بيريل ديدي أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
مع صدور نتائج انتخابات 24 حزيران/يونيو وتعيين أردوغان رئيساً للدولة التركية، تواصل تركيا تقدّمها وفق مسارها المعتاد، إضافةً إلى اتخاذ خطوات جديدة في مجال السياسة الخارجية أيضاً، والمقصود الأهم من المسار المعتاد هو السعي من أجل إيجاد حل للمشاكل التي ما زالت مستمرّة إلى الآن، وأبرز هذه المشاكل هي تلك المتعلّقة بالملف السوري والأمريكي، وخصوصاً تلك التي تتمحور حول ببي كي كي وطائرات F-35 والمُعتقلين في كلتا الدولتين السورية والأمريكية، إلى جانب هذه المشاكل نُضيف تجميد المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي والإدراك السلبي المكوّن لدى المجتمعات الأوروبية تجاه تركيا واختلاف وجهات النظر تجاه اللاجئين السوريين والخلافات السياسية والدبلوماسية أيضاً.
وفي السياق ذاته نذكر المشاكل المتعلّقة بمستقبل قبرص وفلسطين وسوريا، إذ تستمر الأزمات التي تُعتبر وليدةً للصراع العالمي الذي يدور حول مصادر الطاقة الموجودة في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسّط.
إنّ الفائدة الكبرى التي أتت بها الانتخابات الرئاسية قبل موعدها الرسمي هو اختصار المدّة الزمنية التي تُستغل لجمع أصوات الناخبين، أما الفائدة الأهم من كون نتائج الانتخابات بهذا الشكل هو فتح المجال أمام تركيا لخلق سياسة جديدة ذات سرعة وواقعية وتوسعيّة أكثر من التي عهدناها في ظل نظام الحكم البرلماني، بتعبير آخر إن العالم لن يتوقّف عن الدوران لانتظار تركيا، وكذلك الأزمات الموجودة لن تجد حلاً دون مبادرة، ولذلك يجب على تركيا اتخاذ خطواتها السياسية بسرعة أكبر بما يتناسب مع شروط السياسة العالمية.
تحويل الأزمات إلى فرص إيجابية
يدور محور السياسة الخارجية التركية حول مسألة مكافحة الإرهاب، وهذه المسألة تلعب دوراً هاماً في تحديد طبيعة علاقات تركيا بالدول الأخرى، لأن بعض الدول لا تشارك تركيا في وجهة نظرها تجاه التنظيمات التي تُعتبر إرهابيةً بالنسبة لأنقرة، وكذلك هناك من ينظر إلى الصراع التركي على أنه تعبير عن العداوة، وآخرون يرونه خطوة إيجابية في سبيل التعاون وتحالفات جديدة، وبناء على هذا التحليل يمكن توقّع أن مسألة مكافحة الإرهاب ستحافظ على أهميتها في السياسة الخارجية الجديدة لتركيا خلال المراحل المقبلة.
مع انتقال تركيا لنظام الحكم الرئاسي سيكتسب أداء الحكومة في تنفيذ الإجراءات سرعةً قد تؤدي إلى الوقوف في وجه نشاطات التنظيمات الإرهابية، وإنهاء كونها عاملاً محدداً لشروط السياسة الخارجية من خلال تشكيل مؤسسات وطنيّة جديدة مؤلّفة من الخبراء في مجالاتهم، بتعبير آخر يمكن تحويل الأزمات المعقّدة بين تركيا وبعض الدول بسبب مسألة مكافحة الإرهاب، إلى مسائل قابلة للتفاوض والتعاون من أجل إيجاد حل مشترك ضمن موافقة جميع الأطراف.
المقصود في هذه النقطة هو تحديد مسار السياسة التركية من قبل رئيس الجمهورية وحزب العدالة التنمية دون الشعور بالقلق تجاه احتمال تصرّف بعض منفّذي القرارات بشكل مستقل وفق مصالحهم الشخصية أو مصالح الجهات الخارجية، وبناء على هذا التحليل فمن المتوقّع أن هذه السياسة ستأتي بجميع البيانات الواقعية والموضوعية إلى مُتّخذي القرار، وبالتالي يمكن اتّخاذ الخطوات المقبلة بدقة أكبر بناء على تفاصيل البيانات الواردة لإداريي السلطة.
اتخاذ خطوات سياسية جديدة
يبدو أننا سنشهد قريباً على مبادرات جديدة من قبل الإدارة التركية الجديدة من أجل إعادة مجرى العلاقات التركية-الأمريكية إلى مجراها الطبيعي، وكذلك إعادة النظر في علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، لأن السبب الرئيس في الأزمات التي تُعتبر مصدراً للتوتّر بين تركيا ومعظم الدول الأوروبية لا تتعلّق بسياسة الحكومة التركية بشكل مباشر، إنما المصدر الحقيقي لهذا التوتّر هو علاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط وروسيا، ولذلك يبدو أن التوجّه لمركز الأزمة بشكل مباشر دون الدوران حول محورها هو الحل الأفضل أمام أطراف الأزمة في الوقت الراهن.
ربما لم تكتسب السياسة العامة لتركيا سرعةً مع الانتقال لنظام الحكم الجديد كما هو الحال بالنسبة إلى السياسة الخارجية، لكنها ستكون مركزاً لتحقيق التوازن السياسي خلال المراحل القادمة، لأن التصريحات الصادرة عن حزب العدالة والتنمية وكذلك الرئيس أردوغان تشير إلى وجود سعي جديد من أجل تحويل تركيا إلى عامل رئيس يلعب دوراً هاماً في الحفاظ على توازن العلاقات الدولية من شرق العالم إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، بتعبير آخر إن السياسة الجديدة لتركيا لن تنحصر في مناطق جغرافية معيّنة مثل الشرق الأوسط أو البحر الأبيض المتوسّط، إنما ستمتد لجميع أنحاء العالم.
إن حزب العدالة والتنمية يسعى لترميم نواقصه بسرعة كبيرة، ملتزماً بالوعود التي أفاد بها خلال تصريحاته عقب الانتخابات، وفي هذا السياق سيكون هناك بعض المسائل التي يجب إعطاؤها الأولوية في جدول أعمال السياسة الخارجية، وأتوقّع أن هذه المسائل ستكون على الشكل التالي: 1- عدم اتّخاذ القرارات دون العودة والتدقيق في جميع مصادر البيانات الواردة لمحدّدي مسار السياسة 2- معالجة الدبلوماسية العامّة وإضفاء الطابع المؤسسي عليها بشكل أكثر شمولاً من السابق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس