د. زبير خلف الله - خاص ترك برس
بعد مرحلة من التوتر والتجاذبات السياسية والقلق خيمت على المشهد السياسي التركي جاءت نتائج الاستفتاء على غير ما كان يتوقعه المحللون السياسيون وعلى غير ما كان يتوقعه صناع القرار أيضا من حزب العدالة والتنمية وخصومه كذلك في الداخل والخارج. وقد فتحت هذه النتائج الباب إلى عدة تحليلات غلب على الكثير منها البعد الانطباعي أو الايديولوجي إما بالمساندة أو بالرفض والتشكيك في نتائج هذا الاستفتاء. ومهما كانت المواقف والتحليلات فإن نتائج الاستفتاء تدفعنا فعلا إلى طرح جملة من الأسئلة التي تتصل بمستقبل التجربة التركية وبفاعلية التعديلات الدستورية في المرحلة القادمة وقدرتها على الخروج بتركيا من التحديات التي تحيط بها داخليا وإقليميا ودوليا. لعل من أهم هذه الأسئلة الكبرى ما يلي:
هل أصيب حزب العدالة واللتنمية بالتآكل والترهل وما سبب ذلك؟
نتائج الاستفتاء وإن كانت في صالح حزب العدالة والتنمية الا أنها في الأصل تعكس أن هناك أزمة بنيوية حقيقية في هذا الحزب الذي تراجعت ديناميكيته بعد أن انسحبت على هامشه عدة قيادات كانت تضخه بالحركية والحيوية على غرار أحمد داوود أوغلو وعبد الله غل وبولنت أرنج وغيرهم. لعل من بين الأسباب هو أن حزب العدالة والتنمية لم يعد قادرا على إنتاج خطاب سياسي واقعي بعد أن استقال منه أردوغان وأصبح رئيسا للجمهورية. لقد كشفت النتائج تراجع حضور حزب العدالة في قلاع انتخابية كان قد فاز فيها عدة مرات في الانتخابات السابقة مما يجعلنا نتساءل عن مستقبل حزب العدالة والتنمية في المحطات الانتخابية القادمة.
كيف سيتعامل الرئيس أردوغان مع النسبة الكبيرة الرافضة للتعديلات؟
48.6% هي النسبة الرافضة للتعديلات الدستورية وهذه النسبة في الحقيقة ليست بسيطة فهي تمثل نصف الشعب تقريبا مما يجعل رئيس الجمهورية في وضعية غير مريحة لأن هذه التعديلات تحتاج إلى رصيد شعبي أوسع حتى تضمن النجاح للنظام الرئاسي خصوصا وأن تجربة النظام الرئاسي تحتاج إلى وعي شعبي وسياسي وديمقراطي يتقبل مثل هذه التجربة ويقتنع بها العقل السياسي التركي على اختلاف مشاربه الفكرية والايديولوجية حتى يستمر في المستقبل. كما أن على صناع القرار الأتراك بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان أن يترجموا هذه التعديلات الدستورية على الأرض بشكل يزيل أو يقلل من حالة التخوف التي تنتاب الشريحة الصامتة والتي صوتت في النهاية ضد هذه التعديلات.
ما البدائل التي تمتلكها التجربة التركية لضمان تحقيق مشروع 2023؟
من المعلوم جدا أن التجربة التركية لم تنطلق من فراغ سنة 2002 بقيادة الزعيم أردوغان فهي نتاج لتراكمات طويلة تتجاوز الستين ابتداء من عهد المرحوم عدنان مندريس لكن حزب العدالة والتنمية مثل بديلا جديدا في تلك الفترة ليخلق ديناميكية جديدة في هذه التجربة ويوصلها إلى مرحلة متقدمة ووضعت لنفسها محطات مستقبلية أهمها تحقيق مشروع 2023 الذي سيحرر تركيا من قيود اتفاقية لوزان المجحفة في حق تركيا وشعبها.
غير أن هذه التجربة وبعد 15 عاما من العطاء و بسبب جملة التحديات والصعوبات التي واجهتها مثل التآمر والمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو وحالة الكساد السياسي والسلبية التي تمر بها المعارضة أصيبت هذه التجربة بحالة من التراخي وجاءت نتائج الاستفتاء لتنبه صناع القرار في تركيا أنه آن الأوان لخلق بدائل جديدة واستراتيجيات خلاقة وفعالة للدفع بالتجربة التركية نحو المستقبل وضمان استمراريتها في المحطات الانتخابية القادمة خصوصا في االانتخابات الرئاسية لسنة 2019 التي ستكون ترجمة للبدء عمليا في تطبيق التعديلات الدستورية.
على التجربة التركية أن لا يظل وقودها الحيوي فقط أردوغان الذي يحاول أعداؤه إبعاده من المعادلة حتى يتم نسف التجربة برمتها مثلما فعلوا مع السلطان عبد الحميد الثاني حينما انقلبوا عليه وأنهوا مشروع الجامعة الإسلامية التي كان يؤسس لها عبد الحميد الثاني.
كيف سيرمم حزب العدالة والتنمية سياسته الخارجية خصوصا بعد توتر العلاقات مع الغرب خلال مرحلة الاستفتاء؟
لقد وجدت التجربة التركية لها قبولا من قبل الرأي العالمي في بداية تشكلها بسبب استراتيجية تصفير المشاكل مع دول الجوار ومع الغرب التي انتهجها حزب العدالة والتنمية وسياسة الانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي، غير أن التغيرات الحاصلة في المنطقة العربية ووقوف تركيا إلى جبهة الربيع العربي ونزوع تركيا إلى سياسة مستقلة في خياراتها واستراتيجياتهاعن أوروبا والغرب وتجلى ذلك في مشروع التعديلات الدستورية وتحويل النظام البرلماني إلى رئاسي الذي أزعج الغرب الذي توترت علاقاته مع تركيا ودخلت في مأزق كبير وصلت إلى منع وزراء أتراك من القيام بحملتهم في أوروبا، بل وصل الأمر بأحد النواب السويسريين للدعوة إلى قتل أردوغان والتخلص منه، وتبين عدم رضا الدول الأوروبيين على نتائج الاستفتاء وشنت حملة مضادة تشكك في هذه النتائج والدعوة إلى إعادتها.
لقد بات جليا أن السياسة الخارجية التركية تأثرت سلبيا وتحتاج إلى إعادة ترميم خصوصا في المرحلة الراهنة وأن صناع القرار الأتراك مطالبون برسم سياسة خارجية جديدة واسترتيجيات جديدة لطبيعة التوازنات الجديدة إقليميا ودوليا خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في الملف السوري والعراقي مما يجعل تركيا على التماس مع كل المحاور المتصارعة في هذه المنطقة.
إن عملية التصعيد المتبادل بين تركيا ودول الغرب ليست في صالحة تركيا في المرحلة، وعلى تركيا أن تنتهج سياسة استخدام الجالية التركية القوية في أوروبا من أجل التمدد في العمق الأوروبي الذي يعيش حالة تهرم كبير وتراجع ديمغرافي هائل وهي فرصة كبيرة للأتراك للتمدد ديمغرافيا ومن ثم سياسيا داخل أوروبا العمق الاستراتيجي الشمالي لتركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس