دينا رمضان - خاص ترك برس
أطل علينا نصرالله منذ عدد من الأيام في خطاب توجيهي وعظي يشمت فيه بالاقتتال الحاصل في الغوطة الشرقية وينتقده، ولا بد من القول إنه بالإضافة إلى شعورك بالغثيان وأنت تجبر نفسك على الاستماع لذلك الخطاب؛ فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك وأنت تسمعه المثل القائل "عندما تحاضر العاهرة عن الشرف"!
ذكر نصر الله خلال الخطاب أنه يقرأ كل رسالة مفتوحة تُرسل له، أيًا كان المرسل؛ لذا فليعتبر ما كُتب كواحدة، علّها تحيي ذاكرته، فلن نتحدث هنا عن الجرائم الحالية التي يرتكبها هو وحزبه في سورية، من سفك لدماء الابرياء، واستباحة أموالهم وأعراضهم، بالإضافة إلى الحصار الهمجي الذي يفرضه على بعض المناطق، ولكننا سننعش ذاكرته بالجرائم المرتكبة بحق أهل بلده من اللبنانيين من مختلف الطوائف وخاصة الطائفة الشيعية.
وسواء كان سبب نسيان نصرالله لجرائم الحزب في لبنان عائدا الى تقدمه في السن، أو ربما الى نوع الحشيش المنتج في المزارع التي يشرف عليها في البقاع، إلا أن آثار تلك الحرب الأهلية الضروس التي قادها الحزب بالوكالة في الثمانينيات ضد الطوائف المختلفة لبسط نفوذ إيران، ما زالت موجودة وما زالت تدمي القلوب، ولا يمكن لأحد أن يتناساها بهذه البساطة.
في الثمانينيات، وخلال الحرب الأهلية في لبنان، حصل انشقاق للكثير من عناصر حركة أمل –ومن بينهم نصر الله- للانضمام إلى حزب الله المشكل حديثا هناك برعاية إيرانية، وتجهيز وتدريب كامل من الحرس الثوري الإيراني (ما يزيد عن 1000 من عناصر الحرس) ليكون ذراع إيران في المنطقة، وقد ورد وبشكل صريح في بيان الحزب الصادر في 16 شباط/ فبراير 1985 أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".
وعلى إثر ذلك بدأ في منطقة الضاحية اقتتال شيعي-شيعي رهيب بين "إخوة المنهج" للسيطرة على مناطق النفوذ، حيث كان الحزب مدعوما من إيران كما ذكرنا، بينما حركة أمل مدعومة من النظام السوري (الأسد الأب)، وذهب ضحية ذلك الاقتتال المئات من مقاتلي الطرفين، مما أدى إلى خروج مظاهرات نسائية من أهل المنطقة تطالب بوقف اقتتال الإخوة فيما بينهم، ولكن تم إطلاق النار عليها بدون رحمة، وبدون مراعاة لحرمة أو عرض.
التنافس والاقتتال على زعامة الطائفة الشيعية في الجنوب، أعمال السلب والنهب، وفرض الإتاوات على أصحاب الأعمال التجارية، أعمال الاغتيال والاختطاف التي اشتهر بها الحزب بشكل خاص شكلت عنوانا هاما لتلك المرحلة.
وبالإضافة إلى المئات الذين سقطوا كقتلى وجرحى؛ فإن أحد أهم نتائج ذلك الاقتتال هو الدخول السوري لمنطقة الضاحية بقيادة غازي كنعان، والذي حاول الحزب اغتياله في وقتها، ولكنه فشل في ذلك، وللحقيقة فإن الاقتتال الحاصل بين الحركتين لم يكن ليتوقف لولا الاتفاق الذي تم بين النظامين السوري والإيراني، والذي ألزم الطرفين بوقف الاقتتال بالقوة.
وسبحان مغير الأحوال، فأعداء الأمس (حزب الله والنظام السوري) أصبحوا حلفاء اليوم، ومن يعلم فقد يكون هذا الولوغ الحالي بدماء السوريين الأبرياء من قبل الحزب ما هو إلا انتقام مما حصل في تلك الأيام، ولكنه للأسف موجه للطرف الخاطئ، وكم كنا نأمل أن يتم توجيهه ضد النظام السوري، فهو العدو الحقيقي المشترك للسوريين والأبرياء في لبنان، ممن عانوا من بطشه وإجرامه... ولكنها المصالح السياسية دائما فلا إنسانية ولا قيم ولا مبادئ!
وليس لنصر الله بعد هذا الإحياء التاريخي الأليم أن يتبجح بإعطاء الدروس وانتقاد اقتتال السوريين، فلم يعد هذا الدور يليق به، وننصحه بأن يكف عن تلبس دور الواعظ، أو المرشد، أو القامة الدينية الذي يتمناه، والذي ربما كان تحت تأثير العمامة السوداء التي أوهمته بأكثر مما يساوي حقا، والأفضل له الالتزام بدوره كرئيس مليشيا طائفية، مجرمة، مأجورة، تابعة لدولة مارقة تهدف إلى توسيع نفوذها وتحقيق مطامعها في المنطقة باستخدامه وميليشياته كأداة رخيصة، وليتذكر دائما أنه لولا قوانين العفو الدولية التي صدرت بحق من "تلطخت أيديهم" بدماء الأبرياء في الحرب الأهلية اللبنانية؛ لكان في أحسن أحواله يحاكم الآن كمجرم حرب، هو ومن يتصدرون المشهد السياسي الحالي في لبنان!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس