ترك برس
نشرت وكالة الأناضول التركية تقريرًا موسعًا يسلّط الضوء على الانتهاكات التي تمارسها اليونان ضد الأقلية التركية المسلمة في أراضيها، وخاصة فيما يتعلق بالتدخل في الشؤون الدينية وطبيعة التعليم ورفض الهوية التركية.
وبحسب التقرير، تواجه الأقلية التركية في اليونان منذ عقود، عقبات تفرضها حكومة البلاد عليهم، بدءًا من ممارسة حقوقهم الأساسية في التعليم، إلى التدخل في أمورهم الدينية، وعدم الاعتراف بهويتهم العرقية.
وتابع: منطقة تراقيا الغربية، الواقعة شمال شرقي اليونان، قرب الحدود مع تركيا، تعد موطنًا لأقلية مسلمة تركية عريقة يبلغ تعداد سكانها نحو 150 ألف شخص.
وألقت العديد من التطورات الأخيرة في اليونان الضوء على مشاكل الأتراك هناك، بما في ذلك إصدار الحكومة مرسومًا يقيد استقلال المفتين، فضلًا عن بيع أرضٍ تعود ملكيتها لمؤسسة دينية مسلمة إلى شركة سياحية، وإغلاق 5 مدارس تعود للأقلية التركية بأمر من الحكومة اليونانية.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن حقوق الأتراك في تراقيا الغربية محمية بموجب معاهدة لوزان، الموقعة عام 1923، في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)؛ إلا أنه ومنذ ذلك الحين وأوضاعهم تتدهور بشكل مطرد.
فبعد وصول الطغمة العسكرية اليونانية إلى السلطة في 1967، بدأ أتراك تراقيا الغربية يواجهون اضطهادًا أشد وانتهاكات لحقوقهم من جانب الدولة اليونانية.
وفي أعقاب "عملية السلام" العسكرية التي قامت بها تركيا عام 1974 في قبرص، سقط المجلس العسكري اليوناني في نهاية المطاف، لكن القيود المشددة على الأقلية التركية استمرت، بل حتى زادت إلى يومنا هذا.
وفي أوائل التسعينات، ورغم استعادة بعض الحقوق للأقلية التركية في اليونان بشكل جزئي فقط، استمرت مشاكلهم المتعلقة بالحقوق المدنية والجماعية، وظهرت لهم مشاكل ومعاناة إضافية.
واحدة من المشاكل الملحة للأقلية التركية في تراقيا الغربية إنكار هويتهم العرقية، إذ تعترف الحكومة اليونانية بالأقلية في تراقيا الغربية فقط من جانب الدين؛ أي، كأقلية مسلمة.
وتستند اليونان في سياستها هذه على تفسيرها الخاطئ لمعاهدة لوزان، حيث لا تستبعد المعاهدة بأي حال من الأحوال اعتبار الهوية التركية للأقلية المسلمة.
وبالفعل، في خمسينات القرن الماضي، حينما كان العلاقات التركية اليونانية جيدة، كانت اليونان رسميًا تشير إلى الأقلية في تراقيا الغربية على أنها "أقلية تركية".
لكن بدأ موقفها يتغير بعد وصول المجلس العسكري إلى السلطة عام 1967، حيث بدأ يشير إلى تلك الأقلية كـ"أقلية مسلمة"، وهي سياسة ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا.
حتى وطوال سنوات الثمانينات، حظرت اليونان جميع الجمعيات التي تضم في أسمائها كلمة "تركية".
ورغم اتخاذ محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، قرارات ضد اليونان في هذا الخصوص عام 2008، تحدت أثينا قرارت المحكمة ورفضت تنفيذها.
وبسبب السياسة الوحشية تلك، لا تزال جميع مؤسسات الأقلية التركية التي تحتوي على كلمة "تركية" في أسمائها محظورة في اليونان.
مشكلة أخرى من جملة المشاكل التي لا يزال الأتراك في تراقيا الغربية يواجهونا هي تدخل دولة اليونان في الشؤون الدينية للأقلية المسلمة.
فاختيار مفتين من قبل المسلمين في اليونان يجري تنظيمه بموجب معاهدة أثينا لعام 1913، وهي اتفاق بين اليونان والإمبراطورية العثمانية، بدأت أثينا بتنفيذها عام 1920.
إلا أنه في عام 1991، وانتهاكًا للقانون الدولي، ألغت اليونان قانونها الخاص بتنفيذ معاهدة عام 1913، وبدأت بنفسها بشكل غير قانوني بتعيين المفتين.
ونتيجة لذلك ومنذ ذلك الوقت، سلب المفتون المعينون من جانب اليونان المسلمين المحليين حقهم في تحكيم الشرع بمسائل الميراث والأسرة.
غالبية الأتراك المسلمين في تراقيا الغربية لا يعترفون بالمفتين المعينين من قبل اليونان، وبدلًا من ذلك ينتخبون مفتيهم الخاصين.
لكن اليونان ومنذ 1991، رفضت الاعتراف بأولئك المفتين المختارين من قبل السكان المحليين، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل قامت بمحاكمتهم.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، فرض مرسوم رئاسي يوناني مزيدًا من القيود على استقلالية المفتين المعينين. يحتوي المرسوم على أحكام تقلل من مكانتهم إلى منزلة موظفين عاديين.
وعلاوة على ذلك، صدر قانون آخر يمكّن لجان مؤلفة من موظفين مدنيين أرثوذكس مسيحيين من التحكم في تعيين الأئمة والمعلمين الدينيين المسلمين، وبالتالي تقييد حرية المسلمين الدينية.
كذلك الأمر، بالنسبة لمدراء الأوقاف الإسلامية، فإن تعيينهم يتم من قبل الحكومة اليونانية، رغم أن المادة 40 من معاهدة لوزان تنص على أنه ينبغي انتخابهم من قبل الأقلية المسلمة.
تلك السياسة أدت إلى سوء إدارة الأوقاف، حتى وصلت لدرجة مصادرة ممتلكاتهم.
تضم تراقيا الغربية حاليًا مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية تدرس بالتركية واليونانية وذلك بموجب اتفاقية للتعليم بين تركيا واليونان عام 1951.
وعندما أصبحت دور الحضانة إلزامية مؤخرًا، ظهرت الحاجة لفتح روضات أطفال لأتراك اليونان.
وعلى الرغم من إلزامية التعليم في دور الحضانة، لا تسمح اليونان بفتح روضات ثنائية اللغة للأقلية المسلمة، مما يجبر أطفال الأسر التركية على الالتحاق بالروضات اليونانية فحسب.
وفي السنوات الأخيرة، وبالتوازي مع احتجاجات السكان في تراقيا الغربية، قامت الحكومة اليونانية بإغلاق العديد من مدارس الأقلية الابتدائية متذرعة بحجة انخفاض معدل التسجيل.
ففي 31 يوليو/ تموز الماضي، قررت وزارة التعليم في اليونان إغلاق 5 مدارس أخرى للأقلية التركية، ليصل إجمالي عدد مدارسهم المغلقة إلى 65.
وتعاني المدارس الإعدادية (المتوسطة) والثانوية حاليًا في مناطق كوموتيني وشانتي في تراقيا الغربية من فقدان مساحة كافية لتسجيل جميع طلاب الأقلية، وبالتالي هناك حاجة لفتح مدارس جديدة.
وفيما يتعلق بالبنى التحتية، فإن بعض مدارس الأقلية بحاجة ماسة لأعمال الصيانة والترميم، حتى أن مدارسهم تفتقر لأدنى معايير التعليم.
تعد جزريتا رودس وكوس، ببحر إيجة، اللتان تعدان جزءا من جزر دوديكانيز اليونانية، موطنا لحوالي 6 آلاف من الأتراك المسلمين.
لكن اليونان لا تعترف بحقوق السكان الأتراك الذين يعيشون في تلك الجزر كونها كانت ترزح تحت الحكم الإيطالي خلال فترة معاهدة لوزان.
ولا يستطيع الأتراك امتلاك أو تأسيس مدارسهم الخاصة في تلك الجزر، ويخضعون لسياسات تهدف بشكل واضح إلى عملية صهرهم.
كذلك تخضع أصول الأوقاف الإسلامية التي يعود عمرها إلى قرون في دوديكانيز إلى مجالس معينة من قبل الحكومة اليونانية، كما الحال في تراقيا الغربية.
وغالبًا ما تقوم تلك المجالس ببيع أصول تلك الأوقاف متذرعة بحجة نفقات ترميم المساجد.
فعلى سبيل المثال، في يونيو/ حزيران الماضي، تم بيع 34 فدانا من أرض مملوكة لأوقاف مسلمة في جزيرة كوس، لشركة سياحة مقابل 181 ألف يورو فقط.
والأرض نفسها عُرض بيعها في مزاد علني قبل 10 سنوات، وحصلت على سعر بلغ 350 ألف يورو، أي ما يعادل ضعف المبلغ الحالي، لكن الأوقاف لم تستطع بيعها.
على مدار 44 سنة، حُرم نحو 60 ألفًا من أتراك تراقيا الغربية وبعض أتراك الدوديكانيز من جنسيتهم اليونانية، بموجب المادة 19 من قانون المواطنة اليونانية الذي سُن عام 1955.
تلك المادة استهدفت كل مواطن ليس من عرق يوناني، وهكذا أصبح نحو 60 ألف مواطن يوناني من أصل تركي ممن سافروا أو هاجروا إلى الخارج عديمي الجنسية، لأن اليونان ترى أنهم يفتقرون إلى أي نية للعودة إلى الوطن.
مشكلة خطيرة أخرى يواجهها أتراك اليونان هي منع الحكومة اليونانية حق الأقلية بالتمثيل الديمقراطي.
ففي 1993، حددت اليونان العتبة الانتخابية للدخول للبرلمان بنسبة 3 بالمئة، سواء للأحزاب السياسية أو المرشحين المستقلين، وذلك بهدف منع انتخاب نواب مستقلين من الأقلية التركية.
ونتيجة لذلك، فإن الطريقة الوحيدة لانتخاب مرشحين من الأقلية التركية هي دخولهم في الأحزاب السياسية اليونانية الرئيسية الأخرى.
علاوة على ذلك، عدا منطقة تراقيا الغربية، تفتقر اليونان لمسجد واحد، بما في ذلك مدينتا أثينا وسالونيك، أكثر مدن اليونان اكتظاظًا بالسكان، رغم عيش مئات الألوف من المسلمين فيهما، ورغم طلباتهم المتكررة بضرورة وجود مساجد للمسلمين هناك.
هذا الوضع يجعل مدينة أثينا العاصمة الأوروبية الوحيدة التي لا تضم فيها أي مسجد، رغم وجود خطة منذ عقود لبناء مسجد في العاصمة اليونانية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!