جو حمّورة - خاص ترك برس

ما أن أعلن الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان أنّ "المسلمين هم أول من اكتشفوا القارة الأمريكية وليس كريستوفر كولومبوس"، حتى بات التصريح موضع جدل في الصحافة على الصعيدين، المحلي والدولي. موقف غريب؟ ربّما، وقد يكون غير علمي كذلك. إلا أن أردوغان ذكر مصادر علمية وتاريخية تثبت ادّعاءاته، ومنها كتابات للباحثين في الشؤون العربية والإسلامية فؤاد سزكين ويوسف مروة.

بعيداً عن البحث في مدى صحة هذه الإدعاءات من عدمها، والتي قوبلت من قِبل البعض بالترحيب وبالاستهزاء من البعض الآخر، إلا أنّ المواقف المتلاحقة والآتية من تركيا لا يبدو أنها في وارد التوقف هنا. فبعد أيّام قليلة على موقف أردوغان، أعلن وزير العلوم والصناعة والتكنولوجيا التركي فكري ايزيك، في 29 تشرين الثاني، أنّ "المسلمين هم أول من اكتشفوا أنّ الكرة الأرضية كروية وليست مسطّحة قبل غاليلو بقرون"، مؤكداً أنّ الوثيقة التاريخية التي تؤكد ذلك موجودة في متحف العلوم الإسلامية والتكنولوجيا في مدينة اسطنبول.

لكن، وبعيداً عن الغوص في تفاصيل الموضوع للتأكّد من مدى صحة هذه الإدعاءات، ومعرفة الجهة "السّبّاقة" (وهذا يتطلب بحثاً علمياً طويلاً) تتمحور الإشكالية حول إقتناع الناس من ناحية والهدف من إطلاق هذه المواقف من ناحية أخرى. فإلام يرمي حكّام تركيا من هذه التصريحات إذاً؟ 

لتيار الإسلام السياسي الذي يمثله أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" نظرة مريبة للعالم الغربي، والمسيحي تحديداً. هذه النظرة نابعة من تاريخ الاستشراق الأوروبي، كما النظريات ذات المنشأ الغربي التي لا ترى تجانساً ما بين الإسلام من جهة والدولة بالمفهوم الحديث من جهة أخرى. ما يريده حكام تركيا من هذه المواقف هو تَثبيت للعالم أنّ للإسلام تاريخ مجيد، وقد سبق التاريخ الأوربي بأشواط. كما يريدون إظهار مشاركة التاريخ الإسلامي بصنع الحداثة، وذلك عبر التركيز على إسهاماته بالتطور الفكري والعلمي والتكنولوجي من أجل كسر الصورة السلبية عن المسلمين في الغرب، والتي يبدو أنها في تفاقم مستمر.

تثمر هذه المواقف التركية التي تربط الإسلام بالحداثة، فائدة مزدوجة. الأولى، تخدم تقديم صورة إيجابية لمساهمة الإسلام في صنع الحضارة العالمية، مقارنة مع تلك الممارسات ذات الخلفية الإسلامية الموصوفة بالسلبية، والتي اشتهرت في كل من العراق وسوريا على يد "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية على امتداد العالم الإسلامي. أمّا الفائدة الثانية لهذه التصريحات، فهي تقديم خدمة لمطلقيها الأتراك على وجه خاص، وذلك عبر تقديم النموذج التركي وتركيا كقادة للعالم الإسلامي، عبر حملهم لواء إظهار صورة جيدة عن هذا العالم من ناحية، والدفاع عنه وإبراز صفاته الجيدة من ناحية أخرى.

لن تكون هذه التصريحات التي تعزز نشر الوجه الإيجابي من التاريخ الإسلامي هي الأخيرة من نوعها، ولا يبدو أنّ الأتراك سيتوقفون عند هذا الحد. فالفوز بلقب "قادة العالم الإسلامي"، لَه مسار طويل من العمل على الاصعدة السياسية والإعلامية والتاريخية والثقافية. ويتطلب من تركيا، كذلك، الإكثار من الجهد من أجل إبراز الصورة الإيجابية عن الإسلام وتاريخه وربطه بها. وهذا ما ينبئ بأننا سنشهد على المزيد من إسلامية الدولة التركية في السنوات القادمة، كما على إبراز أكبر لصفتها هذه على الصعيد العالمي. 

عن الكاتب

جو حمّورة

باحث في الشؤون التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس