ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في ليلة الثالث والعشرين من يوليو/تموز عام 1952 قامت ثلة من ضباط الجيش المصري بحركة كان الهدف منها بالأساس مطالب فئوية، كما ذكروا هم في مذكراتهم، لتنقلب الأوضاع وتتحرك الأمور بسرعة، لم يتوقعوها هم أنفسهم، وتتحول المطالب الفئوية إلى انقلاب عسكري أطاح بالملك القائم على البلاد.
هذه الصدفة التي أوصلت هؤلاء الضباط إلى الحكم جعلتهم في حيرة من أمرهم، فلا خطة ولا رؤية ولا حتى فكر يجمع من قام بالانقلاب، وهو ما انعكس بشكل كبير على أدائهم في الفترة الأولى من تولي زمام الأمور في بلد كبير بشكل يصعب على من بالكاد أدار وحدة عسكرية كبيرة أن يديرها، لكن ذلك التخبط طال أمده لسنوات بل ولعقود، وعلى الرغم من محاولاتهم استمالة بعض المدنيين من أهل الخبرة والسياسة، إلا أن التركيبة الفكرية والتربية العسكرية حالت دون الاستفادة بشكل كامل من تلك الخبرات وهذه الكفاءات التي كانت تعج بها البلاد في هذه الفترة، وفي المقابل بدأ أصحاب المصالح من عديمي الكفاءة يصعدون سلم السلطة بالتقرب للضباط القابضين على مقاليد الحكم، وفي المقابل وجد الضباط أنفسهم مع هؤلاء المتسلقين عديمي الخبرة، ليظهروا كفاءة زائفة تصديقا لقول المثل الإنجليزي (الأعور في مملكة العميان ملك) فكانوا ملوكا على ماسكي المباخر ممن تصدروا المشهد لعشرات السنوات.
هذه يوليو التي سموها ثورة على غير حقيقة كنيتها في علم السياسية، التي يحتفل بها النظام المصري ويستوحي روحها ويحاول بعثها من غياهب التاريخ بعد أن حاول الشعب دفنها في ثورة يناير، إلا أن حراس الجهل أبوا إلا أن تعود مصر إلى غياهب الجهل والظلام ولم يكفهم ذلك، بل عملوا على إفقار الشعب بقرارات ومشاريع روجوا لها ليخدعوا الشعب وظهر أثرها على المدى البعيد بفقر أقعد الشعب.
واستكمالا لمسيرة يوليو واحتفالا بها، جاء قرار النظام المصري، امتدادا لحكم عسكر يوليو، فرفع السيسي أسعار الغاز الطبيعي ليزيد الشعب هما على هم، وكأن النظام الذي استخدم الغاز ضد الأحرار ليقتلهم، على خلفية مطالبهم برفع العبء عن عاتق هذا الشعب ليشم أنفاس الحرية، ويذوق شيئا من خيرات بلاده التي نهبها عسكر يوليو، يستخدم غاز المنازل ليقتل باقي الشعب بأمراض الضغط والسكر بعد زيادة الأعباء على الشعب الذي لا يلبث أن يفيق من قرار لإفقاره حتى يصدم بأخر ليزيده فقرا.
خطة عسكر يوليو، التي لا تتجدد ولا تتبدل، تعتمد على خطة إنهاك الثور وإخضاعه من إلهائه بهدف وهمي (الرداء الأحمر) يربك بها الثور ويشتت انتباهه من أجل غرس سيفه في رقبته، حتى تخور قواه ويخر صريعاً.
إنها قصة أمم قد خلت وشعوب قد ولت، أما شعبنا فلقد بدلته ثورة الوعي، وأيقظته الدماء وأنضجته التجارب، فلم تعد تنطلي عليه هذه الألاعيب، وسينتفض ليكسر قيوده ويعيد أمجاده، فمهما طال الزمن، ومهما علا الظالم فإن العاقبة للشعوب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس