خاص ترك برس
في فترة ما بعد انهيار سور برلين وانتهاء الحرب الباردة تسارع البحث عن "عالم أكثر ديمقراطية وحرية" على المستوى العالمي، إلا أنّ عقد التسعينيات كان مختلفاً تماماً بالنسبة لتركيا فخلال تلك الفترة زاد انغلاق تركيا على ذاتها، وشهدت فترة من الأحوال غير الطبيعية مثل إعلان حالة الطوارئ، وحدوث حالات تعذيب وجرائم مجهولة الفاعل، كما كانت الدولة تعيش حالة من انعدام الثقة بينها وبين مواطنيها.
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001م انقلبت الآية، إذ أخذت حالة الحريات بالتدهور في دول العالم. وفي الوقت الذي دخلت فيه تركيا فترة من الانفتاح والراحة في مجال التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، أخذت تغّير من منظورها لمفهوم الأمن؛ حيث تخلصت من مفهوم النظر إلى الشعب باعتباره تهديداً لسياستها الأمنية، وتم اتخاذ عدة خطوات ذات أهمية في الانتقال من مفهوم الدولة السلطوية إلى الدولة الديمقراطية، وذلك من خلال إلغاء حالة الطوارئ وإلغاء محاكم أمن الدولة والمحاكم ذات السلطات الخاصة، وتدشين مشروع الوحدة الوطنية والأخوة بهدف القضاء على الإرهاب وتحقيق السلام الإجتماعي، وتم تغيير قانون المواطنة، وبُذلت جهود في سبيل إعادة الأسماء القديمة إلى الوحدات السكنية، وقامت بخطوات فعّالة على طريق تسهيل الحياة اليومية للمواطنين.
بدأت فترة حالة الطوارئ في تركيا من 19 تموز/ يوليو1987م واستمرت دون انقطاع حتى عام 2002م، من خلال تمديد العمل بها 46 مرة مما تسبب في تقليص حقوق الإنسان في تركيا. وتمثلت أولى خطوات التحول الديمقراطي بإلغاء حالة الطوارئ في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002م أي بعد 21 يوم من تشكيل الحكومة، وعند النظر إلى المدة الطويلة التي طُبّقت فيها حالة الطوارئ والأحكام العرفية يتجلى التطور البالغ الأهمية في عودة الإدارة الطبيعية في تركيا عام 2002م في ظل إدارة حزب العدالة والتنمية للبلاد.
أُنشِئت محاكم أمن الدولة بموجب التعديلات الدستورية عام 1973م، ولطالما تلقّت الانقادات بشكل دائم كونها مثّلت ترجيحاً للأمن في ميزان الأمن والحريات، إضافة إلى وجود اختلافات في أصولها القضائية ووجود قاضٍ عسكري بين أعضائها مما جعل القضايا التي تنظر فيها غالباً ما تنتهي بمقاربات أمنية، لذلك كانت الانتقادات الموجّهة إليها غالباً على حق، وكانت بنية هذه المحاكم سبباً في تصنيف تركيا من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان باعتبارها مخالفة لحقوق القضاء والعدل المنصوص عليها، ولهذا السبب أُلغي مقعد القاضي العسكري داخل محاكم أمن الدولة عام 1999م، ومن ثم أُلغيت هذه المحاكم تماماً عام 2004م، وكخطوة أخرى نحو إعادة الوضع الطبيعي للقضاء تم إلغاء محاكم العقوبات المشددة ذات السلطات الخاصة عام 2012م.
حقّقت الدولة التركية من خلال الجهود المبذولة في نطاق مشروع الوحدة الوطنية والأخوة في عام 2009م تجاوزاً للمخاوف والمحظورات التي عانى منها المجتمع، وأتاحت التحدث والنقاش بكل شفافية عن المشاكل التي تضخمت بسبب عدم السماح بالتحدث فيها لأعوامٍ طويلة، مما أتاح طرح المشكلات بسهولة وحرية، وغدت الدولة قادرة على القيام بعملية الترميم الاجتماعي بشكل أفضل.
كان سحب الجنسية من المواطنين لأسباب سياسية لا سيما في فترات الإنقلاب العسكري سبباً في تعرض الكثير من المواطنين للظلم، وفي هذا الصدد أصدرت الدولة قانون المواطنة الجديد عام 2009م الذي أقر حق استعادة الجنسية للمواطنين الأتراك الذين سُحِبت منهم الجنسية بدعوى قيامهم بأعمال لا تتفق مع الانتماء الوطني.
في تسعينيات القرن الماضي كثُرت شكاوى المواطنين بسبب الإجراءات الروتينية التي كانت تُطبق بدعوى الأمن مثل وقوفهم بسياراتهم في صفوف طويلة عند نقاط التفتيش، مما دفع الدولة إلى تقليص عدد نقاط التفتيش والمراقبة بموجب القرار الصادر عام 2010م بهدف تيسير الحياة اليومية على المواطنين.
كانت قد تغيرت في الماضي أسماء العديد من المناطق في تركيا لأسباب سياسية، وتعد هذه الأسماء أحد أهم دعائم جسور الارتباط بالتاريخ الثقافي، وبالأخذ بعين الاعتبار المطالب المشروعة في هذا الصدد، تم السماح بإعادة إطلاق الأسماء القديمة على المناطق السكنية.
تسببت كثرة العمليات الإجرائية البروقراطية فيما مضى داخل المؤسسات العامة في إضاعة الوقت والجهد، وأفقدت الثقة بالدولة لدى الشعب، لذلك سعت الدولة إلى الحد من هذه الإجراءات في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة للتيسير على المواطنين الذين يتعرضون للظلم بسبب آليات المؤسسات العامة وتعقيدها، وفي هذا النطاق تمت إعادة تشكيل الأسس التي على الإدارات أن تتبعها من أجل تشكيل إدارة مثمرة ومؤثرة وشفافة، وتحقيق أداء للخدمات العامة بشكل سريع ومبسّط ومنخفض التكاليف، في البداية تمت الموافقة عام 2007م على قانون بشأن إلغاء العمل ببعض القوانين التي لم يعد من الممكن تطبيقها، وتعديل الأحكام المتناقضة، وتبسيط اللوائح، ثم في عام 2009م أُجريت تعديلات على 170 لائحة خاصة ببعض المؤسسات بهدف الحد من الإجراءات الروتينية وتبسيط الأعمال الإدارية. وأدت تلك التعديلات إلى إلغاء 421 مستند من العملية الإدارية، وألغت أيضاً ضرورة تصديق 215 وثيقة ضمن الإجراءات الرسمية، وتم تحويل 46 سلطة من المركز إلى الفروع وكذلك 26 سلطة من مقار المحافظات ومديريات المناطق إلى الوحدات الإدارية الفرعية.
كما بدأت الدولة في تقديم بعض الخدمات عبر الوسائط الرقمية في إطار مشروع الدولة الإلكترونية باعتباره وسطاً أكثر سرعة ومصداقية ودائم لا ينقطع، حيث باتت المؤسسات والهيئات العامة تقدّم خدماتها للمواطنين على مدار اليوم عبر الوسائط التقنية دون الحاجة إلى طلب الأوراق الرسمية ودون بذل جهد ووقت حيث تتم الخدمات بالاعتماد على الرقم القومي للمواطن وعنوانه وبيانات الهوية والاتصال. وحقّق تطبيق الدولة الإلكترونية سرعة في تدفق المعلومات بين المؤسسات العامة مما أوجد تطوراً متزايداً في أداء الخدمات العامة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس