محمد عزت ابوسمرة - خاص نرك برس
منذ أن هبط الإنسان إلى الأرض وهو يميل بطبعه وفطرته إلى العيش في جماعة يسكن إليها فؤاده وتحتمي بها نفسه ميلًا يجعله يتزوج وينجب أطفالًا ويكوّن أسرة عائلية ترتبط مع غيرها من الأسر بأواصر من التعارف والتفاهم والتكافل لبنات بعضها فوق بعض، مشكّلة بذلك مجتمع التعاون والمحبة والتآلف، لكن بمرور الأيام وتتابع السنين على هذه العشرة الطويلة بينه وبين هذا التجمع البشري تظهر القضايا التي تحتاج إلى حكم واضح لا يقبل الاستئناف عليه أو الطعن فيه والمشكلات التي لابد لها من حل جذري لكي لا تطفو على سطح العلاقات مرة أخرى فتعكر صفوها أو توقف جريانها فيستمر بذلك هذا التعايش الإنساني الضروري وهذه الألفة الوجدانية الطبيعية (قبيلة كايلار نموزجا).
ومن هنا تأتي الأعراف والأصول لتقدم الأحكام وتطرح الحلول أمام الناس ليأخذوا بها ويعتمدوا عليها ضمانة لدوام اجتماعهم واستقرار حياتهم. فما هي هذه الأصول وما مصادرها وما سماتها التي تميزها عن غيرها من النظم الحاكمة؟
الأصول هي قيم نبيلة ومبادئ عامة وقواعد كلية متوارثة عبر الأجيال يستندون عليها في أفعالهم ويتحاكمون إليها عند نزاعهم، وتختص هذه الأصول بكونها المعيار الوحيد المتفق عليه بين الناس برغم تنوع ثقافاتهم وتباعد اتجاهاتهم كدستور جامع لهم، بخلاف العادات والتقاليد تلك التي يكون بعضها موضع تقدير واحترام كإغاثة الملهوف وإكرام الضيف، وبعضها الآخر محل رفض واستنكار كزواج البنات الصغيرة أو المغالاة في المهور.
الدين هو المصدر الرئيس الذي خرجت منه هذه القيم النبيلة والمثل العليا وقد آمن بها الناس وصدقوا إمكانية تطبيقها في واقع حياتهم لما رأوا الأنبياء عليهم السلام والصالحين رضي الله عنهم من بعدهم يتمثلونها في أقوالهم وأفعالهم بكل سهولة ويسر.
نتائج التجارب التي مر بها المجتمع في معالجاته للأحداث التي وقعت فيما مضى وهي مجموعة من الخبرات المتراكمة والمصاغة على هيئة أقوال مأثورة بلغت حد التواتر في روايتها مثل الجار جار وإن جار، أي يبقى للجار كل الحقوق على جاره حتى وإن اعتدى عليه أو ظلمه فلا يجوز بحال أن تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الهواء أو أن تمتنع عن عيادته في مرضه أو تهنئته في أفراحه أو مواساته في أطراحه، فكل هذه أصول ينبغي مراعاتها في تعامل الجيران مع بعضهم البعض.
إن هذه الأصول تمتاز بكونها نابعة من الشعب وليست من سلطة فوقية اختارتها وانتخبتها لتحقق بها مصالحها الشخصية ثم تستفتي الناس عليها، بل هي حصيلة عقود طويلة من الصراع مع الحياة وما تحتويه من آلام تجاوزناها وآمال نترقبها كما تمتاز بمرونتها وحيويتها وقابليتها للاستمرارية على الرغم من تسارع الحياة وكثرة تعقيداتها وتطورها المستمر، إلا أن الأصول تبقى وتظل حاضرة إن أخطأت في حق أحدهم يقال لك هذه ليست أصولًا يا أخي وما ينبغي لك أن تقول هذا أو أن تفعل هذا، وإذا ارتكبت جريمة أو حدثت مشكلة يقول المصلحون فيها من له حق سيأخذه ولكن بالأصول ومن يلتزم بهذه الأحكام وتلك المبادئ الإنسانية العامة هم ولاد الأصول، نسب لا إلى أب وجد ولكن إلى قانون ومبدأ لا إلى مال وجاه ولكن قيمة وخلق، فليس الفتى من يقول كان أبي ولكن من يقول هأنذا، إنه النسب الشريف حيث الارتباط بالعمل الصالح والاتصاف به ولهذا نسمع النبي وهو ينادي على فاطمة قائلًا لها اعملي فإني لا أغني عنكِ من الله شيئًا.
ما نفهمه من ذلك أن الأصول العامة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية هي خبرات سنوات طويلة وقواعد أخلاقية تبقينا صامدين أمام موجات التغريب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس