يحيى بوستان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
تتحسن العلاقات بسرعة بين تركيا وروسيا، حيث تصوغ أنقرة وموسكو أهداف سياستهما الخارجية على أساس المصالح العقلانية والأولويات الإستراتيجية بدلا من صياغتها على العواطف.
في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية في العام الماضي، واجهت تركيا عواقب خطيرة، لم تتمكن المقاتلات التركية على مدى أشهر من دخول المجال الجوي السوري خوفا من الانتقام الروسي. من الواضح أن الذين استفادوا من هذه الأزمة هي التنظيمان الإرهابيان داعش ووحدات حماية الشعب الكردي التي تسعى إلى تعزيز قوتها في شمال سوريا. وفي وقت لاحق أيد الأتراك التقارب مع موسكو من أجل العودة إلى اللعبة، إذ كان لروسيا أيضا الكثير من الأسباب التي تدفعها إلى البدء في التعاون مع تركيا.
فلنتخيل خريطة شرق أوروبا وغرب آسيا من وجهة نظر صانع السياسة الروسية: بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم تمر موسكو حاليا بمشاكل خطيرة مع الاتحاد الأوروبي في الجهة الجنوبية الغربية لروسيا. وعندما أخذت العلاقات مع تركيا منعطفا أسوأ، انتهي الأمر بالكرملين إلى وجود خط من الحكومات المعادية يمتد من أوروبا الشرقية حتى إيران، وبعبارة أخرى تركت مقامرة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، روسيا محاصرة في شمال البحر الأسود. وإلى جانب الأضرار الجيواستراتيجية ترك الوضع آثارا سلبية على التعاون في مجالي الطاقة والتجارة بين مناطق أخرى. وبخوض الروس حربين في أوكرانيا وسوريا، ومواجهتهم مشاكل خطيرة مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإنهم لم يستطيعوا ببساطة الإبقاء على تركيا في الجانب السيء، وبالتالي كان حرصهم على العفو عما سلف.
ثمة قوة دافعة أخرى وراء التقارب بين تركيا وروسيا هي الصداقة الطويلة بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي شبّه إسقاط الطائرة الروسية بالطعنة في ظهره، في المقابل أصيب السيد أردوغان بالإحباط من سياسة روسيا الخارجية العدوانية.
ولحسن الحظ كان الزعيمان قادرين على تجاوز هذه الفترة الصعبة والتركيز على القضايا الحقيقية. كان جديرا بالملاحظة في الأسبوع الماضي أن الرئيس رجب طيب أردوغان قال لوسائل الإعلام الروسية: إنه في حاجة إلى مساعدة بوتين في مكافحة الإرهاب في سوريا، ورد الرئيس الروسي الذي كان أول رئيس أجنبي يتصل بأردوغان بعد محاولة الانقلاب عارضا تقديم الدعم، على لفتة أردوغان بتوجيه الاتهامات إلى الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية التركية، مشيرا إلى أن قائد الانقلاب فتح الله غولن لا يزال مقيما في بنسلفانيا. والجدير بالملاحظة أن تصريح الكرملين جاء في الوقت الذي يثبت فيه الأمريكيون أنهم غير مستعدين لتسليم العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الساقط.
استفادت تركيا دائما بوصفها قوة إقليمية من التعاون الوثيق مع روسيا، وهذا ما دعا كثيرا من المراقبين إلى محاولة اكتشاف حدود الصداقة بين أردوغان وبوتين. في الأشهر الأخيرة أسفرت الزيارات الرسمية لقادة البلدين إلى سانت بطرسبرج وإسطنبول عن الاتفاق على خط أنابيب الغاز التركي ومشاريع نووية مشتركة. على أن السؤال الحقيقي هو هل تعرقل الاشتباكات الحالية في الموصل وشمال سوريا عملية تطبيع العلاقات؟.
يجب أن يكون واضحا أن الموصل هي المشكلة الصغرى، حيث إن روسيا ليس لديها نية للانخراط في عملية الموصل، وبتركيز الروس على الوضع في سوريا بدلا من ذلك، فإنهم يشعرون بأمر واحد مقلق تجاه الموصل؛ حيث يشتبهون في أن الأمريكيين يريدون تسهيل هروب إرهابيي داعش من العراق إلى الرقة وغيرها. ووفقا لمسؤولين أتراك تشارك أنقرة موسكو القلق نفسه، وقال مسؤول تركي رفيع المستوى " إذا شق الإرهابيون طريقهم من الموصل إلى الرقة، فإن عملية درع الفرات ستواجه مخاطر إضافية" . وفي ظل هذه الظروف فمن غير المرجح أن تضع حرب تحرير الموصل صداقة الزعيمين موضع الاختبار.
على أن سوريا قصة أخرى، فالحرب الأهلية متعدة الطبقات تمثل أرضا خصبة مثالية لأزمات دبلوماسية جديدة. يتقدم الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا بعد تحريره مدينة دابق من إرهابيي داعش نحو مدينة الباب، في حين حذر نظام بشار الأسد تركيا من دخول المجال الجوي السوري. ما نحتاج إلى أخذه في الحسبان أنه ما إن يسيطر المعتدلون على منبج والباب، فإن زخمهم الجديد سيضع ضغوطا على حلب، وهو أمر لا يريده الأسد. وفي حين لا يريد النظام السوري أن تواصل قوات الجيش السوري الحر تقدمها جنوبا، تشعر تركيا بأنها مضطرة إلى تعميق المنطقة الآمنة من أجل منع وقوع هجمات في المستقبل.
وعند هذه النقطة فإن السؤال الرئيس هو هل بوتين على اتفاق تام مع نظام الأسد؟ وحيث إن موسكو تبدي اهتماما بحلب بالقدر نفسه الذي يبديه النظام، فإن حملة الجيش السوري الحر يمكن أن تخلق متاعب للعلاقات التركية الروسية في المستقبل. لكن من المهم أن نتذكر أن البلدين اتعظا من أزمة الطائرة، ولن يرغبا في السير في الطريق نفسها مرة أخرى. وعلى هذا النحو لن تكون هناك مواجهة جديدة بين تركيا روسيا في أي وقت قريب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس