ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في مباريات الملاكمة، وهي أشبه بالجولات الانتخابية، يتخذ مدربيها إحدى خطتين للفوز بالمبارة، إما اللعب على هزيمة الخصم بالضربة القاضية، وهي الخطة التي غالبا ما تتخذ حال التفوق الواضح على الخصم فنيا وبدنيا، أما الخطة الثانية فهي خطة اللعب لآخر المباراة و توجيه ضربات مؤثرة للخصم لكنها لا تقضي عليه لتحصيل أكبر عدد من النقاط و من ثم الفوز بالمباراة.
وفي هذا السياق، يرى بعض المحللين أن تشتت المعارضة التركية وفشلها في الإجماع على مرشح واحد لخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة، بعد فشل الإجماع على الرئيس السابق عبد الله جول، والذي أراه تكتيكا من حزب العدالة والتنمية الذي أسسه جول و ينتمي له، لتشتيت المعارضة و ترشيح كل حزب لممثل عنه، وهو ما يراه البعض يصب في مصلحة الرئيس اردوغان، لعدم توحيد جهد المعارضة خلف مرشح واحد، وإن كان نظريا يعد هذا الرأي صحيحا، إلا أن المعارضة التركية صاحبة التجربة الديمقراطية العريقة، والتي خاضت استحقاقات كثيرة وكبيرة، لا يمكن أن تهزم نفسها بنفسها بهذه الطريقة، وستلعب على خطة الفوز بالنقاط، لاسيما وأنها مجمعة على هدف هزيمة الرئيس القوي وحزبه، وهو ما تروج وتسعى إليه بكل السبل.
وبعد أن تشكلت خريطة مرشحي الرئاسة بإعلان كل حزب لمرشحه أو دعمه لمرشح، فتبدو خريطة المرشحين على النحو التالي:
حزب الشعب الجمهوري وقدم زعيم كتلته البرلمانية، نائب رئيس الحزب محرم إنجة، و زعيمة حزب إيي ميرال أكشنر، وزعيم حزب السعادة تِمِل كارا مولا أوغلو، وزعيم حزب وطن دوغو بيرينجك، وزعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، المسجون بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، و زعيم حزب العدالة وجدات أوز ، في مواجهة المرشح الأقوى الرئيس اردوغان، فإن الخطة المعارضة لمواجهة الرجل القوي في تركيا يمكن قراءتها على نحو خطة النقاط لاستحالة اللعب على القاضية مع خصم منتشٍ بانجازاته في الفترة الأخيرة، سواء على المستوى الداخلي بعد إعلان نسبة النمو غير المسبوقة في الاقتصاد التركي ، أو على صعيد الانتصارات العسكرية في عملية غصن الزيتون.
فالأحزاب التركية التي ستلعب على حساب النقاط على أساس حظوظ الأحزاب سواء في آخر انتخابات أو حتى على نسبة من صوتوا بـ "لا" للتعديلات الدستورية الأخيرة والتي سينتخب الرئيس القادم على أساسها.
وبحسب نتائج الانتخابات الأخيرة والتي جرت في عام 2015 وبحسب آخر جولة والتي جرت في نوفمبر، فإن حزب العدالة والتنمية والذي يمثله الرئيس أردوغان حصل على ما نسبته 49.49% من إجمالي الأصوات، فيما حصل حزب الحركة القومية على 16,29 % من إجمالي أصوات الناخبين الذين صوتوا، وهو ما يعني أن الحزبين المتحالفين والداعمين للرئيس أردوغان حصلا مجتمعين على ما نسبته 65.78 % وهي نسبة مريحة تمرر مرشحهم من الجولة الأولى في الانتخابات القادمة، لكن تحالف أحزاب المعارضة، والتي حصلت 34.22% لا تعول على هذه النسبة بعد دخول أحزاب أخرى ضمن التحالف ضد أردوغان، بل وتراهن على نسب الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي عقدت منذ أشهر والتي تحول فيها مزاج الشارع التركي كثيرا، حتى أن بعض أنصار حزب الرئيس لم يصوتوا لمقترح حزبه بالتعديلات الدستورية والذين بلغ عددهم 23 ونصف مليون مقابل 24 وسبعمائة ألف صوتوا للرئيس وحزبه ، وهو ما يعني أن 48.5% هم النواة الصلبة التي سيعول عليها منافسو الرئيس أردوغان من أجل الذهاب به إلى الجولة الثانية، ومن ثم التكتل خلف المرشح الأقوى والباقي في جولة الإعادة لهزيمة الرجل بالنقاط.
لكن الرجل الذي تمرس في السياسة وخبر تكتيكات الأحزاب التركية عازم على أن ينهي الانتخابات من الجولة الأولى وبالضربة القاضية، حتى لا يستنفد جهده في مبارة تم ترتيب مجرياتها في ظروف حرص على أن تكون خادمة له لتخطي تحديات كثيرة كانت تنتظره فيما لو تأخرت عن الموعد الذي تم تحديده.
وتظهر عزيمة أردوغان من خلال الجدية التي يتعامل بها الرجل مع الاستحقاق ويحاول نقل روحها إلى أنصاره و مؤيديه، لوعيه التام بأن اللعبة السياسية في تركيا تؤثر فيها عوامل كثيرة منها الداخلي ومنها الخارجي، وهو ما بدأ بالفعل في أزمات مفتعلة للتأثير على شعبيته والتي كان أخرها سعر صرف الدولار، ولا يدري أحد ماذا تخبئ المعارضة وداعموها في الأيام القادمة، لكن التجارب تؤكد قوة الرجل وتخطيه لما وضع في طريقه في السابق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس