقى في الفخ على الخروج منه.
الأوروبي كان في بدايات الثورة السورية أكثر اندفاعًا من اليوم في دعم انتفاضة السوريين والتمسك بمطلب رحيل الأسد ليقينه بدور الديكتاتور في توفير كل مقومات ظهور التنظيمات المتطرفة. لكنّ أمواج اللاجئين التي خضّت مضاجعه ووضعت وحدة الاتحاد الأوروبي على المحك، و الاعتداءات التي شنّها تنظيم داعش في القارة الأوروبية، أوقعته في الفخ الروسي والإيراني، ووضعته في صفّ المتفرّجين على دماء السوريين، طارحاً السؤال السخيف: ماذا سيحل بنا لو رحل الأسد؟
العربي الذي يبدو في المشهد السوري كمن لا حول له ولا قوة، يدرك بطبيعة الحال المكائد الإيرانية والروسية في سورية، وله معها تجارب مرّة، لكنّه وقع في الفخّ من دون أن يدري، وأدرك في وقت متأخر أن التعويل على الدور الأمريكي في الإطاحة بالأسد لم يكن في مكانه، وأن حسابات أوباما في سورية تختلف كثيرًا عن حساباتهم.
إعطاء الأولوية للتفكير في مرحلة ما بعد الأسد أمر مشروع وضروري إذا كان الهدف منه إخراج سورية من محتنها قوية ومتماسكة، لكنّ ما يحصل هو غير ذلك تمامًا. فوضع العربة أمام الحصان والتغاضي عن حقيقة أن الإرهاب ما كانت شوكته لتقوى لولا دور النظام السوري في تغذيته، سيبقينا ندور في الحلقة المفرغة لسنين وسنين. ولو أن الأطراف اللاعبة في الميدان السوري تساءلت عن كل يوم يعقب استمرار الأسد في السلطة لاختلفت المعطيات كثيرًا، ولما كانت سورية وصلت إلى ما هي عليه من قتل ودمار يومي وانسداد في أفق التسوية السياسية.
ولو أن الأطراف التي يفترض أنها داعمة للثورة السورية أولت اهتمامًا بالغًا في عواقب بقاء الأسد في السلطة، لما تجرأ الروسي والإيراني على تحدي العالم بأسرع ومواصلة دعم الديكتاتور من دون أي رادع قانوني أو أخلاقي، ولما استمرا في عرقلة مساعي التسوية كل هذه المدّة لمنع ولادة سورية الديمقراطية.
ما سيحدث في اليوم التالي لبقاء الأسد هو المزيد من القتل والدمار وسفك الدماء وتفكك النسيج الاجتماعي السوري الذي لن تسهل عملية إعادة لحمه من جديدة، بل وربما تفكيك جغرافية سورية بين مذاهب وعرقيات. وما سيحدث هو أن الإرهاب سينتشر أكثر من اليوم الماضي، وداعش سيولد تنظيمات داعشية أكثر راديكالية وخطورة على العالم فيما لو قّدر للحرب الحالية عليها بالنجاح.
عندما يصغي الأمريكي والأوروبي لكل هذه العواقب، سيدرك جيدًا أن اليوم التالي لرحيل الديكتاتور لن يكون أكثر غموضًا في حال بقائه، وسيكون بداية الخروج الفعلي من عنق الزجاجة، وبداية العد التنازلي الفعلي لنهاية داعش. ومن دون وقفة صريحة وجريئة مع الذات سنبقى داخل الفخ ولن نخرج منه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس