احسان الفقيه - الأناضول
ربما كانت الأشعار وكتب التراجم في وقت سابق هي وسيلة توثيق عطاء وسخاء يد الشخصيات والقيادات والدول، لكن التوثيق العصري اتخذ شكل التقارير الصادرة عن الهيئات المختلفة المعنية بالرصد والإحصاء وبلغة الأرقام.
"البلد الأكثر سخاءً" في العالم، .. هكذا جاء وصف تركيا في تقرير المساعدات العالمي لعام 2014، مبنيًا حجم المساعدات الإنسانية والتبرعات والإغاثات التي تسعف بها تركيا الدول والشعوب من أمعاء الدخل القومي التركي.
ولئن كانت العين البصيرة لا تخطئ تركيز الأتراك على تقديم المساعدات للشعوب التي تعاني من الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية، ومد يد العون المادي للأشقاء العرب خاصة اللاجئين وضحايا الحروب والصراعات المسلحة، إلا أن لغة الأرقام وحدها تحسن التعبير عن الحقائق دون المجاز.
تلك اللغة في ذلك المقام، هي من الأهمية بمكان، حيث يجد القارئ نفسه في النهاية أمام الحسم والقول الفصل في شأن اتهام تركيا بالتدخل في شؤون الدول، وربما ردد بعدها ساخرًا: لئن كانت إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج تدخلًا في شؤون الدول، فمرحبا بالتدخل وأهلا به.
هل كانت الأرقام تجامل تركيا عندما كشفت أنها ثاني الترتيب العالمي في تقديم المساعدات الإنسانية البالغة مليارين و250 مليون دولار بين عامي 2010-2016؟.
هل كان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، مبالغا عندما صرح بأن دولته هي الدولة المانحة الأكثر سخاءً في العالم؟.
ربما تبدو علامات الارتياح على وجه القارئ تصديقا، إذا علم أن تركيا قدمت عام 2016 مساعدات قيمتها 6.5 مليارات دولار، "القسم الأكبر من المساعدات أنفقت على مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا ودول البلقان، أما على صعيد الدول فكانت المساعدات المقدمة للسوريين هي الأكبر" وفقا لتصريحات رئيس الوزراء التركي.
وهل كان الرجل متجاوزًا عندما كتب على "تويتر" في أغسطس/آب 2017، أن "تركيا هي الدولة الأكرم عالميا في تقديم المساعدات الإنسانية؟.
لو لم يستخدم لغة الأرقام، لاتُّهم حتمًا بالمبالغة، لكنه قد ساق ما يُتاح التأكد منه عندما أوضح أن بلاده قدمت "مساعدات تقدر بنسبة 0.75% من قيمة دخلها القومي، بإجمالي 6 مليارات دولار أمريكي"؛ مشددًا على أن تركيا تقف إلى "جانب المظلومين في كل أنحاء العالم".
هل كانت وكالة التنسيق التركية (تيكا) تزيف الحقائق عندما أعلنت أنها نفذت أكثر من 20 ألف مشروع تنموي حول العالم بين عامي 2003-2017؟.
ربما يسهل على كل معترض أن يتثبت من بيانات وكالة (تيكا) في تقديم مساعدات تركية بين عامي 2010-2016، للعديد من الدول العربية، بواقع 750 مليون دولار كانت حصة السودان، و 454 مليون دولار لمصر، و 313 مليون دولار لفلسطين، و 212 مليون دولار لتونس، و 167 مليون دولار للعراق.
فإذا كان الإجمال لا يغني في معظم الأحيان عن التفصيل، فكان المناسب أن نتناول بعض الدول العربية التي استفادت بالمساعدات التركية بشيء من التفصيل.
فلسطين:
هل يستطيع أحد إنكار السعي التركي في التخفيف من آثار الحصار الاقتصادي الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة من خلال إرسال سفن كسر الحصار، وإنشاء مشاريع اقتصادية وإغاثية في جوانب متعددة بدعم من الحكومة والمنظمات الإغاثية التركية؟.
ماذا عن بناء وحدات سكنية للمتضررين من العدوان الإسرائيلي على القطاع بلغت 320 وحدة بتكلفة جاوزت 13.5 مليون دولار؟.
ماذا عن بناء مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني الشامل لكل التخصصات الطبية بتكلفة 35 مليون دولار؟.
ألم توقع تركيا اتفاقا مع إسرائيل في 27 يونيو/ حزيران 2016، تمكنت من خلاله من تسيير مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة؟.
أكثر من 50 ألف قطعة ملابس- 20 ألف قطعة قرطاسية (أدوات مكتبية)- 18 ألف لعبة أطفال -50 ألف سلة غذائية- درّاجات هوائية- 5 آلاف طن من الدقيق- 100 طن من البسكويت- 100 كرسي متحرك، كل ذلك وأكثر كان ضمن المساعدات التركية المقدمة إلى القطاع لتخفيف حدة الحصار الإسرائيلي.
هل يصدُق في تركيا قول خصومها بأنها توجّه الدعم الانتقائي للفلسطينيين حسب تموضع حركة حماس؟ وهل أخضعت تركيا المساعدات الفلسطينية للانقسام السياسي بين السلطة وحركة حماس؟.
نجيب على التساؤل بمثله: وهل يجرؤ معارض على التشكيك في دعم تركيا السلطة الفلسطينية في بدايات 2017 بعدة دفعات تبلغ قيمة الواحدة منها عشرة ملايين دولار، بموجب اتفاق بين الحكومة التركية والسلطة الفلسطينية، كمِنح لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية؟.
وهل يستطيع مكابر اقتطاع تلك المساعدات من سياقها الزمني؟.
السياق الزمني يقول إن المساعدات قدمتها تركيا في أعقاب تهديدات الرئيس الأمريكي مطلع العام الحالي بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية.
"في حال قطعت الولايات المتحدة مساعدتها عن فلسطين، فنحن موجودون لمثل هذه الظروف"، ذلك هو رد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على التهديدات الأمريكية، ليقطع بكلماته قول كل خطيب أو مُتكهن.
السودان:
أواخر العام 2017، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى العاصمة السودانية، الخرطوم، ضمن جولة إفريقية شملت كل من تونس وتشاد.
ومنذ الساعات الأولى للزيارة شنت وسائل إعلام عربية هجوما على البلدين، ورئيسيهما، بدعوى أن الاتفاق التركي السوداني على إعادة تأهيل جزيرة "سواكن" السودانية يمثل تهديدا للأمن القومي العربي واستقرار المنطقة، هكذا يقولون.
ولنا أن نتساءل: ألا يوفر الاتفاق فرصًا استثمارية تسهم في إنقاذ الاقتصاد السوداني ببناء مدن صناعية ومرافق سياحية؟.
ألا يعتبر الاتفاق مواجهة للوجود الإسرائيلي العسكري المتنامي في أرخبيل "دهلك" بإريتيريا المجاورة التي شنت من خلالها الطائرات الإسرائيلية عام 2012 هجمات جوية على بورتسودان ومصانع اليرموك للأسلحة في الخرطوم؟ ذلك هو عين ما جاء في تصريحات مسؤولين كبار، قد غض الخصوم عنها الطرف.
تونس:
قدمت تركيا مساعدات لتونس قبل وبعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، منها مساعدات عسكرية لدعمها في مكافحة الإرهاب؛
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس