بولنت أراس - ذا ناشونال إنترست - ترجمة وتحرير ترك برس
دخلت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أزمة جديدة، وهذا ليس مستغربا نظرا لسلسلة التطورات السلبية التي تكثفت خلال السنوات القليلة الماضية. ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من تباين الأجندات والتوقعات المتشائمة، فإن هناك أيضا مجالات محتملة للتعاون، وفي بعض الحالات هناك حاجة طاغية للتقارب بين تركيا والاتحاد الأوروبي، على ضوء التحديات المشتركة والمصالح المتبادلة. وعلى ذلك فإن خيارات الزعماء السياسية ستحدد في نهاية المطاف الاتجاه المستقبلي للعلاقات.
عناصر الاختلاف
أولا على الجانب السلبي تظهر تركيا والاتحاد الأوروبي على أنهما شيئان متباعدان يتحركان بعيدا عن بعضهما بعضا. أولا انهار السعي التركي للاندماج في الاتحاد الأوروبي مع تباين أجندة الجانبين السياسية والأمنية، ثم إعطاء الأولوية للداخل، والتحوط ضد التهديدات الخارجية. ونتيجة لهذا المزاج الانعزالي تزايدت كراهية الأجانب والمشاعر المعادية للأتراك بين الناخبين الأوروبيين التي زادت حدتها مع صعود الحركات الشعبوية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك فقد الراي العام التركي حماسه لمشروع الاتحاد الأوروبي، وتوصل إلى استنتاج بأن الاتحاد الأوروبي ليس مجتمعا قائما على قواعد من شأنها دمج تركيا، ولكنه كيان سياسي وثقافي يهتم بتسوية الحسابات المعاصرة والتاريخية، عادة مع تركيا والشتات التركي بوصفه كبشا للفداء. وقد تجسدت هذه الرؤية الأخيرة خلال الاستتفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في بلد يقدم نفسه بوصفه الداعم لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
ثانيا وضعت تداعيات الربيع العربي نهاية لمقولة تركيا أنها جسر للتعاون بين الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، ولكن على العكس حولت تركيا إلى وسيط محتمل لنقل الفوضى العربية أي إرهاب الجهاديين والصراع الطائفي والنزوح البشري. هذا الارتباط بالمتاعب، وتوصيف وسائل الإعلام الغربية المضلل لتركيا على أنها السبب الرئيس والداعم للإرهاب الجهادي، صرف الاهتمام عن الأجندة الرئيسة، وأعاق التشاور والتعاون اللذين تشتد الحاجة إليهما.
وأخيرا وليس آخرا وضع تركيا المحتمل كقوة صاعدة سمح لها ان تأخذ نهجا جريئا من السياسة الخارجية إلى الاقتصاد، في حين لا يزال الاتحاد الأوروبي منكبا على محاسبة النفس لتجنب الجمود العام. سعت تركيا إلى دور فعال وتحويلي في الشرق الأوسط ما بعد عام 2011، وتتطلع إلى لعب دور رافع راية الديمقراطية والانفتاح الاقتصادي في المنطقة. هذه الاستراتيجية التكاملية يمكن أن تعمل فقط شريطة أن تتمسك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمبادئهما الاساسية. ومهما يكن من أمر فإن الركود الاقتصادي والاستقطاب السياسي في الغرب تحول إلى عقبات لا يمكن التغلب عليها لدعم التحركات الشعبية في تركيا التي صارت في نهاية المطاف مشاركة في حرب أهلية وحشية.
وكانت آخر إضافة لهذا الاختلاف البنيوي خيبة أمل المؤسسة التركية، بما في ذلك الحكومة والمعارضة، من إخفاق الاتحاد الأوروبي في دعم النظام الديمقراطي في تركيا. وقد تحدث الساسة الأتراك في خطاباتهم العامة بصوت عال عن خيبة أملهم، حتى أن المؤتمرات الصحفية رفيعة المستوى مع نظرائهم الأوروبيين تحولت إلى مواجهة جدلية، والأسوأ من ذلك تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة لنشر الفضائح والتشهير بين القادة السياسيين.
حالة الغضب وخيبة الأمل واضحة بين النخب التركية بغض النظر عن انتماءاتها السياسية. لا يشعر العلمانيون ولا المحافظون الأتراك بأن أجندتهم قابلة للتحقق تحت راية أوروبا التي بدأت بالفعل في نشر التمييز والخوف من غير الأوروبيين، بالإضافة إلى سجل أوروبا الحافل في الاعتداء على تركيا. ومن ناحية أخرى يتزايد الاستياء في عواصم الاتحاد الأوروبي من ردود الأفعال السياسية التركية إزاء تنامي التهديدات الإرهابية الداخلية، مثل استقلال الأكراد، وجهود جماعة غولن الإرهابية لشل جهاز الدولة.
هذا الموقف يغذي بتلقائية فقدان الثقة في مشروع الاتحاد الأوروبي كله الذي لم يخفق فحسب في الوفاء بوعده، بل فقد فرصة جيو استراتيجية باصطفاف تركيا مع المصالح الأوروبية الأوسع، مثل العمل من أجل الاستقرار في الجوار المشترك . يبدو أن يأس تركيا الحالي من الاتحاد فريد من نوعه، ولاسيما إزاء تعدد التهديدات التي تواجهها البلاد. وتنبع خيبة الأمل من توقع أن يكون الاتحاد الأوربي الحل لعملية الإصلاح، بينما يبدو الاتحاد في الوقت الراهن نموذجا عفا عليه الزمن بمقاس واحد يناسب جميع الصيغ، لكن نتائج هذا النموذج مشكوك فيها نظرا لأنه بعيد كل البعد عن النجاح حتى في الغرب.
المصالح المشتركة
لكن على الرغم من الصعوبات وأسبابها العميقة، فإن هناك تاريخا طويلا من التعاون التركي مع أوروبا لغايات السياسة الداخلية والإصلاح. ويمكن رؤية آثار هذا النموذج في إصلاحات كوبرييلي في القرن السابع عشر ضد نظام وستفاليا في أوروبا، وإصلاحات ما بعد عام 2004 التي نفذتها تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهكذا خلط جهاز الدولة عمليا تقاليد الدولة التركية بالمرونة في مواجهة الأزمات وبالقدرة على استيعاب الإصلاح في داخل الحدود الأوروبية.
وبهذا المعنى فإن التعاون يمهد الطريق لخدمة المصالح المشتركة، في الوقت الذي يساعد فيه صناع القرار على متابعة محاولات الإصلاح الداخلي. لتركيا أجندة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي في دعم الأمن والاستقرار إزاء المخاطر الجيوستراتيجية مثل انتشار الفوضى في الشرق الأوسط إلى تصاعد النزعات الانفصالية من أوكرانيا إلى سوريا، وحتى المخاطر الناشئة في شرق البحر المتوسط والقوقاز وآسيا الوسطى. هناك حاجة لتطهير المزاج الحالي من الإحباط، بالتعرف على إمكانات تعميق العلاقات.
ولتحقيق هذه الغاية فإن اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي التي لم تحل بعد يمكن أن تتحول إلى نقطة تحول فاصلة تمهد الطريق إلى إطار للتعاون. إن الاتفاق، على الرغم من التغطية الإعلامية السلبية والتجاذبات السياسية بين الجانبين، مفيد لكلا الطرفين، وهو من حيث المبدأ يلبي توقعات كل جانب على المدى القصير، أي وقف الهجرة غير الشرعية، وفتح قناة اتصال تعاوني للعلاقات التركية الأوروبية. على أنه لا تزال هناك حاجة لإقناع الراي العام بإعادة قبول الاتفاق، حيث إن هناك معارضة لتحويل تركيا إلى معسكر أوروبا للاجئين، ومعارضة لتحرير التأشيرات التي تحولت إلى قضية سياسية، على الرغم من التزامات الاتحاد الأوروبي التعاقدية لتركيا . وترى الحكومة التركية أن إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة السفر إلى أوروبا من المرجح أن يحدث في نهاية هذا العام، وتُعد ذلك بالتالي انتصارا كبيرا لسياستها الخارجية يلوح في الأفق.
والفكرة هنا هي عدم تقديم مسار تاريخي يقترح إصلاحا تلقائيا للعلاقات المتبادلة. يجب التأكيد على احتمال أن هذا المقترح يمكن أن يعمل إذا استوفيت شروط معينة من كلا الجانبين. التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي ضروري لمواجهة التهديدات الأمنية الوشيكة في المنطقة المحيطة. وللجانبين أيضا مصلحة مشتركة في الحفاظ على احتمال انضمام تركيا للاتحاد على قيد الحياة من أجل الإصلاح وبناء المؤسسات في تركيا. تحتاج تركيا أيضا إلى ان تحل مشاكلها بنفسها، وبالتحديد استعادة سيادة القانون والديمقراطية والالتزام بالقواعد والمعايير الدولية بعد الانقلاب الساقط في ال15 من يوليو.
إن مرونة تركيا في فترة ما بعد الانقلاب، وتعاملها مع الهزات الارتدادية يجعلها تستفيد كثيرا من رؤية الاتحاد الأوروبي لدور البلاد في المستقبل. وقد اختُبرت بالفعل حدود المسافات المشتركة. تفرض أزمة الاتحاد الأوروبي والتحول الداخلي في تركيا والبيئة الإقليمية والوضع العالمي تحولا واقعيا في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أساس المصالح المتبادلة . هذا المسار الواقعي سيخفف من الحاجة الفورية للإصلاح في الداخل، وسيعزز التكامل على المدى الطويل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس