د.سعيد الحاج - TRT العربية
في الرابع عشر من آب/أغسطس 2001أعلنت مجموعة خرجت من حزب الفضيلة بقيادة أردوغان عن تأسيس حزب العدالة والتنمية ليكون “حزباً لكل تركيا” وعلاجاً لمشاكلها. وفي أول انتخابات برلمانية في البلاد، في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، فاز الحزب بأغلبية البرلمان مشكلاً الحكومة بمفرده، واستمر في حكم تركيا وقيادتها حتى اللحظة متنقلاً بين الإنجازات والتحديات.
قدم الحزب لتركيا الكثير على مدى 16 عاماً من الحكم، من الاقتصاد للإصلاحات الديمقراطية ومن الحريات للسياسات المجتمعية، ومن عملية التسوية لمكافحة الإرهاب، ومن تطوير الصناعات لفتح آفاق رحبة للسياحة، رافعاً مكانة تركيا الإقليمية والدولية بشكل ملحوظ رغم تحديات السياسة الخارجية وتعثرها أحياناً.
في هذه المسيرة الممتدة على 17 عاماً من التأسيس، مر الحزب بعد محطات مفصلية في مسيرته وممارسته السياسية حمل بعضها طابع التحدي الوجودي، وخصوصاً ابتداءً من عام 2007. في نيسان/أبريل 2007 صدر بيان تحذيري للمؤسسة العسكرية على خلفية ترشيح عبدالله غل للرئاسة وهو ما أسمي لاحقاً بـ”الانقلاب القضائي”. في 2008، نظرت المحكمة الدستورية في قضية حظر الحزب ونجا من ذلك المصير بفارق صوت واحد فقط رغم أن أغلبية أعضائها كانت مع الحظر بنسبة ستة لخمسة. في 2012، كانت خطة التحقيق مع رئيس جهاز الاستخبارات بتهمة “التخابر مع منظمة إرهابية”، لو تمت، كافية لإحداث بلبلة وإسقاط الحكومة ربما.
في 2013، تتالت على الحكومة أحداث “جزي بارك” في نهاية أيار/مايو والتي تحولت إلى أعمال شغب وفوضى و”الانقلاب القضائي” في نهايته في محاولة لإسقاط الحكومة من خلال قضايا مكافحة الفساد. وتبقى المحطة الأبرز والتحدي الأخطر في تجربة الحزب المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016 والتي نقلت التجربة والبلاد إلى مرحلة جديدة مختلفة كلياً، حيث كانت من ضمن الأسباب التي أعادت فتح نقاش النظام الرئاسي في البلاد، وهو النظام الذي أقر في استفتاء شعبي في نيسان/أبريل2017 وبدأ تطبيقه بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت قبل شهرين.
يوم الثلاثاء الفائت، في الرابع عشر من آب/أغسطس، احتفل الحزب بذكرى تأسيسه عبر فعالية بحثية نظمها مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية )سيتا( في أنقرة برعاية ومشاركة اردوغان، رئيس الجمهورية والحزب. فقد كان المركز أعد كتاباً من أربعة مجلدات حول تجربة الحزب تتناول ملفات الإنجازات الداخلية والسياسة الخارجية والملف الاقتصادي والإصلاحات القانونية والديمقراطية، وهي عناوين الجلسات الأربع التي تكون منها المؤتمر الذي كان بشكل أو بآخر مناسبة للإعلان عن شمروع الكتب.
هنالك الكثير مما يمكن أن يقال في ذكرى تأسيس الحزب وفي تقييم تجربته إيجاباً وسلباً مما لا تتسع له مساحة هذا المقال، ولذلك سأكتفي بالإشارة إلى ثلاثة سياقات أو تحديات تعبر عن مرحلة جديدة وعهد مختلف دخله العدالة والتنمية مؤخراً:
أولاً، النظام الرئاسي، الذي يشكل مرحلة جديدة لها تحدياتها الخاصة من عدة زوايا. فهو بطبيعته نظام يقلل من ثقل الأحزاب في الحياة السياسية )ولا يلغيها( لصالح التحالفات من جهة والسلطة التنفيذية من جهة أخرى. كما أن حكوماته في العادة أقرب للتكنوقراط منها للحكومات الحزبية، وهو ما حصل في الحكومة التي شكلها أردوغان بأغلبية من رجال أعمال القطاع الخاص. كما أن النظام الرئاسي متغير كبير على صعيد إدارة الدولة ومؤسساتها ومنظومة العلاقات بينها، وهي تجربة جديدة بالكلية بعد 95 عاماً من النظام البرلماني، وبالتالي فالنجاح في تأسيس النظام وتشكيل مؤسساته وضمان عملها بالطاقة القصوى والطريقة الأمثل والتنسيق الأكبر تحد كبير أمام اردوغان وحزبه.
ثانياً، التحدي الاقتصادي. فبعد كل ما سبق من محطات وأزمات، يبدو أن الملف الاقتصادي هو تحدي اللحظة الحاضرة، ولا أدل على ذلك من تدهور الليرة التركية الأسبوع الفائت على وقع التهديدات ثم العقوبات الأمركية على تركيا وتأزم العلاقات بينهما. وإذا كان العامل السياسي المتمثل بالضغوط الأمريكية وتصعيد إدارة ترمب حاضراً، فإن المشاكل البنيوية في الاقتصاد التركي حاضرة أيضاً وهي ما مهد للضغوط الأمريكية أن تحدث ذلك الأثر. ولذا فإن تحدي المرحلة الجديدة وواجبها الأهم هو علاج النظام المالي ومشاكل الاقتصاد المتعلقة بالديون والاعتماد الكبير على الاستثمارات الخارجية وعجز الحساب الجاري وغيرها، وهي المشاكل مناط الخطة متوسطة الأمد التي أعلنت عنها وزارة الخزينة والمالية مؤخراً.
ثالثاً، التحدي الداخلي. فالحزب الذي أسس قبل 17 عاماً يبدو اليوم في وضع مختلف تماماً عن البدايات من عدة زوايا. إذ هنالك شريحة واسعة من الشباب لم يعرفوا تركيا قبل الحزب وبالتالي لا يحملون خوفاً من البدائل كما يفعل أسلافهم وباتت وتيرة التغيير والإصلاحات والإنجازات غير مقنعة تماماً لهم. كما أن غياب أو تغييب بعض الأسماء المؤسسة والمهمة في تجربة الحزب على مدى السنوات السابقة إضافة لأسباب أخرى تتعلق بالنظام الرئاسي وإدارة الدولة ساهمت في نشوء حالة نقد ذاتي داخل الحزب وبين كوادره وأنصاره، وانعكست في نتيجة الاستفتاء العام الفائت ونسبة التصويت للحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وهي رسالة احتجاج واضحة قال اردوغان إنها وصلت وإن الحزب سيعمل بناءً عليها في الفترة المقبلة. وبالتالي سيكون المؤتمر العام للحزب يوم الأحد المقبل محطة مهمة لرؤية كيفية ودرجة انعكاس ذلك على البنى القيادية في الحزب، والتي قال الناطق باسمه ماهر أونال إنها قد تصل إلى %40 من الصف القيادي. كما ستكون الانتخابات المحلية أو البلدية في آذار/مارس القادم محطة في الاتجاه المقابل لرؤية مدى تقبل الشارع التركي لرسالة التغيير والتجاوب من الحزب.
في العموم، فالحزب حالة فريدة في التاريخ السياسي والحزبي التركي فهو الأطول زمنياً في الحكم والأقوى في الحضور في ظل ضعف المعارضة وتشتتها وغياب رؤاها وبرامجها ومشاريعها المنافسة، الأمر الذي يزيد من مسؤولياته ويضاعف من مهمته في مواجهة التحديات المستجدة المضافة للسابقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس