ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
ترقى الدول وتتقدم بتطبيق القانون بغير تمييز ولا تفريق، ففي العالم الحر الديمقراطية تسود الشفافية والعدالة والمساواة بين جميع شرائح المجتمع الذي يوصف بأنه أساس أي نظام ديمقراطي، وتطبيق الشفافية والعدالة والمساواة مرتبط بالأساس بتطبيق القانون على الجميع ومن ثم فإن الشفافية هي العنصر الأساسي لبناء مجتمع حر.
والمجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح، تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا من المواطنين تحت حماية القانون. هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية، فالسلطة والحاكم ليسا إلا جزءا من هذا الشعب الذي ارتضى لهم أن يسيّرا شؤونهم، لكنهم في ذات الوقت لا يحق لهم من خلال هذا التفويض أن يتخذوا من القرارات ما قد يجلب لهم نفعا شخصيا ضاربين بمصلحة الشعب عرض الحائط، فالشعب يحق له بموجب مبدأ الشفافية أن يطلع على أعمال السلطة (فيما لا يضر الأمن القومي للوطن)، وتعمد الحكومات الديمقراطية إلى نشر جميع أعمالها وقراراتها وإجراءاتها وتسمح لمواطنيها الاطلاع علي محاضر اجتماعاتها فيما لو طلب.
كما يحتم القانون على المسؤولين تقديم إقرار بالذمة المالية عند توليهم المناصب ويكرر ذلك الإجراء كل عام من أجل التأكد من عدم التربح من المنصب، وهم في ذلك لم يسبقوا المسلمين، فأول من أقر إجراء تقديم الذمة المالية كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حين تولى الخلافة، لكن ومع ما يحلو للبعض تقليد الغرب فإن المبادئ الديمقراطية أقرب إليهم من فعل الصحابي، وعودة إلى الديمقراطية ومبادئها، أذهلني، وأنا المصري الذي حكمني أربعة حكام منذ أن وعيت على الدنيا لم يقدم أحدهم إقرارا بذمته المالية سوى الرئيس مرسي، أذهلني خبر نشرته الجريدة الرسمية التركية (جريدة ينشر فيها كل القوانين والقرارات الحكومية) عن الذمة المالية للرئيس أردوغان الذي فاز بمنصب رئيس الجمهورية منذ أيام وسيحلف اليمين غدا، وقبل أن يحلف اليمين، ومن ثم تولي المنصب رسميا، فقد نشرت الجريدة الرسمية إقرارا بالذمة المالية للرئيس، وأنقلها لكم كما جاءت من المصدر:
يمتلك أردوغان 6 ملايين و347 ألف ليرة تركي (تعادل مليون و300 ألف دولار)، موزعة في 3 بنوك، كما يمتلك دونمي أرض (أقل من فدان) في ولايته ريزة، تقدر بــ 10 آلاف ليرة تركية (تعادل 2600 دولار تقريبا)، إضافة إلى بيت في منطقة أوسكودار بإسطنبول بقيمة 4 ملايين ليرة (تعادل مليون و200 ألف دولار تقريبا).
ويمتلك سيارة من طراز أودي "Audi A8"، وذلك بقيمة 234 ألف ليرة تركية (تعادل 50 ألف دولار تقريبا).
وفي بند الديون فقد أقر الرئيس أردوغان بدين بقيمة 2 مليون ليرة (تعادل 420 ألف دولار تقريبا) إلى رجل الأعمال محمد غور.
هذا الخبر جعلني أفكر كثيرا فيما دُعم به النظام المصري منذ انقلاب الثالث من يوليو من دول الخليج والذي بلغ في أحد التقديرات سبعة مليارات دولار، والتي صرفت بالأساس لتثبيت الانقلاب من خلال دعم مشاريع تغير نظرة المواطن للحكام الجد، إلا أن واقع المواطن المصري لم يتغير، لا في الغذاء ولا الدواء ولا المواصلات ولا حتى فرص عمل للشباب الذي تأكله البطالة.
وفكرت في المحاسبة والشفافية والديمقراطية وحق الناس في معرفة الحقيقة، أين صرفت هذه المليارات، ولماذا لم يتغير حال المواطن الذي تأكله فواتير الحياة اليومية؟
ولماذا رفعت أجرة المواصلات، ولماذا ارتفع سعر الطاقة، والذي أثر بشكل مباشر على غلاء أسعار السلع الضرورية، حتى أصبحت الضرورات شيئ من الأحلام المواطن؟
أتحدى لو يخرج رأس النظام المصري ليكشف عن ثروته الحقيقية، ويقدم إقرار ذمة مالية، وأنا في ذلك واثق أنه لن يفعل، وثقتي ترجع إلى أن مصر تحت حكم العسكر والنظام المنقلب لا يمكن أن يعرف طريقا للشفافية، ولا سيادة القانون، فمنظمة الشفافية العالمية صنفت مصر عام 2018 في المركز 117 عالميًا متراجعة عن العام السابق، وأخوف ما أخاف أن يصل ترتيب مصر تحت حكم الانقلاب إلى المرتبة الأخيرة وهم في ذلك قادرون.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس