كاياهان أويغور – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
في 27 أيّار / مايو من العام 1960 انهارت الجمهورية التركية التي أسّسها مصطفى كمال أتاتورك. حيث عنونت صحيفة أكشام في 7 كانون الثاني / يناير عام 1961 صفحتها الرّئيسية بعبارة "البدء بتأسيس الجمهوريّة التركية الثانية".
وكانت لجنة الوحدة الوطنيّة التي قامت بعمليّة الانقلاب في تلك الفترة، تضمّ جناحين مختلفين. أحدهما "جمال مادان أوغلو" الذي كان أتاتورك قد طرده من البلاد. وكان مادان أوغلو يتزعّم الجناح اليساري للانقلابيين. أمّا "ألب أرسلان توركش"، فكان يترأس الجناح اليميني. وقد كان محكوما عليه بالسجن من قبل "عصمت إينونو" لتبنّيه وقربه من الفكر النّازي حسب ادّعاءات إينونو آنذاك.
وإذا أردنا أن نختصر المنهج الفكري لهؤلاء، نستطيع أن نقول بأنّ الجناح اليساري كان يدّعي بأنّ مخطّطات أتاتورك تعرّضت للرّكود. وكان بين أهدافهم مكافحة الرّجعيّة وقراءة الأذان باللغة التّركية. كما كانوا يدعون إلى فصل أمور الدّين عن أمور إدارة الدّولة ويطالبون بتدريس المناهج العلمانية في مدارس الدّولة التّركية.
أمّا الجناح اليميني فكان متخوفا آنذاك من انتشار النّظام الشيوعي في تركيا. لذلك قام بدعوة الشّعب للالتفاف حول القوميّة التركية لردع امتداد هذا النظام.
رغم اختلاف هذين الجناحين في القضايا الرّئيسية، إلّا أنّه كانت هناك نقاط هامة تجمعهم. حيث كانوا متّفقين في مسألة كيفية التّعامل مع الولايات المتّحدة الأمريكية. والدّليل على ذلك أنّ الانقلاب العسكري قام على أساس المحافظة على العلاقات الودّية مع الولايات المتّحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (النّاتو).
كما أن هذين الجناحين كانا يبديان نفس العداء للأكراد. حيث أنشؤوا مجمعا في مدينة "سيفاس" وجمعوا فيه أعيان ووجهاء الأكراد القاطنين في جنوب شرقي البلاد. ولم يختلف الجناحان كثيرا في أمور الدّين. إلّا أنّ الجناح اليميني استغلّ النّاحية الدّينية قليلا على اعتبار أنّ عامّة الشّعب التّركي من المسلمين.
وبعد عدة سنوات من انقلاب عام 1960، حدثت انشقاقات كبيرة بين صفوف الجناح اليميني. فقد قام "محرّم توركش" الذي تمّ استبعاده من قبل الانقلابيين باستكمال مسيرته في ساحات السياسة المدنيّة بعد أن غيّر من طباعه المعادية للدّين الإسلامي.
وقد حاول من تبقّى من اليمينيّين المحافظة على وجودهم واستمراريّتهم عن طريق تشكيل لجان وجمعيّات تضمّ المتشدّدين للقوميّة التّركية المعروفين بإسم "ülkücüler" آنذاك. وكانت الغاية الرّئيسية من تشكيل هذه الجمعيّات حينها، هي صدّ امتداد النّظام الشيوعي في البلاد.
ومع زوال النّظام الشيوعي في العالم عام 1990، تمّت تصفية قسم كبير من هؤلاء القوميين الذين كانوا قد تغلغلوا في بنية الجيش والمنظّمات المدنيّة. وتابع من تبقّى من التّيّار الرئيسي لليمينيّين فعاليّاتهم داخل بنية أجهزة الشّرطة والتعليم والقضاء والإعلام. لكنّ تأثيرهم باتت أضعف ممّا كان عليه من قبل.
أمّا العسكريّون اليساريون الذين تحوّلوا إلى الحراك السياسي المدني، فقد بدؤوا بالتّحضير لانقلاب عسكريّ جديد بعد عام 1962. حيث قاموا باستغلال الوضع الاجتماعي المتردّي آنذاك وأطلقوا على أنفسهم لقب الاجتماعييّن، وأعلنوا أنّهم الكماليون الذين يدافعون عن الأيديولوجيّة اليساريّة.
لقد قام هؤلاء بتحريض الشّباب للنّزول إلى الشّوارع ودعوة النّاس إلى تبنّي أفكار كارل ماركس ولينين.
في نهايات السّبعينيّات من القرن الماضي، انحصرت فعاليّات الكماليين اليساريين ضمن إطار محاولات الثّورة الشّبابيّة. فقد تعمّدوا إثارة الشّغب في الشّوارع من أجل إجبار جهاز الشّرطة على التّدخّل واستعمال العنف ضدّ المتظاهرين. وبالتّالي كانوا يخطّطون لاستغلال هذا الوضع لإقناع الرأي العام في تركيا بأنّهم يكافحون من أجل المحافظة على أمن البلاد. لكن الرأي العام التركي كشف هذه الخطة ولم يقتنع بها.
وبناء على ذلك قام بعض الكماليّين اليساريّين بالبحث عن طرق وأساليب جديدة توفّر لهم القاعدة الشّعبية لإجراء ثورتهم التي كانوا يخطّطون لها منذ فترة طويلة. فقد قاموا باستغلال أوضاع الأكراد الذين كانوا يعانون من الاضطهاد منذ ما يقرب الخمسين عاما. ومن أجل زعزعة الأوضاع في البلاد تعمّد هؤلاء تحريض الأكراد للقيام بأعمال تخريبية. وقد أثمرت هذه الخطة في جنوب البلاد. ومنذ ذلك الحين إلى الأن ظهر هناك توافق بين الأكراد واليساريين. وتفاصيل هذا التّقارب تظهر جليّا في كتاب "لسان الثّورة وأحداثها" لعبد الله أوجلان.
الواضح ممّا سبق أنّ بعض أعضاء حزب الشّعب الجمهوري لا يرتبط مع التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" أيديولوجيّا فحسب، بل هناك روابط تاريخية وعضويّة تجمع بين هذا الحزب وهذا التّنظيم الإرهابي. حتى أنّ هذه العلاقة الوطيدة مستمرّة إلى الآن.
لا عجب في محاولات بعضهم عقد اتّفاقيّات مع حزب الشّعوب الديمقراطيّة. فهؤلاء يعارضون الأكراد الذين يساندون الديمقراطية ويبحثون عن حقوقهم بالسبل الديمقراطية من دون أن يتخلّوا عن قيمهم القومية. كما أنّهم يشجّعون ويدعمون الأكراد الذين يناهضون الدّيمقراطية ويثيرون الشّغب في الشّوارع. كما أنّهم يحبّذون الأكراد الذين يقعون أسرى بيد النّظام الرأسمالي العالمي.
إنّهم مثل الرّضّع الرّوس. كلّهم أحفاد انقلاب عام 1960.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس