علي حسين باكير - العرب القطرية
كانت ليلة سوداء ذكرت الأتراك بظلامية الانقلابات التي سبقت، لكن من المفارقات أن فشل محاولة الانقلاب التي تعرضت لها تركيا في تلك الليلة ستعيد ربما كتابة التاريخ التركي وتسطر نهاية عهد الانقلابات في البلاد وتحمل معها بصيص أمل لشعوب المنطقة.
لا شك أن هناك الكثير من الدروس التي يمكن أن يتم استخلاصها في العالم العربي من هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، ويحسب للمعارضة التركية أنها رفضت الانقلاب، على الأقل هذا ما صرح به زعماء الأحزاب المعارضة بشكل علني. وسواء كان ذلك ناجماً عن حسابات تتعلق بتوجه الرأي العام ونزول الناس إلى الشوارع، أو عن تقدير بتوجه المحاولة الانقلابية إلى الفشل أو حتى صادراً عن إيمان مبدئي برفض تدخل الجيش في السياسة، فإنه موقف مهم جدا وكان من الممكن لموقف مغاير عنه أن يؤدي إلى حرب أهلية، وهو درس من المهم جدا أن نعيه في العالم العربي.
ورغم الظروف الصعبة جدا مساء يوم الجمعة وتعطل سلسلة القيادة مع احتجاز رئيس هيئة الأركان العامة واحتلال مبنى قيادة الأركان، التزم الجيش وكذلك الأجهزة الأمنية بالعمل المؤسساتي وبالدستور وبأوامر السلطة المنتخبة من قبل الشعب، والقضاء على المظاهر التي تحاول تهديد أمن البلاد والشعب التركي، والالتزام بعدم التدخل في السياسة رغم الإغراءات والظروف التي تم تهيئتها لذلك.
طريقة تعامل الشعب مع الانقلابيين أيضا كانت مهمة للغاية. الناس لم تستسلم، تعرف حقوقها وواجباتها ونزلت إلى الشارع لتدافع عن حقها في حماية من انتخبته، لم يتم قتل الانقلابيين أو سحلهم أو التمثيل بهم، وإنما تم القبض عليهم وتسليمهم إلى قوات الأمن، وإلى القضاء أي إلى مؤسسات الدولة التي يؤمنون بها للاقتصاص منهم.
وكان لافتاً إلى أن الناس نزلت تحمل علم بلادها، وليس صورة هذا الزعيم أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك أو هذه الميليشيا أو تلك، شعب مؤمن بدولته.
السلطة السياسية في البلاد بدت متماسكة، تعرف أن شرعيتها تأتي من الشعب وليس من الدبابة أو من الخارج، ورغم حالة البلبلة التي حصلت في بداية المحاولة الانقلابية فإنها سرعان ما حافظت على تماسكها، وأظهرت وحدتها وركزت على الظهور الإعلامي إلى جانب القيام بواجبها، لاسيما البرلمانيين ممثلي الشعب الذين توجهوا إلى البرلمان رمز الديمقراطية، لم يتم استغلال الموقف لكي ينقلب بعضهم على بعض، ولم يتم النظر في المصالح النفعية الضيقة والشخصية والحزبية، الأولوية للدولة والشعب.
المؤسسات الإعلامية ووسائل الإعلام حافظت على مهنيتها العالية، ونحت توجهاتها ورغم الخصومة التي تكنها بعض هذه الوسائل أيضاً للسلطة السياسية فإنها لم تستغل الوضع للانقلاب بدورها لأنها تعلم أنها ستكون ضحية الانقلاب لاحقا أيضا. وسائل الإعلام عملت بمهنية عالية، ورفضت أن تكون بوقا للانقلاب أو سببا للفتنة والتناحر بين أفراد الشعب.
ما حصل كان استثنائيا بكل التفاصيل، مشهد غير مسبوق في الشرق الأوسط، ربما المرة الأولى التي يتم فيها إفشال محاولة انقلابية حقيقية مكتملة الأركان، ورغم أهمية هذا المشهد فإن دلالاته ورسائله أعمق بكثير منه، وكما كانت التجربة التركية في المرحلة السابقة مثار اهتمام منقطع النظير في المنطقة والعالم، فإن تجربة إفشال الانقلاب ستحظى بالتأكيد باهتمام أكبر لاسيما في ظل ما تشهده المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس