ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
على الرغم من وصف المحللين لقمة طهران التي ناقشت مستقبل إدلب السورية، والتي جمعت رؤساء روسيا وتركيا بالرئيس المضيف، بأنها فاشلة، إلا أن الإدارة التركية التي حاولت بكل الطرق إزاحة كابوس الحرب عن تلك المحافظة خلال ذلك الاجتماع لم تيأس، وقد وضح من أول لحظة في هذه القمة أن الرئيس التركي، المتلبس روح المقاتل، لن يستسلم، على الرغم من أن مناورات زميلاه للتملص من اتفاقات في الغرف المغلقة للمضي قدما في رغبتهم في تصفية الثورة السورية لصالح نظام الأسد مع اقتراب الحل الهائي للأزمة والتي يدفع إليه المجتمع الدولي عبر آليات المنظمة الدولية وتجمعات دولية راغبة في ذلك ظاهرها أصدقاء للشعب السوري وباطنها من قبلها العذاب، لذلك الشعب وجيرانه.
إدلب ذات أهمية كبرى للثورة السورية التي تجمع شرفاءها في المحافظة، بعد موجات من الضغط الدولي الصامت على كيماوي النظام وقنابل حليفه الروسي الفتاكة، لتصبح إدلب محافظة الثورة وحاضنة شعبها البالغ أربعة ملايين، ومن ناحية أخرى فإن إدلب بالنسبة لتركيا خط الدفاع الأول ضد التمدد الإيراني الطامع في مزيد من التوسع على حساب إثنية لها امتداد في الأراضي التركية وهو ما يعني زرع قنبلة موقوتة تؤثر بشكل كبير على أمن واستقرار الجنوب التركي الذي يعاني من صداع الأكراد.
الناظر إلى قمة اردوغان – بوتين يجد أنها وإن كانت بالأساس عقدت من أجل إدلب بما أنها الملف الأهم والأخطر والأكثر سخونة، إلا أن القمة بدأت بالحديث عن التعاون الاقتصادي المشترك بين روسيا وتركيا ففي المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه مع نظيره التركي، وصف الرئيس الروسي مباحثات القمة الرابعة بين الرئيسين في هذه السنة بأنها كانت بناءة وموضوعية، وقال بوتين إنه وعند مناقشة الأجندة الراهنة للتعاون الروسي - التركي تأكد الطرفان من نمو التبادل التجاري الثنائي، حيث زاد حجمه، خلال الأشهرالسبعة الأولى من العام الجاري بـ 34% متجاوزا 15 مليار دولار، مشيرا إلى أن موسكو رفعت القيود المفروضة على توريدات بعض السلع الزراعية التركية إلى روسيا، تلبية لطلب أنقرة، معبرا عن أمله بأن تخلق تركيا ظروفا مواتية للترويج للبضائع الروسية في سوقها، وهو ما ستفعله تركيا بالتأكيد خلال الفترة المقبلة لاسيما بعد هذه القمة في اعتقادي، وقد استبق الرئيس التركي لقائه بالرئيس الروسي بتصريحات في أنقرة يؤكد فيها تمسك بلاده بشراء منظومة الدفاع الجوي أس 400 من روسيا، وهو الأمل الذي تسعى إليه روسيا الجديدة، والتي تحلم بموطئ قدم في أراضي دفاعات حلف الناتو المتقدمة، وقد لا تكون صفقة أس 400 هي القدم الوحيدة لروسيا في تركيا، فالمفاعل النووي الذي اتفقت عليه تركيا والذي ستبنيه روسيا وتزوده بالوقود اللازم لتشغيله، وكذا خط السيل التركي واللذان سيحلان مشكلة الطاقة في تركيا، سيكونان بمثابة قدم أخرى في بلد من المفترض أنه حليف في الناتو، إلا أنه، وبحسب قواعد اللعبة، من حق تركيا أن تبحث عن بدائل في وقت تخلى الحليف عنها.
هذا المدخل المهم كان كفيلا بأن يخطو الرئيسان خطوة واسعة تجاه تفكيك القنبلة الموقوتة في إدلب، بالاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين قوات النظام والمليشيات الموالية له وقوات المعارضة وهي الخطوة التي تسربت للنظام في طهران ودفعته لحفظ ماء الوجه والإعلان بأن قواته لن تخوض معركة في إدلب، وإن كان النظام في طهران يناور بالحرس الثوري إلا أن مليشياته المتواجدة على تخوم إدلب قد تكون ورقة يعيد بها نفسه إلى طاولة اتخاذ القرار في سوريا، لكن وعلى كل حال حتى تلك المليشيات لن تكون ذات أثر من دون الطيران الروسي الذي استطاع الرئيس اردوغان تحييده.
والشاهد أن اردوغان الذي يجيد اللعب مع الكبار استطاع تقديم ما يمكن به أن يجني، حيث تقف أولوية الأمن القومي في صدارة اهتمامات أي دولة تسعى للنهوض في وقت تحاك له المؤامرات أظهرها الأزمة الاقتصادية المفتعلة التي تعيشها تركيا، ولقد حذرنا في مقال (إدلب فخا لتركيا) من محاولات الغرب دفع تركيا إلى مهلكة في إدلب يواجه فيها الصديق الجديد وضرب العلاقة الوليدة لإحباط محاولات تركيا الانفكاك من الهيمنة الغربية عليها والتي ورثتها الإدارة الحالية.
وعلى العموم فإن مخرجات قمة سوتشي تصب في النهاية في صالح شعب الثورة السورية الذي استطاع اردوغان بمركب البرجماتية أن يصل به إلى بر الأمان، ولم يبق على ذلك الشعب إلا أن يستكمل مسيرته بمساعدة القيادة التركية وإعانته على تفكيك قوى الظلام المستخدمة، بعلم أو بجهل، في إجهاض ما تبقى من الثورة السورية، وعلى ساسة المعارضة أن ينظروا لأبعد مما ينظرون وأن يعتقوا أنفسهم من تأثير البترودولار بعد أن ظهر الوجه الحقيقي لأصحابه، وينضموا إلى الشعب وتلك القيادة المخلصة التي ربطت مصير بلادها بمصير شعب الثورة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس