ترك برس
تباينت آراء الخبراء والمحللين السياسيين بشأن التقارير التي تحدثت عن اعتزام تركيا استضافة قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينية بشكل رسمي في أراضيها، والأبعاد الإقليمية والدولية لمثل هذه الخطوة.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير لصحيفة "عربي21" أنه رغم الدعم التركي المعلن لحركة حماس والقضية الفلسطينية والمواقف الحادة ضد الاحتلال، فإن هذه العلاقة الوطيدة بين الجانبين لم تصل إلى مستوى يضع أنقرة في مواجهة مباشرة مع البيت الأبيض الذي يتجهز لاستقبال إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتي برز فيها أسماء عديدة داعمة للاحتلال الإسرائيلي بقوة، حسب محللين.
ويلفت الكاتب التركي طه آكيول، إلى أن "أنقرة ترى أن استضافة حماس بشكل رسمي قد لا تكون مناسبة لموقعها في المنطقة"، مضيفا أن "تركيا لا تصنف الحركة كمنظمة إرهابية، لكنها تدرك أن مثل هذه الخطوة قد تثير حساسيات دولية، خاصة في ظل ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل".
هذا الحذر التركي يتجلى في محاولات أنقرة المستمرة للتأكيد على أن تواصلها مع حماس يتم في إطار العلاقات الدبلوماسية والسياسية، دون تجاوز الخطوط التي قد تُفقدها دور الوسيط الإقليمي المحتمل الذي تسعى إليه، وفقا لتقرير "عربي21".
وفي حين سارعت أنقرة إلى نفي صحة التقارير المشار إليها، سارعت الولايات المتحدة بدورها إلى تحذير تركيا من مغبة اتخاذ قرار بشأن استضافة مكتب حماس السياسي على أراضيها.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، "سنوضح للحكومة التركية أن الأمور لم تعد بإمكانها أن تستمر كما كانت من قبل مع حماس". وأضاف خلال مؤتمر صحفي، أن الولايات المتحدة "تعتقد بأنه يجب ألا يعيش زعماء منظمة إرهابية في راحة"، حسب تعبيره.
تعليقا على هذه النقطة، يشير المحلل التركي علي أسمر في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن تركيا تدرك حساسية هذا الملف، خاصة في ظل ارتباطها بالولايات المتحدة كعضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
ويقول إنه من "غير الممكن لأنقرة تجاهل الضغوط الغربية، خصوصا مع الأزمات الاقتصادية التي تواجهها"، موضحا أن "فتح مكتب رسمي لحركة حماس قد يؤدي إلى زيادة التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر لا تحتمله أنقرة في هذه المرحلة".
وبحسب أسمر، فإن "الوجود غير الرسمي لبعض قيادات حماس في تركيا لا يعني أن أنقرة تسعى لتصعيد العلاقة مع الحركة. بالعكس، هذا الوجود يتيح لأنقرة لعب دور الوسيط دون أن تظهر كطرف منحاز في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
الأبعاد الإقليمية والدولية
لطالما حاولت تركيا تقديم نفسها كوسيط في القضايا الإقليمية، خاصة في النزاعات الكبرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول /أكتوبر 2023.
ويرى أسمر أن استضافة حماس رسميا في تركيا قد تتعارض مع دور الوساطة الذي تطمح إليه أنقرة، ويتابع أن "تركيا قادرة على لعب دور الوسيط إذا حافظت على مسافة متوازنة من جميع الأطراف. وجود مكتب رسمي لحماس قد يجعلها طرفا صريحا في النزاع، مما يضعف من قدرتها على التوسط".
في الوقت نفسه، يشير إلى أن تركيا قد ترى في الوساطة لتحقيق تقدم في ملف حل الدولتين فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي والدولي "لكن هذا يتطلب تنسيقا دقيقا مع الولايات المتحدة، التي تلعب دورا حاسما في أي تسوية سياسية”.
ورغم تعقيدات العلاقة بين تركيا وحماس، إلا أن أنقرة حافظت على دعمها للقضية الفلسطينية كجزء أساسي من سياستها الخارجية، حسب طه أكيول.
ويلفت آكيول في مقال نشره في موقع "قرار" الإخباري التركي، إلى أن "الدعم التركي للقضية الفلسطينية لا يعني التماهي الكامل مع حماس، إذ تدرك أنقرة أهمية الحفاظ على علاقتها مع الغرب، وبالتالي فهي تسعى لتحقيق التوازن بين دعمها للفلسطينيين وضمان عدم الإضرار بمصالحها الاستراتيجية".
ويتفق أسمر مع طرح آكيول إلى حد كبير، حيث يشدد على أن تركيا "لن تتخلى عن موقفها إزاء حماس، لكنها أيضا لن تسمح بأن تصبح هذه العلاقة عائقا أمام مصالحها الدولية".
"لذلك، تعمل تركيا على البقاء في موقف حذر، تسعى من خلاله إلى تحقيق توازن دقيق بين الأطراف"، يقول الباحث التركي.
وتأتي التقارير حول انتقال مكتب حماس إلى تركيا في وقت حساس تمر به العلاقات الدولية والإقليمية على وقع مخاوف من اتساع دائرة النار المشتعلة في الشرق الأوسط.
ومع صعود إدارة أمريكية جديدة قد تكون أكثر دعما للاحتلال الإسرائيلي، واستمرار الأزمة الاقتصادية الضاغطة على أنقرة التي تسعى في الوقت نفسه إلى الوصول إلى توافق مع الولايات المتحدة يسمح لها بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا، تبدو الخيارات أمام تركيا إزاء حماس محدودة.
يرى طه آكيول أن "تركيا بحاجة إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية بمنطق عقلاني يأخذ بعين الاعتبار توازن القوى في المنطقة"، ويعتبر أن "الدعم غير المشروط لحماس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية”.
أما أسمر، فيرى أنه "من الممكن أن تلعب تركيا دورا أكبر في القضية الفلسطينية إذا ما حافظت على توازنها السياسي. الوساطة تتطلب الابتعاد عن الخطاب التصعيدي، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!