بريل ديدي أوغلو - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
لماذا يا تُرى قررت الولايات المتحدة غزو العراق عام 2003 ؟ هل كان السبب الوحيد هو وضع حد لجرائم صدام حسين ضد الإنسانية، أم أن الولايات المتحدة قررت وضع الشرق الأوسط تحت السيطرة في وقت كانت فيه روسيا لا تزال ضعيفة نسبيا؟ الشيء الوحيد الذي نعرفه على وجه اليقين أن الغزو الأمريكي أخلّ بجميع التوازنات في المنطقة. ربما كان السبب الاستفادة من ضعف روسيا، إذ قررت الولايات المتحدة إكمال المعركة ضد الإرهاب بغزو العراق، في الوقت الذي كانت فيه العملية العسكرية في أفغانستان لا تزال جارية. لكن هناك سؤال واحد لا توجد له إجابة : لماذ تركت الولايات المتحدة المهمة في منتصفها في كلتا الحالتين؟
غزا التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أفغانستان، لكنه أدرك بعد عامين أن من المستحيل التعامل مع هذا البلد، ولذلك فقد أوقف العمليات العسكرية الكبرى، وترك البلاد في حالة نصف احتلال ونصف سيادة. فعل التحالف الشيء نفسه تقريبا في العراق. والآن لم يعد للأمريكيين السيطرة لا على الحكومة المركزية ولا على اللاعبين المحليين في البلدين، بل على العكس صار البلدان نسخة مكبرة من لبنان وروسيا، وأكثر تأثيرا في المنطقة من أي وقت مضى. نُفذت العملية نفسها في سوريا، وكأن العراق وأفغانستان ليسا كافيين.
هذه هي الصورة التي نراها عندما نلقي نظرة على أداء الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. وإذا تخيلنا للحظة أن الهدف الرئيس كان إخافة أوروبا من روسيا، فقد كان ذلك كافيا لجعل الاتحاد الأوروبي أقرب إلى واشنطن. لم يتحقق هذا الهدف، بل على العكس أثار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط مزيدا من المشاكل داخل الاتحاد الأوروبي.
إذا كان هناك من يفهم تماما ما حاولت الولايات المتحدة تحقيقه في السنوات الخمس عشرة الماضية، فإنني أود أن أقابله بكل سرور؛ لأن الصورة التي لدينا هي صورة لبلد يعاني من مشاكل خطيرة مع حلفائه التقليديين، مثل إسرائيل والسعودية. الولايات المتحدة التي تثير غضب تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي غير قادرة على إثلاج صدر المملكة المتحدة أو بث الثقة لألمانيا.
ثمة جانب آخر غير مفهوم في سياسات الولايات المتحدة وهو المتعلق بإيران. قررت واشنطن في مرحلة ما جرّ إيران بعيدا عن روسيا، ووضع الأساس لإحياء التحالف بينها وبين إيران على أمل الاستفادة من النفوذ الإيراني في العراق وسوريا. ألم يلاحظ الأمريكيون أن إيران تملؤها الشكوك من هذه المبادرات، ومن ثم لا يمكن لهما أن يصيرا صديقين؟
لا تثق إيران بالولايات المتحدة مطلقا، بينما تتزايد الشكوك لدى تركيا فيما يخص الولايات المتحدة في كل يوم، ويزداد غضب روسيا منها. والسؤال كيف ستقدر الولايات المتحدة على صياغة أي شيء في المنطقة في ظل هذه الظروف؟
نعلم أن الشرق الأوسط لم يعد مهما للولايات المتحدة مثلما كان من قبل، لكن نظرا لأن الولايات المتحدة غير قادرة على الحصول على ما تريده في الشرق الأوسط، فإنها تفقد مصداقيتها أيضا في مناطق أخرى من العالم.
وكما أنه من المستحيل معرفة المنطق الذي يقف وراء ما تواصل الولايات المتحدة عمله، فإن تنفيذ استراتيجيات سياسة خارجية متماسكة صارت مستحيلة لأي شخص آخر.
تفضل تركيا، على سبيل المثال، أن تثق بالولايات المتحدة، وأن تعمل معها بدلا من محاولة الاعتماد على شركاء محليين غير جديرين بالثقة في سوريا والعراق. صار من المستحيل الثقة بالولايات المتحدة مادامت واشنطن تصر على العمل مع هؤلاء اللاعبين الذين تنظر إليهم تركيا بوصفهم أعداء.
يسأل بعض الناس لماذا تشهد الحملة الانتخابية الأمريكية مثل هذه الفوضى؟ ولأن الولايات المتحدة لا تعرف ماذا تريد، ولا تعرف ماذا تفعل في الساحة العالمية، فلا يمكن لأحد أن يتوقع من المرشحين الرئاسيين أن يعرف أفضل. دعونا نأمل فقط في أن تتغير الأمور نحو الأفضل بعد الانتخابات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس