دينا رمضان - خاص ترك برس
دائما ما تتردد أمامنا القصة الشهيرة التي تتحدث عن وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه ديان، واستغراب الصحفي لكشف خطط إسرائيل بكل وضوح أمام وسائل الاعلام، حيث كان رده: أن العرب لا يقرؤون وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون..
فما مدى صحة قوله؟!
عندما يتم سرد بعض الاحداث التاريخية (السلبية)؛ عادةً ما نستغرب من تسلسلها، ونستنكر ردات الفعل تجاهها، ونبدأ بالتفكير والتنظير لما كان يجب فعله... فكأنما يكون الحياد الزمني و المكاني، أحيانا، عاملا مساعدا في وضوح الرؤية وما يتناسب معها من أفعال، بعكس الحال التي يكون فيها الشخص منخرطا في الامر او مُطالبًا بالإتيان بفعل.
في 1916، أي منذ 100 عام بالضبط تم تقسيم هذه المنطقة الى عدد من الدول والكيانات السياسية بناءً على المخطط والاتفاقية الشهيرة التي أُطلق عليها اسمي محرريها، مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو، حيث تم اقتسامها بين فرنسا وبريطانيا بما يتناسب ومصالحهما فيها، وبسبب تلك الاتفاقية، وما تبعها من اتفاقيات مكملة، رزحت المنطقة بشكل كامل لحكم عدد من الطغاة والمستبدين من حكام تابعين لتلك القوى بشكل أو بآخر.
نتيجة تلك التبعية وآثارها كانت واضحة تماما خلال الفترة الماضية، وأسوأها كان اندثار القيم الاساسية التي قامت عليها حضارتنا عبر العصور، وتحولها إلى مجرد شعارات وأمجاد نتذكرها من خلال كتب التاريخ، ونمنَي النفس ونحلم بيوم تعود فيه تلك الأمجاد، ولكن للأسف مجرد حلم بدون أن يتحول لخطة عمل واقعية لتحقيقه...
الغريب أنه عندما تُذكر أمامنا أحداث تلك الفترة، أي تطبيق تلك الاتفاقية المشؤومة، فإننا نجد لدينا القدرة على التنظير لما كان يجب فعله في تلك المرحلة، كما أن لدينا القدرة على إلقاء اللوم على من اكتفى بالحياد تجاه ما حدث، ونستغرب من عدم فعل شيء حقيقي لإيقاف ذلك المخطط!
الآن، وبعد مائة عام نجد أنفسنا أمام مخطط جديد لهذه المنطقة، يكفل مصالح بعض القوى الغربية، والتي من أبرزها ضمان أمن إسرائيل ومشاريعها التوسعية، بالإضافة إلى تحقيق مصالح الشركات العابرة للقارات، والتي أصبحت ميزانياتها تفوق ميزانيات عدد من الدول مجتمعة، هذه القوى الحاكمة التي تمثل أهم ركائز النظام العالمي الجديد، أطلقت منذ بضع عقود مخططا مبتكرا للمنطقة، مستخدمة مراكز الابحاث العلمية، والتي ترسم تلك المخططات وتحدد أهدافها والطرق الفضلى لتنفيذها، أي أن الأمر هو تخطيط بالمعنى العلمي وليس "مؤامرة" بالمفهوم العامي.
ويُعتبر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش عراب ذلك المخطط "الشرق الاوسط الجديد"، حيث قام بتسويقه لعدد من الدول الأوروبية تحت ذريعة نشر قيم العالم الغربي المتحضر، كالديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من القيم التي تبدو كعناوين براقة وجذابة، ولكنها ليست اكثر من مصطلحات هلامية سائلة، تشبه حداثة الغرب السائلة.
خلاصة المخطط تتمثل بإعادة تشكيل المنطقة، عن طريق تفكيكها وإعادة تركيبها، بما يتناسب ومصالح تلك القوى بشكل أساسي، مما يستلزم عددا من الحروب، ومزيدا من الاستنزاف المادي والمعنوي للمنطقة، أي مزيدًا من التخلف النهضوي والحضاري والقيمي.
المهم الآن هو: ما الذي يمكننا فعله وقد عرفنا بهذا المخطط؟
لا شك أن القدرة على الفعل أصبحت متاحة بشكل أكبر مع ظهور وسائل التواصل الحديثة، مما سبب سهولة انتشار المعلومات والمعرفة، وتبادل الأفكار، بالإضافة إلى القدرة العالية على التنسيق.
وعلى الرغم من إسقاط أهمية العامل/ البعد المكاني بسبب تلك الوسائل؛ إلا أننا ما زلنا نفكر ونتصرف من منطلق مكاني بحت، ولم نستطع تجاوز حدود بلداننا المفروضة علينا، وقومياتنا الضيقة الناشئة عنها، فتعاظم دور الدولة القومية وتأثيرها هو امر زُرع في عقولنا عبر العقود الماضية، والأجدى أن نكسر هذا القيد، لنستمد قوتنا من كثرتنا كشعوب تربطها علاقات تتعدى تلك الحدود الوهمية المرسومة، فما يجمعنا أكثر بكثير وأقوى وأعمق مما تمثله تلك الحدود القابعة في عقولنا.
طرح وتبادل الأفكار، تنظيم وتنسيق الحشود، توحيد القيم وبالتالي القدرة على الفعل والفاعلية هو ما يجب أن نجتمع عليه، وهو ما يجب الاعتماد عليه لتشكيل مخطط مقابل، أو بالأحرى تشكيل مشروعنا الشامل لهذه المنطقة، فكما أن كل الاطراف المتدخلة فيما يجري حاليا تمتلك رؤى ومشاريع واضحة تعمل لتحقيقها، فيجب أن نعمل سويا على رسم مخططنا وعمل كل ما يلزم في سبيل تحقيقه.
إن ما تم ذكره ليس مناطا بالنخب السياسية، وإنما هو أمر يتعلق بكل فرد في هذه المنطقة يؤمن بقيمها ويسعى لإعادة إحياء حضارتها ونهضتها، ما يحصل الآن هو ليس مجرد "سياسة" وإنما هو مصير أمة كاملة يتشكل في وجودنا وأمام أعيننا.
الآن وقد عرفت ما يُخطط لك ولمنطقتك ماذا أنت بفاعل؟!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس