ترك برس
قال المفكر الإسلامي والباحث العربي بشير نافع، إن اجتماع الآستانة لم يكن أصلاً فكرة تركية، بل مشروعاً روسياً، أراده بوتين لتوكيد دور الوسيط وصانع الحلول والسلم، "وربما كان الروس يرغبون، قبل عقد اللقاء، أن يتحول الآستانة إلى مسار بديل عن مسار جنيف".
وأشار نافع في مقال له بموقع "عربي21"، إلى لقاء التاسع من آب/ أغسطس 2016، بين الرئيس التركي، طيب رجب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة "سان بيتسبرغ" الروسية. ولأن تركيا كانت لم تزل تعيش أجواء المواجهة مع تنظيم فتح الله غولن، المتهم بالمحاولة الفاشلة في 15 تموز/يوليو، فالمؤكد أن قرار الذهاب إلى "سان بيتسبرغ" اتخذ عن سابق تصميم وتصور، وفقًا للباحث.
وبحسب نافح، كانت المصالحة التركية ـ الروسية، بعد القطيعة التي سببها إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، قد أنجزت في نهاية حزيران/ يونيو، وجاء لقاء "سان بيتسبرغ" ليعزز من مناخ التقارب المتجدد بين الدولتين؛ أو هذا، على الأقل، ما أوحت به تصريحات أردوغان وبوتين. ولكن الأحداث المتتابعة توحي بأن قمة "سان بيتسبرغ" أسست لتوافق أكبر بين تركيا وروسيا. السؤال الآن هو المدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا التوافق.
ورأى نافع أن تركيا قدرت أنها تواجه خللاً فادحاً في ميزان القوى المحيط بها، سيما في ساحة الأزمة السورية، التي تحولت إلى مركز للتدافعات الإقليمية والدولية؛ وأنها لم تعد تستطيع الاطمئنان لحلفائها الغربيين، لا في الولايات المتحدة ولا أوروبا.
وهذا ما ولد التحرك التركي نحو روسيا، التي برزت باعتبارها القوة المرجحة في الأزمة السورية. والمؤكد، أن القرار التركي بالانفتاح على روسيا لم يأت من جانب واحد، فلأسباب عديدة، ليس أقلها إدراكه بأن لا حل عسكرياً للأزمة السورية، كان بوتين، أيضاً، يرغب في تعزيز العلاقات مع تركيا.
وأضاف الباحث: اتفق الطرفان، التركي والروسي، في لقاء "سان بيتسبرغ" على الإسراع في تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، التي تضررت بصورة بالغة بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية.
ولكن الأهم، كان التحرك التركي العسكري غير المسبوق، في 24 آب/ أغسطس 2016، في منطقة الشريط السوري الحدودي، لإخلاء المنطقة من قوات داعش ومنع قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، من مد نطاق سيطرته إلى غرب الفرات.
العملية التي أطلق عليها اسم (درع الفرات)، وشملت توفير دعم عسكري تركي ملموس للجيش السوري الحر، ما كان يمكن أن تتحقق بدون موافقة روسية. خلال الشهور التالية، وبالرغم من أن توجه عملية درع الفرات نحو مدينة الباب، في العمق السوري، تتطلب توافقاً تركياً ـ روسياً جديداً، وفر سلاح الجو الروسي دعماً مباشراً للقوات التركية ووحدات الجيش الحر التي تحاصر مدينة الباب، لمرتين على الأقل.
في المقابل، لم تخبر أنقرة الحلفاء الأمريكيين بعملية درع الفرات إلا قبل انطلاقها بساعات؛ وتعامل الأمريكيون مع العملية باعتبارها خارج نطاق التحالف ضد الإرهاب، بالرغم من أن داعش هدف رئيس للعملية.
وتابع: في 18 كانون أول/ ديسمبر، توصل العسكريون الروس إلى اتفاق مع مسلحي المعارضة السورية إلى اتفاق حول إخلاء حلب الشرقية من المدنيين والعسكريين المحاصرين. وبالرغم من أن انتقادات حادة وجهت لاتفاق حلب، الذي اعتبر حلقة أخرى في عملية التطهير الطائفي في سوريا، فالمؤكد أن الاتفاق لم يكن ممكناً بدون دعم وتأييد تركيين. بعد أيام قليلة، كانت أنقرة تستضيف مباحثات غير مسبوقة بين مسئولين روس وممثلين عن قطاع واسع من التنظيمات السورية المسلحة، انتهت بالتوصل إلى ما عرف باتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار. في 23 ـ 24 كانون ثاني/ يناير، عقد لقاء الآستانة، الذي هدف إلى تعزيز حالة وقف إطلاق النار وإيجاد آلية لمراقبة الاختراقات.
وبالرغم من أن اللقاء ضم ممثلين عن نظام دمشق، وعن تنظيمات المعارضة المسلحة، بوجود روسي وإيراني وتركي، كان واضحاً أن الآستانة ما كان يمكن أن يعقد بدون تفاهم تركي ـ روسي.
واعتبر نافع ان اجتماع الآستانة لم يكن أصلاً فكرة تركية، بل مشروعاً روسياً، أراده بوتين لتوكيد دور الوسيط وصانع الحلول والسلم. وربما كان الروس يرغبون، قبل عقد اللقاء، أن يتحول الآستانة إلى مسار بديل عن مسار جنيف. ولكن لا الأتراك ولا الروس كانوا يعرفون حقيقة موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، ولا ما يمكن أن يكون عليه رد الفعل الأمريكي على إطلاق مسار تسوية للأزمة على أساس تفاهم روسي ـ تركي.
في النهاية، اتفقت الأطراف على أن يقتصر لقاء الآستانة على تثبيت وقف إطلاق النار، وأن تعود المباحثات إلى جنيف لفتح الملفات السياسية المستعصية، حيث ستتوفر ليس مظلة دولية وحسب، بل وستتواجد كافة الأطراف المعنية، وفي مقدمتها الأمريكيون. بهذا، يبدو لقاء الآستانة وكأنه المحطة الأخيرة للتوافق التركي ـ الروسي حول سوريا، الذي أطلق في اجتماع "سان بيتسبرغ".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!