سعيد الحاج - TRT عربي
منذ تنفيذها عمليتي درع الفرات في 2016 وغصن الزيتون في 2018، لا تفتأ تركيا تلوح بعملية عسكرية وشيكة لها في مناطق شرق الفرات التي تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية SDF المشكّلة في معظمها من وحدات حماية الشعب إحدى امتدادات منظمة العمال الكردستاني الإرهابية بالنسبة لأنقرة. ترى الأخيرة أن العمليتين السابقتين تمهدان الطريق لضربة إضافية – قد تكون قاضية – لتلك القوات المدعومة أمريكياً بما يقوّض مشروعها الانفصالي في الشمال السوري ويجنبها ارتداداته السلبية في الداخل التركي.
الجديد في الموقف التركي مؤخراً ثلاثة أمور مهمة:
الأول، التأكيد أكثر من مرة على استكمال الإعدادات للعملية العسكرية المفترضة على صعيد الخطط والقوات واللوجستيات وغيرها.
الثاني، ارتفاع وتيرة التصريحات الرسمية بخصوص العملية المفترضة بعد غيابها أو تراجعها لفترة.
الثالث، إرسال تعزيزات كبيرة إلى الحدود مع سوريا على مدى الأيام/الأسابيع القليلة الماضية دون ضجة إعلامية كبيرة فضلاً عن بعض الإجراءات الميدانية المتعلقة بالحدود مثل الجدار المقام عليها.
وإذا ما كان هدف تقويض مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في سوريا واضحاً ومعلناً، فإن لأنقرة هدفاً آخر لا يقل أهمية وهو إعداد بنية تحتية آمنة وقادرة على جذب واستعياب أعداد من المقيمين السوريين على الأراضي التركية لا سيما بعد التفاعلات الداخلية بخصوصهم، وهو ما يحيل إلى فكرة المنطقة الآمنة.
المنطقة الآمنة شمال سوريا، التي تطالب بها تركيا منذ سنوات وتجاوبت معها واشنطن مؤخراً ونظرياً فقط، كانت البند الرئيس في المحادثات التركية – الأمريكية على مدى الأسبوع الماضي، وهي المحادثات التي أتت على هامش الحشود العسكرية التركية على الحدود وفي ظل التوتر التركي – الأمريكي بسبب صفقة إس400 وتلويح واشنطن بعقوبات على تركيا كانت الخطوة الأولى فيها تعليق مشاركتها في مشروع مقاتلات F35.
بهذا المعنى، يمكن القول إن المحادثات التركية – الأمريكية، بما فيها الجولتان في واشنطن وأنقرة وكذلك زيارة جيمس جيفري لتركيا وعدد من الاتصالات بين المسؤولين من البلدين، كانت أحد مسارات التفاوض بين الطرفين بخصوص الصفقة الروسية أكثر من كونها مساراً مرتبطاً بالشأن السوري بشكل مباشر، ما خفّض من سقف التوقعات بخصوصها، وهو ما كان. فقد بقيت الخلافات بين الطرفين قائمة حول البنود الثلاثة الأهم بخصوص المنطقة الآمنة المفترضة، وهي حدودها ومن سيشرف عليها ومصير قوات سوريا الديمقراطية بعد تأسيسها، ما يترك الطرفين متفقين فقط على العنوان دون المضمون.
سرعة تجاوب الولايات المتحدة ومسارعتها نحو المحادثات تشير إلى أن الحشود التركية كانت مختلفة هذه المرة وأن النوايا بدت جادة. وهو أمر تدعمه نبرة التصريحات والتهديدات التركية مؤخراً، لا سيما على لسان وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو الذي حذر واشنطن من أن “صبرنا قد نفد” من مماطلاتها. أعلن الوزير بأن العرض المقدم من الأخيرة لم يكن مُرْضياً لبلاده وإنه عبارة عن “استمرار في المماطلة والتسويف” ما قد يدفعها لعملية عسكرية قريباً، مذكّراً بأن الرئيس كان قد أعطى أوامره بإطلاق العملية العسكرية سابقاً ولكن أرجأها بناء على طلب ووعود من ترمب.
نفس المعنى، التهديد بعملية عسكرية تركية دون التنسيق مع الولايات المتحدة وإنشاء المنطقة الآمنة بإمكانات أنقرة الذاتية، أتى على لسان وزير الدفاع خلوصي أكار خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي مارك إسبر، وفق بيان وزارة الدفاع التركية الذي حرص على ذكر تفاصيل المحادثة.
في الخلاصة، ثمة مؤشرات كثيرة وقرائن عدة على أن النبرة التركية بخصوص عملية عسكرية في مناطق شرق الفرات السورية مختلفة هذه المرة، كما أن التفاعل الأمريكي معها يشي بشيء من المصداقية لها. لكن، ما هي حدود هذه العملية العسكرية المفترضة؟
ما زالت أنقرة غير راغبة في أي مواجهة أو احتكاك مع القوات الأمريكية المتواجدة في تلك المناطق، ولذلك فليس من المتوقع أن تطلق عملية واسعة على غرار درع الفرات وغصن الزيتون، أي عملية ممتدة زمنياً وجغرافياً وبما يشمل توغلاً برياً واسعاً.
الأقرب هو عمليات محدودة ومحسوبة في بعض البلدات الحدودية مثل تل أبيض وعين العرب ورأس العين وغيرها. هذه المناطق ذات أغلبية “عربية” لا “كردية”، وتُطلق من بعضها قذائفُ كلَّ حين وآخر نحو الأراضي التركية كان آخرها قبل أيام متسببة بإصابة أربعة مواطنين، بما يعني أن الغطاء السياسي والقانوني متوفر من خلال مبدأَيْ الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب.
ما زال هناك فرصة نظرية أمام الولايات المتحدة لاحتواء الغضب التركي من خلال تقديم أفكار حقيقية وواقعية بخصوص منبج أولاً – وهوالأقرب بفعل التفاهمات السابقة والمراحل المقطوعة حتى اللحظة – وشرق الفرات ثانياً – وهي الأصعب والأبعد – وبخصوص دعمها المستمر والمتصاعد للميليشيات المسلحة شمال سوريا، لكن منحى العلاقات بين البلدين ونتائج المحادثات الأخيرة تشيران إلى تعنت أمريكي قد يكون من نتائجه تفعيل أنقرة لخططها قريباً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس