محمود عثمان - الأناضول
منذ بداية الأزمة السورية رفعت جميع الدول والقوى والجهات المعنية، وحتى غير المعنية مباشرة بالمسألة السورية، شعار "الحل في سوريا سياسي لا عسكريًا".
رغم ذلك فالأزمة السورية تقترب، من نهاية عامها التاسع، دون أن يلوح في الأفق أثر أو بارقة أمل لحل سياسي.
الأدهى من ذلك أنه حتى هذه اللحظة لا أحد يدري على وجه التحديد، من هم أطراف الحل السياسي في سوريا، هل هم السوريون نظام ومعارضة؟.. أم شركاء أستانة، روسيا وتركيا وإيران، الذين أخذوا على عاتقهم ضمانة وقف إطلاق النار وإنهاء القتال؟.. أم دول أستانة مع أمريكا، أي الدول التي تحتفظ بقواتها ووجودها العسكري على الأراضي السورية؟.. أم 4+1 أي الدول الأربع سالفة الذكر، بالإضافة للكيان الإسرائيلي، الذي يجوب طيرانه الحربي سماء سوريا صباح مساء، طولًا وعرضًا، وينتقي من الأهداف ما يشاء دون حسيب ولا رقيب.
إذا كان جميع أطراف الأزمة، مجمعون ومتفقون على شكل الحل في سوريا، وأنه سياسي محض، فلماذا تستمر الحرب وتغيب السياسة؟.
إذا كان جميع أطراف الأزمة، مجمعون ومتفقون على شكل الحل في سوريا، وأنه سياسي محض، فلماذا لا يتفقون على أسسه وعنوانه، أفي جنيف هو أم في أستانة؟.
إذا كان جميع أطراف الأزمة، مجمعون ومتفقون على شكل الحل في سوريا، وأنه سياسي محض، فلماذا لا توكل مهمة رعاية الحل السياسي للأمم المتحدة، على غرار دايتون ورواندا وجنوب إفريقيا.
إذن ثمة من يريد إطالة أمد الحرب في سوريا لتحقيق أهدافه الاستعمارية الإمبريالية التوسعية.
إذن ثمة من يحرص على إدارة الأزمة لا حلها.
إذن ثمة من يريد تصفيه حساباته مع الآخرين على الأرض السورية.
** قمة "أستانا" الثلاثية حول سوريا في أنقرة
استضافت العاصمة التركية أنقرة، قمة ثلاثية جمعت الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، لمناقشة الأزمة السورية، شدد بيانها الختامي على الحفاظ على سيادة سوريا، ووحدة أراضيها والتمسك بمبادئ الأمم المتحدة.
وأكّد البيان الختامي للقمة رفض قادة الدول الثلاث محاولة خلق أي وقائع جديدة في الميدان تحت ذريعة مكافحة الإرهاب في سوريا، وأنه لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في شمال شرقي سوريا إلا على أساس احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية.
كما أكد الزعماء المشاركون في القمة الثلاثية مجددًا على عدم إمكانية حل الأزمة السورية بالوسائل العسكرية، وضرورة حل الصراع من خلال العملية السياسية، التي يقودها السوريون برعاية الأمم المتحدة !.
ربما الجديد الوحيد في قمة أنقرة، هو الاتفاق الذي تم حول تسمية أعضاء اللجنة الدستورية، بعد مماطلة النظام وخلاف بين الأطراف استغرق أكثر من عام، فقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلا: "قررنا خلال اجتماع القمة الثلاثي حول سوريا، مباشرة اللجنة الدستورية أعمالها في أقرب وقت ممكن".
لكن بالرغم من الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية، التي تعني بالضرورة فتح الملف السياسي من جديد، فإن رؤى الدول الثلاث للحل السياسي تكاد لا تلتقي حول موضوع واحد.
** الرؤية التركية للحل السياسي في سوريا
في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح القمة الثلاثية حول سوريا، بحضور نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن مسار أستانة يعتبر المبادرة الوحيدة القادرة على إيجاد حلول مجدية وملموسة لإخماد الحريق المشتعل في سوريا.
من الطبيعي أن يكون مسار أستانة هو الوحيد حاليا، في غياب الطرف الأمريكي، وتغييب الأمم المتحدة ومسار جنيف.
لا بد من الإشارة إلى أن المتضرر الأكبر من استمرار الحرب في سوريا، هي تركيا، حيث يقع على عاتقها العبء الأكبر من تبعاتها، ابتداء بالفراغ الأمني وليس انتهاء بالفاتورة الاقتصادية، وقد دفع حزب العدالة والتنمية الحاكم فاتورة سياسية، بخسارته بلديات رئيسية كان نجاحه فيها شبه مضمون، وذلك عندما وظفت المعارضة التركية ورقة اللاجئين السوريين ضده في الانتخابات البلدية.
مشكلة أنقرة في سوريا، أنها لا هي ذهبت لجهة خلق أذرع محلية لها، على غرار النموذج الإيراني، ولا هي نجحت في اختيار تكوين الشريك السوري الأفضل لها، مما اضطرها للاعتماد على قوتها الذاتية، والدخول بجيشها للأراضي السورية.
تدرك أنقرة أن الحل النهائي في سوريا لا بد أن يكون تحت سقف الأمم المتحدة، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية.
رغم كل ما قيل، فإن تركيا تبدو أقرب لمسار جنيف من مسار أستانة، وما مشاركتها في مسار أستانة إلا من قبيل الاضطرار، لا الاختيار. حيث من الصعوبة بمكان اعتبار أستانة مسارًا سياسيًا، لأن روسيا وإيران معنيتان بالحسم العسكري لصالح نظام الأسد بالدرجة الأولى، كسيناريو وحيد، بينما الحل السياسي غير وارد عندهما حاليا، وعندما يتكلمان عنه فهما يعنيان استسلام المعارضة السورية دون قيد أو شرط.
تضطلع تركيا بمسؤولية اللاجئين على أراضيها الذين تجاوز عددهم 3.6 مليون لاجئ، كما تشرف على إدارة مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، بالإضافة لضمانة مناطق خفض التصعيد في إدلب من جهة، لكن منطقة شرق الفرات تبقى مصدر قلقها الأساسي، لأن الأمور هناك تسير بطريقة تهدد أمنها الاستراتيجي.
تتلخص الرؤية السياسية لتركيا في سوريا بأربعة أهداف أساسية:
أولا: الحفاظ على وحدة سوريا، سياسيًا وجغرافيًا.
ثانيا: منع تأسيس كيان إرهابي على حدودها مع سوريا.
ثالثا: تأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم.
رابعا: منع حدوث مأساة جديدة قد تضطر 4 ملايين شخص في إدلب للنزوح إليها. لذلك تصرح بوضوح، بأن أية موجة لجوء جديدة لن تؤثر على تركيا وحدها بل ستطال تأثيراتها القارة الاوروبية أيضا.
** الرؤية الروسية للحل السياسي في سوريا
خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن بلاده وضعت - مع تركيا وإيران - أساس الحل الدائم في سوريا، بضمانة روسيا وتركيا وإيران، يعد الآلية الأكثر فعالية التي تساهم في عملية إيجاد حل في سوريا.
منذ تدخلهم العسكري المباشر عام 2015 ، اعتمد الروس استراتيجيتهم العسكرية المعروفة بنموذج جروزني، التي تعني اتباع سياسة الأرض المحروقة لإخضاع الخصم. فقد استخدمت روسيا أحدث أسلحتها الاستراتيجية المدمرة الفتاكة، ضد المعارضة السورية التي لا تملك سوى أسلحة خفيفة ومتوسطة قديمة نسبيًا.
لا يوجد في قاموس بوتين سوى سيناريو واحد، هو الحسم العسكري، وإخضاع الخصم، وإجباره على الاستسلام وقبول شروطه.
من أجل الحفاظ على شعرة معاوية مع تركيا، يعتمد الروس في إدلب مؤخرا سياسة القضم والهضم. لكن الروس ماضون في الحل السياسي على طريقتهم، بإعادة إنتاج نظام الأسد، ما لم يحصلوا من الأمريكيين على ثمن استراتيجي مقابله.
ولأن الطرف الأمريكي غير آبه بما يفعله الروس، بل يريد توريطهم أكثر في قتل السوريين، فمن غير المتوقع حدوث تغيير جذري على المشهد في إدلب.
** الرؤية الايرانية للحل السياسي في سوريا
تحدث الرئيس الايراني حسن روحاني في أنقرة، عن ثقة بلاده من أن الأزمة السورية لا يمكن حلها إلا بالوسائل السياسية، وأن هذا سيحدث بمشاركة الشعب السوري، داعيا واشنطن والقوى الأجنبية، إلى سحب قواتها من سوريا.
الرئيس الإيراني كرر أكثر من مرة على القوات الأجنبية، وشدد وهو ينظر إلى أردوغان، على ضرورة خروجها من سوريا، وكأن الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، والمليشيات الشيعية التي جلبها قاسم سليماني من بلاد شتى، سورية أبا عن جد !.
بشار الأسد تحدث ذات يوم بأن "الأرض ليست لمن ولد فيها، إنما لمن يحررها من الإرهابيين".. تبدو مقولة الأسد هذه من وحي الإيرانيين، فقد شكلت نقطة ارتكاز لهم، لكي يؤسسوا مشروعهم التوسعي على الأرض السورية وكأنهم أصحاب الأرض، فيما يبدو أن المعترض الوحيد على الوجود الإيراني في سوريا، هي إسرائيل، التي تتعقب الأهداف الإيرانية هناك، وتقوم بتدمير المواقع التي تراها تهديدًا مباشرًا لها، في انتقائية لا تخلو من علامات استفهام.
إيران معنية بوحدة الأراضي السورية، لأنها تعتقد أن مصير سوريا لن يختلف عن مصير العراق ولبنان، من حيث هيمنتها وسيطرتها وإمساكها بزمام القرار من خلف الستار.
جميع دول المنطقة، وحتى أمريكا، معترضة وممتعضة من الدور الإيراني المدمر في سوريا واليمن وغيرهما، لكن لا أحد يخطو خطوة واحدة للحد منه.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث عن عزم بلاده العمل على إخراج إيران من سوريا، وإسرائيل حذرتها من الاقتراب من حدودها، لكن التهديدات والتحديات لم تتعد حدود الأقوال والتصريحات.
ثمة من يقول بأن ترامب عزل مستشار أمنه القومي جون بولتون، من أجل إصلاح ذات البين مع إيران، حيث يلزمه دورها في صراعه مع الصين.
خلاصة القول، الجميع يتحدث عن الحل السياسي في سوريا، لكن الواضح الجلي، أن لا أحد لديه القناعة في حصوله قريبا، خصوصا ما دامت أمريكا ماضية في دعمها للميليشيات الانفصالية بحجة الحرب على داعش، وروسيا تقصف المدنيين في إدلب بحجة الحرب على الإرهاب، وإيران مستمرة في تأسيس مشروعها التبشيري المذهبي، فإن ظروف الحرب تبدو أكثر ملاءمة من أجواء السلم، ليبقى الحديث عن الحل السياسي سلعة للاستهلاك لا أكثر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس