جمال قارصلي - خاص ترك برس
بعدما أطلقنا مبادرتنا "سوريون يدعون الأمم المتحدة وألمانيا لعقد مؤتمر وطني" وردتنا ملاحظات واستفسارات وانتقادات كثيرة ومختلفة، منها ما هو بنّاء ومشجّع، ومنها ما يصل إلى حد الاتهام بأن جهودنا مريبة ومشكوكة وخطيرة، وأن هدفنا هو خلق معارضة هلامية وهشة من أجل تصفية المعارضة الوطنية وتحميلها جرائم النظام وإجراء مصالحة معه، وأننا نرتهن لإملاءات أجنبية ومخططات دول غربية تقودها روسيا من أجل استبعاد الدور العربي والتركي، وأن ما نصبوا إليه من وراء عملنا هذا هو بث مشاعر الإحباط بين القائمين على الثورة السورية والعفو عن المجرمين والفاسدين، وأننا نعمل على خلق مؤسسة سورية مزيفة وهزيلة محشوة بمئات الأسماء المجهولة التي لم يسمع بها أحد ولم تلعب أي دور في خدمة الشعب والثورة والوطن، بالرغم من أن الشخصيات التي انضمت إلى المبادرة هي شخصيات وطنية ذات خبرة وتجربة كبيرتين في العمل السياسي والتنظيمي.
أكثر ما يوسفنا بأن تأتي هكذا اتهامات من أناس يَحسبون أنفسهم على الثورة ومنهم من تربطنا معهم علاقة صداقة، أو أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها صداقة فيسبوكيه، وأن هؤلاء "الناقدين" لم يقرأوا مبادرتنا بشكل صحيح وخلطوا ما بين "قيادة المعارضة" والمعارضة بشكل عام وزجوا اسم الثورة في مواقع لم نذكرها أبدا، وحتى أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء التواصل معنا والاستفسار منا بشكل مباشر حول أمور ربما هي غامضة عليهم. والملفت للنظر بأننا نتعرض لاتهامات تأتي من جهات مختلفة ومتناقضة، هنالك من يتهمنا بالعلمانية وبسبب ذات الشيء من يتهمنا بالإسلاموية والبعض يقول إننا بلا لون.
ثورتنا مستمرة
من أجل هذا نرى من الضرورة بمكان أن نوضح بعض النقاط التي شابها شيء من سوء الفهم أو الالتباس:
نحن نؤمن بأن الثورة مستمرة، ونشير إلى الاجتماع الذي عقد في بولندا والذي نتج عنه تأسيس اتحاد التنسيقيات حول العالم وما تبعه من مظاهرة رائعة في فرانكفورت قبل أيام قليلة، إضافة إلى الحراك الثوري المستمر في المدن السورية، هو خير مثال على حيوية الثورة وديناميكيتها. لكن هذه الثورة ستدوم طويلا، وحتى لو أنها انتصرت في القريب العاجل، فهي ستستمر, لأن ليس لها هدفا واحدا فقط، وهو إسقاط النظام، بل هي ثورة شاملة ولها أهداف كثيرة، ومنها الخلاص من "أمراض" ضاربة في أعماق مجتمعنا الذي يحتاج إلى إصلاحات كبيرة وعميقة. ولا بد أن نؤكد هنا أن هناك الكثيرين ممن هم مع التغيير، ولكن الاصطفاف الذي حصل منع البعض من السير مع هذا الحراك الثوري، وما زاد هذه المخاوف حدة هو تسلط مجموعات معينة على قيادة الكتائب الثورية والقيادات السياسية وحتى الإغاثية منها، مما دفع شريحة لابأس بها من المجتمع السوري إلى الرمادية كما يسميهم البعض. وهنا نريد أن نذكّر بالثورة الفرنسية التي دامت أكثر من مئة عام من الوصول إلى أهدافها.
نحتاج إلى مدة طويلة لإرساء نظام مدني ديمقراطي تعددي
إذا سقط النظام الديكتاتوري الفاشي في سوريا أم استمر لبعض الوقت حسب مصالح الدول الكبرى في كلا الحالتين سنحتاج إلى مدة طويلة من أجل إرساء نظام مدني ديمقراطي تعددي، وإصلاح ما أفسده هذا النظام في عقول أفراد المجتمع السوري ولعقود طويلة، وخاصة في البنية والمنهجية الديكتاتورية، إضافة إلى ذلك الشرخ الكبير الذي صنعه هذا النظام وقيادة المعارضة الفاسدة بين مكونات وفئات وأفراد هذا المجتمع. من أجل إعادة الثقة بين السوريين لا بد من عمل شاق والبدء ببناء الهرم من القاعدة. هدفنا من هذه المبادرة هو إعادة الثورة إلى بريقها وزخمها الذي انطلقت فيه، وإعادة القرار والفاعلية إلى من أطلقها، وإزاحة كل المتسلقين على ظهر الثورة من أجل تحقيق مكاسب شخصية كانت أو حزبية أو فئوية أو لتحقيق مصالح دولية على الأرض السورية من أجل مقايضتها بملفات في مناطق أخرى من العالم.
النظام هو المسبب الرئيسي لما جرى
نحن نؤمن إيمانا تاما بأن النظام هو المسبب الرئيسي إلى ما آلت إليه الأمور في سوريا وتشترك معه بنسبة ما بعض "قيادات المعارضة" الخُلّبية والفاسدة والتي أصبحت بمحض الصدفة "قيادة"، ونحن على يقين تام بأن مصالح النظام وبعض "قيادات المعارضة" تتطابق في رغبتها في استمرار الأزمة السورية لأن دوامها هو الضامن الأكبر في استمرارية تحقيق مآربهم ومآرب أسيادهم.
والذي يخلط بين "قيادة المعارضة" بمنصاتها والثورة والمعارضة الوطنية، والتي يشرفنا أن ننتمي إليها، يجب أن يكون لديه صعوبة في الفهم أو في طريقة القراءة، أو الخلط المتعمد والإصرار على الفهم المغلوط من أجل الإساءة إلى مشروعنا، فهذا لا دواء له ولا طبيب.
نحن لا ننكر التأييد الشعبي في بداية الحراك الثوري لبعض كيانات المعارضة ولكن أغلبها سقط في التجربة وانكشف القائمون عليها وانكشفت ارتباطاتهم مع أجندات خارجية. وحتى الدول الداعمة أخلاقيا للثورة سحبت هذا الدعم بسبب فساد هذه المعارضة وعدم قدرتها على انتاج قيادة موحدة تعبر عن الإرادة الشعبية.
المصلحة متبادلة ما بين سورية المستقبل والاتحاد الأوروبي وألمانيا
هنالك من يريد أن يصور مشروعنا على أنه نواة لمنصة جديدة نعمل على تشكيلها، على غرار منصاتهم المشبوهة، لكن نحن هدفنا أن نشكل كيانا سوريا مستقلا يعمل على إعادة القرار إلى السوريين الطامحين بدولة تسودها الحرية والعدالة والمساواة. هذه المبادرة، ومن لحظة انطلاقها، لم تعد مُلكا لشخص أو كيان ما، بل هي مُلك لكل السوريين، ما عدا من تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء من الشعب السوري وبالمال الفاسد.
البعض يرى في دعوتنا للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا ارتهانا لهذه الجهات وكأنهم يجهلون مواقفنا من تلك الدول ومؤسساتها وما عانيناه بسبب التزامنا بقضايانا العربية والإسلامية. نحن نفتخر بأننا لم نتخل عن وطننا الأم وحملنا همومه في قلوبنا وضمائرنا وأينما كنا، والتصقنا به أكثر بعد انطلاق الثورة، وكان من السهل علينا أن ننساه، كما نساه بعض المغتربين السوريين بعد أن غادروه بعام أو عامين. ولكن دعوتنا لهذه الدول والمؤسسات مبني على فهمنا الصحيح لسير السياسة الدولية وعلاقتها بالمصالح المشتركة التي ممكن أن تتبناها هذه الدول في سوريا المستقبل، وهذا لا ياتي إلا من خلال سوريين وطنيين مخلصين وليسوا مرتهنين لقوى خارجية ويمتلكون الكفاءات والخبرات والمعارف التي تجعلهم قادرين على إقناع هذه الدول والمنظمات على دعم الشعب السوري في تحقيق دولته، دولة المواطنة والقانون، لأن مصلحة تلك الدول والمنظمات تكمن في استقرار سوريا.
المصلحة متبادلة ما بين سورية المستقبل والاتحاد الأوروبي وألمانيا
نحن ابتعدنا بشكل مقصود عن الدول الإقليمية في مبادرتنا هذه، وهذا ما ثبتت صحته في الآونة الخيرة من خلال التوترات التي حصلت بين الدول الإقليمية، والسبب يكمن في تحوّل كل هذه الدول إلى أطراف في الصراع على الأرض السورية بشكل أو بآخر وعدم وجود أغلبية سورية ترضى بهذا الطرف أو ذاك، إضافة إلى ذلك هناك شريحة من السوريين لها حساسيات تجاه دول معينة، بينما هنالك دول أخرى لها ممارسات إجرامية بحق المختلفين معها، بالرغم من علمنا بأن دور الدول الإقليمية في الأزمة السورية لا يمكن إجماله في حقيبة واحدة، فمنها ما يقوم بدور إنساني وله أخطاؤه ومنها من له دور تخريبي بالمجمل.
ما يثير استغرابنا هو ربط مشروعنا بمفاوضات جنيف وبخطط المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا وفريقه، بالرغم من أن الجميع يعلم بأن النظام وقيادة المعارضة والمنصات هي المشاركة بذلك وليس نحن. من طرفنا نرحب بكل دور إيجابي للأمم المتحدة أو مبعوثها الخاص وفريقه في جمع السوريين وإعادة سيادة القرار إليهم، بعيدا عن طرفي التفاوض. وننوه هنا إلى دعمنا للدور الإيجابي الذي تلعبه "منظمات المجتمع المدني والخبراء" التي يرعاها المبعوث الدولي وفريقه، حيث أننا نعلم بأن هامش صلاحيات الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في المناورة من أجل المساعدة في الشأن السوري ضيقة، لأن هذه المؤسسات تقع تحت سيطرة الدول العظمى التي لها حق النقض في مجلس الأمن. لكن هناك هامشًا مهمًا يجب العمل من خلاله، ويجب علينا عدم إلقاء اللوم والتُهم على الأخرين ونسيان تقصيرنا وسوء أداء الذين من المفترض أن يكونوا ممثلين للشعب السوري، لأن نظرية المؤامرة لا تنتج إلا الجلوس وانتظار القدر المحتوم، وهذا ما لم ولن نفعله.
ندعوا إلى المصالحة بين فئات المجتمع السوري وليس مع المجرمين
يفتري علينا البعض بأننا نسعى إلى المسامحة والمصالحة مع النظام، ولكننا لا نعلم أين ورد هذا الأمر في مشروعنا. نعم نحن ندعوا إلى المصالحة والمسامحة بين فئات المجتمع السوري وذلك بعد الوصول إلى توافقات بين السوريين على شكل الدولة ومن ثم صياغة عقد اجتماعي جديد، حيث ستكون إحدى دعائم هذا التوافق هي شكل وآلية المحاسبة من أجل تحقيق العدالة، وذلك كما حصل في بلدان عديدة.
لقد فهم البعض وقفتنا المفصّلة على حالة مكونات المجتمع السوري بأننا نسعى إلى تقسيم أو تقاسم سوريا بشكل طائفي أو عرقي، وهذا يُجانب الحقيقة. مشروعنا يطرح آليات لدراسة كل المظالم التي حصلت في المجتمع السوري وإيجاد الحلول لها وضمان عدم تكرارها لتكون أساسا لتوافق يمكن أن تبنى عليه دولة المواطنة، لأن البناء على أسس غير صحيحة سيؤدي إلى إنهيار هذا البناء في أية لحظة. ونحن ندعوا إلى إزالة المظالم التي وقعت على كل فئات الشعب السوري حتى لو كنا نختلف مع بعضها فكريا أو سياسيا. ودعوتنا لبناء دولة مدنية ديمقراطية لا تعني أبدا إهمالنا للمكونات الدينية أو القومية في المجتمع السوري، إنما هي التي تشكل الإطار الضامن من أجل ممارسة الجميع لحقوقهم الدينية والقومية وذلك تحت سقف القانون. حينما ذكرنا عددا من المكونات القليلة نسبيا في المجتمع السوري، أردنا أن نشير إلى أننا نهتم بالأفراد والجماعات المكونة للمجتمع السوري ولا نفرق بين فئة أو أخرى.
لا نسعى للحصول على دعم مالي بل رافعة سياسية لمشروعنا
نحن لا نسعى للحصول على دعم مالي من أية جهة دولية كانت، ونحن نخاطب الدول بمنطق الدول ونعرف كيف تخاطب الدول والمنظمات الدولية. هنالك بعض الدول تدعم النظام وأخرى تدعم فصائل ومنظمات المعارضة، ليس حبا بها، بل من أجل مصالحها وزيادة هيمنتها على القرار السوري. هدفنا هو إيجاد مظلة ورافعة سياسية لهذه المبادرة، وهناك فرق بين الحالتين وهذا لم يفهمه جهابذة المعارضة الذين يتصدرون المشهد السياسي إلى الآن والذين لا يريدون أن يعترفوا بأخطائهم وفشلهم وإنما يرمون اللوم والتُهم على هذا وذاك، ومنهم من يتحفنا بتحليلات سياسية، عوضا من أن يكون واضعا للسياسة الصحيحة التي تستطيع أن تخرج الوطن إلى بر الأمان ومن ثم الوصول به إلى الاستقرار والرفاهية.
ندعوا إلى محاسبة كل من أخطأ بحق الشعب السوري
مبادرتنا مبنية على العمل الجماعي وبعيدة عن الـ"أنا" أو "الشخصنة"، وإذا حللنا الواقع السياسي السوري بشكل علمي ومدروس، ودرسنا أسباب الفشل وما آلت إليه الأمور، فهذا لا يعني بأننا نتنكر للثورة والثوار وتضحياتهم، وإنما نعمل من أجل إعادة بناء الدولة على أسس صحيحة ومتينة. وعندما ننتقد أعمال المعارضة، ليس من أجل إقصائها أو إحباطها أو الطعن بها، بل من أجل تحسين دورها وأدائها، لأننا نحن جزء من هذه المعارضة، ونعمل على استمرار ثورة شعبنا إلى أن تتحقق أهدافه المنشودة، ولن نفرط بقطرة دم واحدة من دماء شهدائنا، ولن نهدأ إلى أن تتم محاسبة كل من أخطأ بحق الشعب السوري ومن كل الأطراف، إن كان نظاما أم معارضة، وإن لم نستطع أن نحاسبه، فستحاسبه أجيالنا القادمة أو التاريخ أو الخالق في يوم حسابه، نحن نعمل بجد واخلاص في ظروف غاية في الصعوبة والبلد مقسم فعليا والتدخل الدولي في أوجه، لكن مسؤوليتنا الأخلاقية تستوجب العمل بكل جد من أجل تغير هذا الواقع، بدلا من انتظار ما تقرره الدول لنا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس