متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
قبل اجتماع السادس عشر من مايو/ أيار بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في واشنطن سعت تركيا على مدى عام إلى الضغط على واشنطن لاتخاذ قرار نهائي إما بالتعاون مع تركيا في شمال سوريا أو اختيار التحالف مع وحدات حماية الشعب.
وبطبيعة الحال، كانت تركيا تأمل في أن تفضل الولايات المتحدة التعاون مع حليفتها في حلف شمال الأطلسي بدلا من وحدات حماية الشعب،الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني. بيد أن الولايات المتحدة أصرت خلال العام الماضى على أنها لم تضطر إلى اتخاذ مثل هذا الاختيار، وأن أنقرة لم تستطع طرح خريطة طريق جديدة تقنع الولايات المتحدة بالتحالف مع تركيا شرق الفرات. وفي الوقت الراهن تشعر الولايات المتحدة بأنها تستطيع الحفاظ على علاقاتها مع وحدات حماية الشعب، بل وتنشيطها مع هجوم الرقة المقبل، مع الاحتفاظ بالعلاقات مع أنقرة تحت السيطرة. ولكن هذا قد لا يكون أمرا سهلا كما تظن واشنطن.
في الأسبوع الماضي، أجريتُ سلسلة من الاجتماعات في أنقرة مع مسؤولين حكوميين وأمنيين ،وتمكنت من جمع الانطباعات التالية: تتفق كل من الحكومة والمؤسسة الأمنية في أنقرة على أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مسألة داخلية وأمنية حدودية، لكنهما يعدان حزب الاتحاد الديمقراطي بنية سياسية يمكن أن تتحول بسرعة إلى دولة. ويريان أن جناحها العسكري، وحدات حماية الشعب،على وشك أن يصبح جيشا ثابتا لديه قدرات تقليدية، الأمر الذي يجعله تهديدا أمنيا وجوديا وشيكا لتركيا. وباختصار، عندما يتعلق الأمر بشمال سوريا، فإن أنقرة مشغولة بتهديد وحدات حماية الشعب، وليس تهديد داعش.
وقد يفسر ذلك البيان الصادر عن مجلس الأمن القومي عقب اجتماعه في 31 مايو/ أيار، حيث "أكد الاجتماع على أن سياسة دعم الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الإرهابية التي تعمل تحت ستار قوات سوريا الديمقراطية، عبر تجاهل تطلعات تركيا لا يتوافق مع مفهوم الصداقة والتحالف".
في اليوم نفسه، أصدر وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، ما بدا وكأنه تحذير في اللحظة الأخيرة، ودعا الولايات المتحدة إلى الامتناع عن تسليح وحدات حماية الشعب. وقال أوغلو إن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة تهديد للسلامة الإقليمية السورية، مشيرا إلى أن وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني يسعيان إلى إنشاء منطقة كردية في سوريا.
ثمة انطباع مهم آخر خرجتُ به من اجتماعات أنقرة، هو التحول التركي في التركيز الجغرافي في سوريا. لقد بات معلوما أن أنقرة - مع هجوم الرقة المتوقع - حولت انتباهها إلى مدينة كوباني. ونتيجة لهذا التحول، تجددت كثافة التحركات العسكرية التركية على خط سوروتش- أكتشاكالي الحدودية المواجهة لكوباني. ويواصل الجيش التركي تكثيف تحركاته مقابل كوباني، في إشارة إلى أن أنقرة ترى وجود حزب الاتحاد الديمقراطي - وليس أفعاله على الأرض -على أنه تهديد وجودي.
تناقش أنقرة ثلاثة مقاربات مختلفة لمحاربة وحدات حماية الشعب:
من أجل منع إنشاء ممر كردي (أو ممر لحزب العمال الكردستاني)، ستطلق تركيا دون إبطاء عملية شرق الفرات (في نفس سياق عملية درع الفرات) للسيطرة على طريق أكاتشاكلي- الرقة، رغم الاعتراضات الأمريكية. وهذا يعني أن الجيش التركي سيسيطر على مقاطعة كوباني، وبالتالي ضمان انهيار هجوم الرقة الذي حاولت الولايات المتحدة تطويره لمدة عامين. هذا النهج له كثير من المؤيدين في أنقرة.
وفقا للمقاربة الثانية، ستستمر أنقرة في الوقت الراهن، في وضع الصمت الاستراتيجي فيما يتعلق بالتدخل في سوريا، وسوف تنتظر نتيجة هجوم الرقة. ويأخذ هذا النهج في الحسبان الخسائر التي تكبدها الجيش العراقي في عملية الموصل ضد داعش. والفكرة هي انتظار أن يتكبد خمسون ألف مقاتل من مقاتلي وحدات حماية الشعب الأشداء خسائر في الرقة حتى تتمكن تركيا بعد ذلك من إطلاق عملية درع الفرات الثانية. في هذا النهج، من المهم أن نتنبأ بدقة بالمدة التي ستدافع فيها داعش بقوة في الرقة. إذا تمكنت داعش من الصمود في الرقة لمدة 10-12 شهرا - كما هو الحال في الموصل - فإن ذلك سيزيد من خسائر وحدات حماية الشعب ويخدم مصالح أنقرة.
ما يزال هجوم الرقة يشكل استراتيجيات في الميدان وفي السياسة. يجب أن تشجع الاستراتيجية السياسية على التمرد من القاعدة إلى القمة داخل حزب الاتحاد الديمقراطي لتقسيمه، وبالتالي إلزامه بالتعاون مع المجلس الوطني الكردي الذي يعمل في شمال سوريا تحت وصاية مسعود بارزاني. أما على أرض الواقع، فإن الاستراتيجية ستكون تخفيف المشاعر المؤيدة لحزب العمال الكردستاني في داخل قوات سوريا الديمقراطية. ومن بين طرق تخفيف المشاعر المؤيدة لحزب العمال الكردستاني ضم قوات البيشمركة المقربة من تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية - كما حدث خلال الاشتباكات التي جرت بين داعش والأكراد في 2014، ولزيادة البصمة العربية السنية في قوات سوريا الديمقراطية.
ستختار تركيا، على الأرجح، الجمع بين النهجين الثاني والثالث.
والحقيقة القاتمة هي أن إزالة العقدة الرابطة بين تركيا والاتحاد الديمقراطي الكردستاني والولايات المتحدة شرق الفرات سيحدد الخيارات التي تأتي بعد الهجوم على داعش في الرقة. ومع تضاؤل تهديد تنظيم الدولة (داعش) بعد هجوم الرقة، فإنه من الأهمية بمكان أن نراقب كيف يتكيف حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب مع المشاهد السياسية والعسكرية الناشئة. سيتعين على تركيا أن ترصد بعناية كيف يطور حزب الاتحاد الديمقراطي علاقاته مع الحلفاء المحليين والدوليين. في وضع ما بعد الهجوم، سنرى ما إذا كانت تصورات حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي حول قوتهما في شمال سوريا هي حقا تصورات واقعية. الاعتقاد السائد في أنقرة هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يقيم علاقات بنيوية مع الولايات المتحدة وروسيا، وأن البلدين سيتركانه ليلاقي مصيره في شمال سوريا. وتتوقع أنقرة أن تنشب في يوم ما مشاكل بين وحدات حماية الشعب والولايات المتحدة.
تأمل أنقرة أيضا فى أن يندلع صراع على السلطة فى النهاية بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيطر على روج آفا وقيادة حزب العمال الكردستاني الاستراتيجية الموجودة في جبال قنديل شمالي العراق. وتدرك أنقرة أن هاتين المجموعتين تبدوان متجانستين في الوقت الراهن، حيث إن لها هدفا مشتركا، ولكن بعد هجوم الرقة، ستختلف أهدافهما واستراتيجياتهما. وعلى سبيل المثال، على الرغم من أن حزب العمال الكردستاني هو جهة غير دولية تتبنى العنف، فإن روج آفا تتحرك بسرعة نحو إقامة الدولة، حيث يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي على إقليم يجب أن يوليه رعايته يوميا، ولهذا يجب أن ينشئ حكومة للسيطرة على الأراضي وتوفير الخدمات للسكان. إن النافذة الوحيدة لحزب الاتحاد الديمقراطي إلى العالم الخارجي هي الحدود التركية، ويبدو أن أنقرة تدرك اعتماد حزب الاتحاد الديمقراطي عليها، وبالتالي تأمل في تغيير جذري في العلاقة الهرمية بين قنديل وروج آفا. يتساءل كثيرون عما إذا كان هذا التوقع سيبعد حزب الاتحاد الديمقراطي يوما ما عن حزب العمال الكردستاني، ويفتح الطريق نحو "تطبيع حزب الاتحاد الديمقراطي"، أم إن هذا التوقع سيبقى عند مستويات منخفضة. هل يمكن أن يؤدي تطبيع حزب الاتحاد الديمقراطي إلى دفعه للتعاون مع المجلس الوطني الكردي، وإذا قرر حزب الاتحاد الديمقراطي، بعد عملیة الرقة، إقامة علاقات أوثق مع المجلس الوطني الكردي، واتفق الطرفان على تشكيل حكومة في روج آفا، فکیف سترد أنقرة؟
بعد عملية الرقة، سيتعين على حزب الاتحاد الديمقراطي التصدي للتحديات والمشاكل التي ترجع إلى الخروج من وصاية حزب العمال الكردستاني والانتقال من منظمة شُكلت لمكافحة داعش. وفي المقابل، سيتعين على أنقرة أن تضع سياسات ورؤى مع القوة الإقليمية جديدة بدلا من النظر إليها على أنها قوة مسلحة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس