احسان الفقيه - خاص ترك برس
أَجِبْهم يا رعاك اللهُ أنَّ كابول في شرعنا أخت القدس لو عقلوا
نظمَهُ أحد الشعراء عندما سُئل الدكتور الفلسطيني المناضل "عبد الله عزام": لماذا نترك فلسطين ونذهب للدفاع عن أفغانستان.
ذلك هو الميزان القسط، فما بالُ أقوامٍ يكيلون بمكيالين، ما أشبههُم بالمُطفِّفِين {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}.
فبينما كان دعم الشعب الأفغاني في مقاومة الغزو السوفييتي، نُصرةً للضعيف، وإغاثةً للملهوف، وفريضةً تُوجبها أخوة الدين، أتى قومنا بعجيبة الدّهر، ووصفوا من يدعم حركة حماس - التي تُقاوم المُحْتل الصهيوني - بأنه إرهابي يدْعم جماعة إرهابية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أيُّ سماء تُظلُّنا، وأيُّ أرض تُقِلُّنا، لو اعتبرنا من يدافع عن أرضه ضد غاصِبها إرهابيا، وإنْ تعْجبْ فعجبٌ قولهم، أن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية تتقارب مع إيران، فهل أبقيتم لها بابا مفتوحا حتى تحاسبوها على تقاربها مع عدوكم يا معشر المسلمين والعرب؟
إنما مثلُكم ومثل حماس، كمن ترك رجُلا في صحراء بلا زاد، وأوشك على الهلاك، واضطر إلى أكل الميتة للإبقاء على حياته، فقلتم له: لقد أتيت مُحرَّما.
لكنْ مهْلا، الإِجمال يحتاج إلى تفصيل، فنحن في زمن لا تكفي اللبيبَ فيه الإشارة، وربما وقع القارئ في شَرَك خلْط الأوراق وشطَطِ الاستيعاب.
1992م، شهِد بداية العلاقات بين حماس وإيران، لم تبدأ في إحدى حوزات قُم، ولا حسينية في طهران، لقد كانت مرج الزهور، تلك البقعة التي أقام فيها ما يزيد عن 400 قيادي فلسطيني أغلبهم من حماس، وبعضهم من الجهاد الإسلامي، بعد أن أبعدتهم سلطات الاحتلال، وأقاموا في تلك المنطقة من الجنوب اللبناني رافضين هذا الإبعاد عن أرض الوطن.
ومع بالغ الأسف والأسى، لم يقف إلى جوارهم سوى إيران وحزب الله بعد أن تخلَّت عنهم الدول العربية، فكانت انطلاقة العلاقات بين إيران والدكتور محمود الزهار، الذي صرّح لهم بأن المقاومة تُرحِّب بأي سلاح يأتي إلى الشعب الفلسطيني لمُقارعة العدو الصهيوني، ولو جاء من أمريكا طالما كان دعما غير مشروط، وأنهم يقبلون بالدعم الإيراني بلا شروط، وهذا هو الشرط.
يقول المناضل البوسني علي عزت بيجوفيتش : "المبادئ وحدها لا تكفي، الثِّقل الثاني المُحدِّد هو الإنسان، فباسم المبادئ المسيحية صُنعت أسمى أعمال الخير والرحمة، ولكن أيضا المحارق الملتهبة"، فكان المبدأ لدى حماس يُمكن تلْيِينه وتحرِيكه بواقع الضرورة، ولكن العِبرة بمن يحمل المبدأ ويسير به، فلما كانت الجمعة الرابعة من رمضان عام 1993، اتصل الإيرانيون بالزهار لتذكيره بفعاليات يوم القدس العالمي التي تقوم عليها طهران، فجاءت كلمة الزهار وكأنها تلك التي عنَاها عبد الوهاب عزام "اتصلت بالحق والخير وكان لها من قوانين الله في خلقه سند ومن إلهامه لعباده مدد" فقال الزهار: "كنا نُخطط لتلك الفعاليات، أَمَا وإنكم قد اتَّصلتم فقد ألغيناها، قلنا لكم بدون شروط".
وحتى عام 2006، دعّمت إيران حركة حماس بالسلاح والمال دون أدنى شرط، فقلِّبُوا البصر في أرض فلسطين، هل ترون من حُسينيات، هل يوجد في غزة مزارات للشيعة، حتما سينقلب إليكم البصر خاسئا وهو حسير.
وأَزِيد الخُصوم من الشعر بيتا، عام 2006 بعد فوز حماس وتشكيل الحكومة الفلسطينية، أُغلقت الأبواب في وجه الحركة بعد أن وُطِئت الديموقراطية والنزاهة بالنعال، بعدها زار الدكتور الزهار وزير الخارجية آنذاك، إيرانَ بصحبة وزير الصحة في حكومة حماس "باسم نعيم".
كان الطلب المُقَدم إلى إيران إقامة مجْمع طبي في غزة بسبب انهيار القطاع الصحي، وجاء الرد الإيراني برَّاقا، حيث أبْدوا استعدادهم لإنشاء أكبر مجْمع طبي في الشرق الأوسط على أرض غزة، يُداوم فيه أطباء إيرانيون لمدة عشر سنوات، ويغادرون بعد إعداد الكوادر المحَليّة اللازمة، وفي ظل الفرحة التي غمرت الوفد الحمساوي، أستوقفهم شرط إيراني يبدو هيّنا.
كان الشرط هو السماح للفريق الطبي الإيراني بإقامة حسينية شيعية في المجمع الطبي يُقيمون فيها شعائرهم التعبدية دون القيام بأيَّة أنشطة لنشر الفكر الشيعي بالقطاع.
وكما يقول توماس جفرسون ثالث رؤساء الولايات المتحدة: "عندما تتحدث عن طريقة العيش فاسبح مع التيار، وعندما تتحدث عن المبادئ قف كالصخرة"، وقف وفد الحركة موقفا صارما حيال هذا المطلب، فقالوا: "لا نريد، ولِيبْقَ الوضع الصحي مُنهارا، قلنا لكم: دون شروط".
ألَا أيها القوم، هل تتزَلَّف حماس إلى إيران على حسابكم وهي تُحذر من مذهبها الذي يُمثِّل رأس الحَربة في مشروعها؟ من الذي لم يسمع بكتاب "الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة"؟ لقد كان مُصنّفه الدكتور صالح الرقب، أستاذ بالجامعة الإسلامية التي تُعدّ المحضن التربوي والتعليمي للحركة.
انطلقت ثورات الربيع العربي، ووجدت فيها حماس فرصة للابتعاد قدْر المُستطاع عن إيران والالتصاق بالعمق العربي الإسلامي، كانت قيادة الحركة تعيش على أرض سوريا وكأنها دولة داخل الدولة، تنعم بدعم وفير من نظام الأسد، وقدَّمت نصائح إليه بعدم الاعتداء على شعبه، وإزاء البطش الأسدي ضد الشعب، اتخذت الحركة موقفا قويا وخرجت من تلك الأرض، لتكون بداية الابتعاد الفعلي عن إيران الراعي الرسمي لنظام الأسد.
ستة أشهر قضتها قيادة حماس في الطائرات بعد الخروج من سوريا، فأكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية أغلقت أبوابها أمام الحركة إلى أن استضافتها قطر "كعبة المَضْيوم".
تراجع الدعم الإيراني لحماس على خلفية موقف الأخيرة المعارض للنظام السوري، واشترت حماس دينها وضميرها ومبادئها أولا، وانحازت معه لقضايا الأمة وتطلُّعات الشعوب الإسلامية والعربية خاصة دول الخليج الرافضة لنظام الأسد.
لو سألتم أيّ قيادي أو عضو بحماس عن أصعب المراحل التي مرت بها الحركة، لقالوا إنها لحظة انكسار الربيع العربي، حيث أُغلقت النوافذ في وقت تحتاج فيه إلى الكثير لبناء منظومتها في مواجهة الاحتلال.
لقد مضت تلك الأيام التي كان فيها كل عربي مسلم يفتخر بالمقاومة الفلسطينية، ويرى أنها تَنوب عن الأمة في مقارعة الاحتلال الغاصب واسترداد كرامتها، أما اليوم، فنحن بإزاء طوفان من الحملات المُمَنهجة لخلق "حماس فوبيا"، تجعل الدول والحكومات والمؤسسات والشخصيات في وَجَلٍ من التفوُّه بكلمة تحمل التعاطف مع المقاومة الفلسطينية لئلّا يُـتهموا بالإرهاب.
بِربّكم يا عرب، ماذا تريدون من حماس؟
أتريدون أن تنزع سلاحها وتتخلى عن خيار المقاومة وتلْحَق بـ (طراير أوسلو) وتُيسِّر على اليمين الصهيوني العرْبدة في فلسطين بعد تجاهُل النضال الدبلوماسي العقيم؟
أم أنكم تودون دفْعها دفعًا إلى جِهة إيران وحينئذ تخسرون حركة سُنية قوية يُفترض أنه تربطكم بها مصالح استراتيجية غابت عنكم أو غيَّبتموها؟
إن كان عدوكم هو إيران، فأنتم بتطويق حماس واضطرارها إلى التقارب مع إيران تزيدون خصمكم قوة، بالدفع إليه بحركة سنية قوية، وسيتْبعه تدفُّق التعاطف الإسلامي والعربي باتجاه إيران، نظرا لأن الحركة لها شعبية كبيرة في الأمة.
لو فعلت حماس وتقاربت اضطرارا مع إيران فلا مَجال لِلَومها ونحن المسؤولون، والظنُّ بالحركة الفلسطينية أنها ستحافظ على مبادئها في تلقّي الدعم الخارجي بدون شروط، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس