عبدالله عيسى السلامة - خاص ترك برس
(المسؤول الأوّل، في بلاده، رأسٌ لدولته: يَعِزّ بعزّها، وتَعِزّ بعزّه.. تلك هي المسألة!).
إذا رفض عدوّك، أو خصمك – وأنت فرد عاديّ - أن يعاملك، معاملة الندّ للندّ، فأمامك أحد خيارين: الخضوع له، أو تحدّيه!
وهذه معادلة سهلة: حسابُ القوّة والضعف فيها، سهلٌ، في التعامل غير السياسي، بين الأفراد!
أمّا التعامل السياسي، حتى بين الأفراد، فيختلف؛ لأن حساب القوّة والضعف، لايقف عند ماهو ظاهر، لدى الطرفين، بل تدخل فيه، عناصر أخرى: الحلفاء والمؤيّدون والأنصار! وتدخل فيه، قدرات كثيرة، ومهارات عدّة، ومؤهّلات شتى، لدى كل طرف وداعميه! كما تدخل فيه، القيم العليا: من إيمان، ونبل، وسموّ.. والقيم الدنيا: من خبث، ولؤم، وخنوع..!
عبدالله بن حذافة السهمي: قبّل رأس قيصر الروم، ليطلق أسرى المسلمين، رافضًا تقبيل رأسه، لقاء إطلاق سراحه، وحدَه؛ حين طلب منه قيصر، ذلك، إعجابًا بشجاعته، واعتزازه بإيمانه.. وهو يرى الموت، بعينيه، في مرجل ضخم، يغلي فيه الماء! وحين رجع، إلى الخليفة عمر، مع الأسرى، الذين أطلق سراحهم، قبّل عمر رأسه، وطلب ممّن حضر، من المسلمين، تقبيل رأسه، تكريمًا له، على إنقاذ أسرى المسلمين!
لكن عبدالله، ليس رأسًا للأمّة، بل هو فرد عادي فيها، مؤمن شجاع، مضحّ، معتزّ بدينه وأمّته!
هارون الرشيد: كتب إلى نقفور، إمبراطور روما، الذي رفض الاستمرار، في إعطاء الجزية، للمسلمين، وطالب الرشيد، بردّ أموال الجزية، التي أخذها من قبلُ: من هارون أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم.. الجواب ما تراه، دون أن تسمعه! وخرج بجيش ضخم، لقن به نقفور درسًا قاسيًا! فخضع نقفور، ودفع الجزية!
سعد زغلول: دخل على المندوب السامي البريطاني، ولم يَحنِ ظهره له! وحين سأله عن السبب، أخبره بأنه، حين همّ أن يحني ظهره، شعر بأن ثمانية عشر مليونًا، من المصريين، يشدّون ظهره، ويمنعونه من الانحناء!
فماذا يفعل أردوغان – على سبيل المثال – وهو رأس الأمّة، والنموذج الأبرز، اليوم، بين حكّام المسلمين، للحكمة والتحدّي، معًا.. تجاه التعامل: الأوروبّي، والأمريكي، والروسي، والصهيوني.. معه، وهو يرى نفسه، بين خيارين، فحسب، ليس بينهما معاملة الندّ للندّ، بل هما: الخضوع، أو التحدّي!
لقد تحدّى أردوغان، شيمون بيريز، في مشهد رائع، يجسّد روح العزّة والبطولة، لدى القائد المؤمن، الفذّ النبيل! فملكَ قلوب الملايين، الذين شاهدوه، على شاشات التلفزة، على مستوى العالم الإسلامي، كله!
فهل كان الخنوع المألوف، الذي اعتاد عليه، بعض حكّام الأمّة، أمام رموز الصهاينة.. أولى بأردوغان!؟ وهل كان - لو خضع لبيريز، على سبيل المسايرة، أو المجاملة، أو النفاق.. ممّا يسمّى سياسة؛ بمفهوم الضعاف والجبناء– هل كان سيحظى، باحترام إنسان واحد، من المسلمين، في العالم، بل في تركيا، ذاتها!؟
وهل كان الصهاينة، سيحترمونه ، ويحبّونه، ويعاملونه معاملة الندّ للندّ، لو خضع واستكان، أمام غطرسة بيريز- على سبيل السياسة-!؟ وواضح للعالم، كله، ما يفعله هؤلاء الصهاينة، بأذنابهم، الذين نصّبوهم رؤوسًا، فوق أكتاف الأمّة!
(رئيس أمريكا الأسبق نيكسون، كتب قواعد للتعامل، مع الاتحاد السوفييتي، ينصح فيها، كل رئيس أمريكي.. من أهمّها: لا تعطِ السوفييت، أيّ شيء، دون مقابل؛ لأنهم سيظنون هذا ضعفًا، ويتقدّمون باتجاهك.. وعندئذ، لا تستطيع إرجاعهم، إلاّ بحرب!).
وأمام المعادلة، نفسها: الخضوع أو التحدّي.. لو خضع أردوغان، لممارسات حكّام أوروبّا، هل كان سيحظى، بحبّ هؤلاء الحكّام، واحترامهم له، ولشعبه، ودولته.. ويحظى، بمعاملتهم له، معاملة الندّ للندّ! أم سيزداد هؤلاء الحكّام: غطرسة وصلفًا، وطمعًا، بالمزيد من التنازل.. حتى يهيمنوا على تركيا، ويُحكموا السيطرة على قراراتها، ويعبثوا بكرامتها، كما فعلوا، من قبل، طوال عشرات السنين!؟
بل، هل كان أردوغان، يحظى باحترام شعبه، الذي منحه وحزبَه، الثقة، لحكم تركيا، وقيادتها: بعزّة، وكرامة، وشجاعة.. ولتحقيق ماتطمح إليه، من نهضة وقوّة وازدهار!؟
العمل السياسي، يُنظر إليه، بمناظير شتى: مناظير الضعاف الجبناء، ومناظير الأقوياء الشجعان.. مناظير البُله والمغفلين، ومناظير الأذكياء والحكماء.. مناظير الذين لا يرون، إلاّ حياتهم الدنيا، ومناظير الذين ربطوا الدنيا بالآخرة.. مناظير الأغبياء والحمقى، العاجزين عن رؤية، مابعد أنوفهم، ومناظير العباقرة، القادرين على حساب، أعقد المعادلات السياسية، وابتكار معادلات جديدة، معها، أو بديلة عنها!
وكلّه سياسة!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس