أحمد زكي غيبري – صحيفة ميلاد – ترجمة وتحرير ترك برس

لم تشهد البشريّة عبر تاريخها الطّويل دولة تمارس الإرهاب بهذا الشّكل مثلما تمارسه إسرائيل بحقّ الشعب الفلسطيني. حتى أن مجازر هذه الدّولة سبقت مجازر النّازيّين بحق اليهود بأضعاف مضاعفة.

بعد الحرب العالمية الأولى قرّرت القوى العظمى آنذاك إقامة دولة مستقلّة لليهود. فاقترحوا أن تكون هذه الدّولة على أرض اليمن أو الأرجنتين. لكنّهم اتّفقوا في نهاية المطاف على إقامة هذه الدّولة في قلب الجغرافيا الإسلامية المتمثّلة بتراب فلسطين كي يسهل عليهم زرع الفتنة بين شعوب هذه المنطقة.

وبعد أن تمّ احتلال فلسطين من قبل هؤلاء الصّهاينة، بدؤوا بالامتداد والتّوسّع تدريجياً ليحتلّوا تسعين بالمئة من الأراضي الفلسطينية. وهم الآن بصدد تنفيذ مخطّطاتهم التي أعدّوها قبل مئة عام. وهذه المخطّطات تتمثّل بتغيير الهوية الدّينية للقدس وما حولها.

تعتبر مصر من أهم دول الجوار بالنسبة للإسرائيليّين. فالدولة الإسرائيلية تولي اهتماماً بالغاً لهذه الدولة، وكلّكم تذكرون كيف فرحت إسرائيل بالانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الإخوان المسلمين في مصر.

فالكيان الصهيوني وبعد أن اطمأنّ للوضع في مصر، بدأ يمارس وحشيّته ضد الشّعب الفلسطيني الأعزل من جديد.

أمّا فيما يخصّ الوضع العراقي. فبعد احتلال الولايات المتّحدة للعراق وجدنا أن معظم الدّول العظمى أصبحت صاحبة قرارٍ في السّاحة السياسية العراقيّة باستثناء العراقيّين أنفسهم.

فقد اتخذت القوى العظمى في العالم من تنظيم القاعدة ذريعةً لها من أجل الحفاظ على استمراريّتها في العراق. وعندما أيقن الرأي العام العربي والعالمي أن تنظيم القاعدة ما هو إلّا خدعة استخدمتها هذه الدّول من أجل مصالحها الشّخصية، لجؤوا هذه المرّة إلى ابتداع مبرر آخر ألا وهو تنظيم الدّولة الإسلامية.

فالعالم بات يعلم أنّ الجرائم التي تقوم بها هذه المنظّمة الإرهابية في سوريا والعراق، تخدم مصالح الأمريكان والرّوس والإسرائيليّين والإيرانيّين والنّظام الأسدي أكثر ممّا تخدم الإسلام والمسلمين.

والإيرانيون الذين يدّعون العداء للولايات المتّحدة الأمريكية، هم الآن من أكثر الدّول تأثيراً على القيادة العراقية. حتّى أنّهم يشاركون بجيوشهم في الحرب الأهلية القائمة في العراق. وكذلك بالنسبة للوضع الدّاخلي في سوريا.

وقد تناقلت وكالات الأنباء مؤخّراً أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية تعتزم العمل بالتّنسيق مع الإيرانيّين في سوريا والعراق مقابل تخلّي الأخيرة عن برنامجها النووي.

وعلى الرغم كرّرت مراراً على أنّها تولي اهتماماً ببغداد أكثر من بلدة كوباني، إلّا أنّها سارعت إلى تقديم المساعدات العسكرية لتنظيمي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وداعش، وذلك بالتّزامن مع أحداث الشّغب الأخيرة التي حصلت في تركيا بذريعة التّضامن مع البلدة السّورية عين العرب (كوباني).

ومع استمرار تذبذب السياسات الأمريكية في المنطقة سواء في سوريا أو العراق أو في مصر، فقد توضّح بأنّ هذه السياسة هشّة وبعيدة عن المصداقية.

وقد أثّرت هذه السياسات على الانتخابات الدّاخلية في مجلس الشيوخ الأمريكي. حيث تلقّى الحزب الديمقراطي بقيادة باراك أوباما صفعةً قويّة بخسارته معظم المقاعد أمام الحزب الجمهوري. حيث أصبح أعضاء الحزب الديمقراطي من الأقلّيّات داخل مجلس الشيوخ.

وبعد فوز المحافظين الجدد المقرّبين من الحزب الجمهوري، قامت إسرائيل باستغلال هذه الفرصة لمتابعة أعمالها الإجرامية بحق الفلسطينيّين والأماكن المقدّسة، وبدأت بتنفيذ مخطّطاتها في القدس من جديد.

أمّا تركيا، فهي تحاول اتّخاذ خطوات استراتيجية فيما يتعلّق بالأزمة السورية وما نتج عنها من ظهور لتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات موالية للمنظمة الإرهابية بي كا كا. وكذلك تريد أن تتخذ الإجراءات الاستراتيجية بخصوص مسألة المصالحة الوطنية التي تجري الآن في تركيا بين الأتراك والأكراد.

ومقابل هذا فإنّ القوى التي قامت بتنسيق وتنظيم أحداث غيزي بارك، والتي دعمت محاولة الانقلاب على الحكومة من خلال استخدام الكيان الموازي، لم تتوقّف عن محاولاتها الرامية إلى زعزعة الأمن في تركيا.

فهؤلاء تارةً يتحجّجون بالشجر وتارةً تراهم يحاولون استغلال الكوارث الطّبيعيّة للنيل من الحكومة الشرعية في تركيا، لأنّهم يئسوا من الوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع.

وقد أرغمت الاضطراباتُ التي تعمّ الدّول العربية في هذه الأيام العربَ على نسيان ما يجري حالياً في فلسطين من ظلمٍ واضطهاد بحق هذا الشّعب على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

حيث قامت إسرائيل باستغلال هذا الوضع المتردّي للبلدان العربية فأغارت على غزة وقتلت خمسمئة طفلاً وما يزيد على الألفي رجل وإمرأة. ومن ثم منعت المسلمين من دخول المسجد الاقصى. ولم تكتفِ بذلك بل وتجاوزت انتهاكاتهم إلى أن سمحوا بدخول اليهود الأرثوذوكس إلى حرم المسجد الاقصى.

الفاجعة الكبرى تجلّت عندما دخل ثلاثمئة جنديّ إسرائيلي أرض المسجد الأقصى وعبثوا بمحرابه ومزّقوا القرآن المقدّس.

وبالتّزامن مع هذه الأحداث في فلسطين، فإنّ النّظام السوري يستعدّ لشنّ هجومٍ عنيفٍ على مدينة حلب. حيث من المتوقّع أن ينزح الآلاف من السوريّين من هذه المدينة باتّجاه الأراضي السورية.

فالمسلمون إن لم يكفّوا عن البكاء والرّثاء ويتّخذوا الإجراءات القانونية والحقوقيّة ضدّ الانتهاكات الإسرائيليّة، فإنّ هذه الدّولة الإرهابية ستستمرّ في أعمالها الإرهابية بحق الشّعب الفلسطيني والمقدّسات الإسلاميّة.

عن الكاتب

أحمد زكي غيبري

كاتب في صحيفة ميلاد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس