محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
بعد الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في منطقة البحر الميت في الأردن، والذي ضم كلا من وزراء السعودية والبحرين ومصر والإمارات والكويت إضافة للأردن وكان برعاية الملك عبد الله الثاني في الأيام القليلة الماضية، ومن المعلوم أن معظم هذه الدول ما عدا الكويت والأردن لها هواجس في العلاقات مع تركيا بسبب الموقف التركي من القضايا التي تهم هذه الدول بشكل أوبآخر لها في طريقة تناولها ومعالجتها.
بعد انقضاء الاجتماع التشاوري لهذه الدول توجه الملك عبد الله الثاني إلى تركيا. هذه الزيارة التي تأخرت كثيرا في توقيتها بسبب عدم اكتمال توقعات نجاحها حسب بعض التصريحات الرسمية.
والآن وبعد اكتمال مبررات الزيارة وخصوصا بعد ذلك الاجتماع ومساهمة الأردن في الإشراف عليها والدعوة لها فإن الأوراق التي يحملها الملك والتي ستكون محل نقاش تتعدى العلاقات الثنائية بل ستكون مسألة العلاقات الثنائية هامشية بالنسبة للمباحثات التركية الأردنية.
هناك جملة من الأمور التي نستطيع أن نؤكد حصول مباحثات حولها، والأهم من ذلك هو وجود بوادر توافقية بين الأطراف المعنية بتلك القضايا وأهمها:
مسألة اليمن
تبدو مسألة انتهاء مشكلة اليمن بالانتصار العسكري لأحد الأطراف المتصارعة والجهات التي تدعمها مستحيلة بنظر أكثر المحللين العسكرين وخصوصا بعد وجود قوتين إقليميتين تحاولان بكل الوسائل من دعم حلفائهما وهاتان القوتان تتكافآن تقريبا في مدى قدرتهما في التأثير على الساحة اليمنية، ورغم وجود تغييرات متكافئة أيضا في قدرتهما مستقبلا فإن الآمال المعقودة على الحل العسكري أو انتصار طرف ضد طرف آخر في المستقبل المنظور والبعيد يبدو مستحيلا فالسعودية التي كانت دوما تظهر تفوقها على الجانب العسكري بدت اليوم بدون غطاء شرعي أممي بسبب تصاعد أصوات المنادين بإنهاء الدعم الدولي لمساعيها في اليمن.
وبنفس الوقت فإن إيران التي تواجه العقوبات الاقتصادية والحشد العربي والإقليمي ضدها بسبب تدخلاتها في شؤون المنطقة فانها أيضا قد تفكر مليا في إيجاد حل مناسب للوضع يسبق انهيار جبهتها في الأراضي اليمنية.
في الآونة الأخيرة تركيا عمدت إلى التنسيق مع إيران لإيجاد حل للمشكلة كما قامت بالإيعاز لمنظماتها الإنسانية بتوزيع مساعداتها الإنسانية في بعض المدن اليمنية.
وعلى هذا الأساس فإن الدول الخليجية ترغب من الأتراك وقف كل أشكال التنسيق مع الإيرانيين في الوقت الحاضر على الجبهة اليمنية وهذه ربما هي أولى رسائل الملك عبد الله لتركيا.
العقوبات الاقتصادية ضد إيران
تعتبر العقوبات الاقتصادية ضد إيران أهم اهتمامات السعودية والخليج لأنها تؤدي حسب تحليلهم إلى تقلص نفوذها في المنطقة، ويرى الأتراك أن العقوبات غير المبررة من قبل إدارة ترمب تحمل في طياتها الكثير من التشكيك بعد إثارتها من جديد من قبل الرئيس ترمب وخصوصا بعد إلحاح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على الدول التي كانت أعضاء في التفاوض والمقصود بهم دول خمسة + واحد على الإسراع في تنفيذ وتوقيع الاتفاق على المشروع التفاوضي مع إيران، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى تعتبر تركيا الدولة المتضررة رقم واحد في حال تطبيق تلك العقوبات على اقتصادها، وربما تتوقع تركيا أن أمريكا التي تحاول التأثير وبسط نفوذها وأهدافها بواسطة العقوبات الاقتصادية ستكون عامل هدم وعدم استقرار جديد في المنطقة وربما ستكون إيران هي إحدى هذه الدول وليست الأخيرة . لذا فإن النقاش حول تلك النقطة وحث تركيا على تنفيذ العقوبات تحمل في طياتها بصمات أمريكية أيضا عبر شركائها من الدول العربية الداعمة للعقوبات. وهنا السؤال بماذا تعوض دول الخليج تركيا في حال قبولها رغبات الأولى.
المسألة السورية
التطورات التي حصلت في الآونة الأخيرة فيما يخص علاقات الدول العربية مع النظام السوري وحصول تصريحات متكررة حول إعادته للجامعة العربية وقيام بعض الدول بتسمية ممثليها في العاصمة السورية دمشق تعبر عن اتفاق ضمني بين معظم الدول العربية على إعادته للجامعة مع وجود دلالات على تبادل السفراء معه من جديد، ربما تأتي هذه الخطوة المغرية جدا من الدول العربية لتحفيز الجانب السوري على تقليص الدور الإيراني في سوريا على أقل تقدير وبالإمكان تطوير تلك الخطوة من الجانب السوري وبمؤازرة الدول العربية لإنهاء اي دور إيراني في سوريا.
لكن هناك مسألتان مهمتان امام أي تغيير سياسي مع السوريين وهما:
أولا: حصول إجماع دولي على تجريم النظام السوري بسبب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
ثانيا: استعمالها للأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين وضد فصائل المقاومة.
وبالنسبة للأتراك فإن أي اختلال في التوازنات السياسية والعسكرية في سوريا سيكون مدعاة للتخوف من حصول كانتونات عرقية وطائفية استقلالية تؤثر بشكل مباشر على وحدة الأراضي السورية، ولكن من المهم التذكير بأن أي خطوة لا تكون بتنسيق مباشر مع الأتراك ستكون غير مرحب بها فيما لو وافقت تركيا على تلك الخطوة. لكن التصعيد الإماراتي الأخير في دعمها للأكراد السوريين وخصوصا "بي ي دي" هي إشارة واضحة للتمادي في معاداة تركيا بالدرجة الأساس، ويمكن القول إن تلك التصريحات الاستفزازية الإماراتية غير المسؤولة تصب ضد الجهود التي تمنع حدوث تفكك في الكيان السوري كوطن موحد.
المسألة القطرية
حتما ستكون إنهاء المقاطعة الخليجية لقطر قائمة على جدول الأعمال وستكون هي بمثابة الورقة التي يخبئها زعماء الخليج المقاطعين لها، لتمرير عدة أتفاقيات بينهم وبين الأتراك بعد الكثير من عدم قبول وساطات حول إعادة تلك العلاقات وبالتأكيد فإن تركيا ستحاول القبول بتقريب وجهات النظر بينها وبين دول الخليج في حال استعداد الأخيرة لإنهاء مقاطعتها غير المبررة، والجدير بالذكر أن مكالمة واحدة سابقة جرت بين الأمير تميم وولي العهد السعودي كادت تنهي الأزمة كلها مما يدل على عدم وجود مبرر تاريخي مستمر لاستمرارها.
ومن هنا فإن العاهل الأردني يدرك تماما أن المنطقة تمر بمرحلة مخاض عسير وستولد إشكالات في حال استمرارها وإن معظم الدول العربية غير مستعدة لظهور المزيد من المستنقعات الموحلة في المنطقة وإن استمرار العلاقات مع تركيا الدولة الإقليمية المهمة في المنطقة على نحو غير إيجابي ستزيد من صعوبة الوضع في المنطقة بصورة خاصة.
ومن المؤكد أن العاهل الأردني واستمرارا على نهج المرحوم جلالة الملك حسين سيحمل في حقيبته أوراقًا توصف بالتوافقية للسعي لوقف التدهور الحاصل بين الدول العربية والإقليمية وخصوصا مع تركيا.
في شأن آخر فإن اجتماع الرئيس أردوغان بالنواب العرب في الكنيست الإسرائيلي قبل اللقاء مع الملك عبد الله يدل على موافقة الأتراك على المساعي الأردنية في الاحتفاظ بإدارة المراكز الدينية في ضفتي نهر الأردن.
وأخيرا وحسب التوقعات فإن المنطقة ليس لها غير خيار الاتفاق والتغاضي عن مجمل المشاكل المحيطة والتي أصبحت غير مجدية وتؤدي إلى نتائج كارثية في المنطقة ولذا فإن التأكيد على أن زيارة العاهل الأردني لتركيا هي بقصد رأب الصدع بينها وبين بعض الدول الخليجية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس