ابراهيم كيراس - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس
أتاحت لنا المناقشات التي دارت حول موضوع تدريس اللغة التركية العثمانية في الأيام الأخيرة التعرف على لغتنا وثقافتنا. فلنستغل هذه الفرصة لتصحيح بعض الأخطاء الشائعة: نحن نقول "اللغة العثمانية" في حين أنها ليست لغة بحد ذاتها إنها عين اللغة التركية التي نتكلمها ولكن تكتب بأحرف عربية. لقد استخدمت كلمة اللغة العثمانية عوضا عن اللغة التركية بشكل رسمي في الإمبراطورية العثمانية كمحاولة لشمل كل الفئات العرقية والدينية الموجودة في بنية الإمبراطورية آنذاك، حيث كانت كلمة العثماني بديلة عن وصف المسلم التركي. وتمتلئ العثمانية بكلمات عربية وفارسية بل وحتى بتراكيب كاملة من هاتين اللغتين إلا أن هذا لا يغير شيئا في قالب اللغة الأصلية طالما أنها تحافظ على قواعدها وطالما أنها تراعي نسق الكلمات حسب قواعد اللغة التركية. فاللغة لا تتغير طالما هي محافظة على بنيتها. فأجدادنا قبل مئة عام لم يكونوا يتكلموا بلغة غير تلك التي نتكلمها نحن الآن.
واللغة التي كانت مكتوبة بأحرف عربية في مطلع القرن العشرين لا تختلف عن اللغة التركية التي نتكلمها اليوم. بتعلمنا لقراءة الأحرف العثمانية نكون قد فتحنا الباب للاطلاع على الكثير من كنوز ثقافتنا. إلا أن الموضوع اتخذ أبعادا سياسية أثارت الانزعاج في المجتمع وبدأ البعض يسأل وماذا بعد هذا؟ هل ستعود تركيا إلى العهد الذي كانت تستعمل فيه الأحرف العربية مستغنية تماما عن الأحرف اللاتينية....إنه بالطبع خوف لا داعي له.
عندما حدثت ثورة غيرت الأحرف العربية لتحل مكانها الأحرف اللاتينية في اللغة التركية كانت نسبة الذين يعرفون القراءة والكتابة لا تتجاوز 10% من الشعب، أي أن هذه الثورة لم تكن تعني إلا شريحة ضيقة من الشعب. والدولة المسيطرة آنذاك لم تكن لتسأل أحدا من أبناء الشعب رأيها، وهذا أمر لم يعد مقبولا في يومنا هذا.
هذا فضلا عن أن الإجراءات التي حصلت أثناء ثورة تغيير الأحرف التي حدثت في الماضي قد خزنت في أذهان الناس شعورا بعدم الارتياح لأنها لم تحترم الثقافة فتركت انطباعا سيئا خصوصا في الأوساط المحافظة، إلا أن الهدف من وراء ثورة تغيير الأحرف كان "الدخول إلى عالم الحضارة الأوربية"، وهذا الهدف كان لا يمكن حتى للأوساط المحافظة أن تستغني عنه، لأنه أمر يتعلق بمسيرة الشعب واتجاهاته في التاريخ، ولم يكن آتاتورك أول من فكر بعمل انقلاب الأحرف هذا فالتاريخ يذكر أن السلطان عبد الحميد الثاني قد فكر بتغيير الأحرف إلى اللغة اللاتينية قبل آتاتورك وهو السلطان الذي يملك مكانة خاصة في قلوب الطبقة المحافظة من الشعب.
لاداعي إذا لتخوف البعض من ترك الأحرف اللاتينية والعودة إلى الأحرف العربية ولا داعي لما ذهب إليه البعض من أن هذا سيودي بنا قريبا ليكون للرجل أربع زوجات. لا داعي للمبالغة في الأمر. وبعد النقاش انتهى الأمر بأن اتفق الجميع على أن تكون العثمانية درسا اختياريا في المرحلة الثانوية، علينا إذا الآن أن نفكر بأفضل الطرق التي علينا أن نتبعها للحصول على أفضل النتائج. وأنا بشكل شخصي أعتقد بأهمية تدريس العثمانية في المدارس ولكنني أرى أنه ليس من الضرورة أن تكون درسا إجباريا. وحصل في النهاية إجماع على هذا الأمر شتركت فيه الحكومة. لذلك لم يبق هناك ساحة للنقاش في الموضوع. ومن ناحية أخرى دائما يكون في السياسية رابحين وخاسرين، والرابح في قضية النقاشات حول اللغة العثمانية كان الحكومة ..فالعثمانية كلمة محبوبة من قبل الشعب وكل من وقف ضد اللغة العثمانية كان الخاسر في نظر الشعب وهذا ما فعله الحزب المعارض حزب الشعب الجمهوري فقد اتخذ نفس الموقف الخاطئ الذي يتخذه دائما تجاه تاريخ وثقافة المجتمع واستخدم تعابير"العصور الوسطى" وغيرها من التعابير المسيئة التي لا يمكت لها أن تلاقي ترحيبا من المجتمع فكان هوالجانب الذي خسر النقاش.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس