ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
أيام تفصلنا عن انطلاق أعمال القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور والتي دعا إليها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد تضم كلا من وتركيا وقطر وإندونيسيا وباكستان، ،بالإضافة إلى الدولة المضيفة ماليزيا، وذلك بهدف صناعة حالة إسلامية جديدة فاعلة في ظل حالة الانسحاب التي يشهدها العالم الإنساني وتضخم أزماته في وقت نشهد فراغا حقيقيا للقيادة الإسلامية باستثناء تركيا التي تلعب دورا إنسانيا ناعما بالأساس، وأخيرا بدأ ذلك الدور يأخذ منحى الخشونة، إلا أن هذا التحول تضبطه ضغوط ومعايير وتوازنات دولية، بمعنى آخر تلعب في إطار المسموح بعد أن تحول الحلفاء المفترضون إلى المعسكر الآخر، والذي تراه الشعوب الإسلامية تتقاطع مع مصالحها، إن صح التصنيف.
وتهدف القمة إلى تأطير العمل علىالتنمية بين الدول المشاركة من خلال التجارة والاستثمار البيني من خلال العدالة والحرية والنزاهة، وكذا رفع الكفاءةالتكنولوجية وإدارة الإنترنت بينهم، والتأكيد على الثقافة والهوية الإسلامية لتلك الدول، كم ستعمل القمة على احترام سيادة الدول المشاركة، من خلال الدفع باتجاه السلام في المنطقة والعالم مع الحفاظ على منظومة دفاعية مشتركة تحمي هذا السلام وتؤمن سيادة الدول التي يؤكد المؤتمر على وجوب العمل فيها من خلال الحكم الرشيد.
في السابع والعشرين من فبراير عام 2011 أسلم المهندس، الملقب بين أتباعه بالأستاذ، نجم الدين أربكان الروح بعد نضال طويل في الحياة السياسية التركية المدفوعة برغبة لعودة بلاده إلى أمتها الإسلامية كفاعل حقيقي، هذا الهم الذي دفع ثمنه من حريته سنوات من السجن، الأستاذ أربكان والملقب أيضا بــ (أبو الإسلام السياسي في تركيا) عمل على مشروع يماثل ذلك الذي تقدم به مهاتير محمد قبل أشهر، وجمع عليه "الأستاذ" كل من ماليزيا وباكستان وإندونيسيا وإيران وبنجلاديش ومصر ونيجيريا بالإضافة إلى تركيا الداعية لفكرة الاتحاد الإسلامي، وذلك على الرغم من وجود منظمة التعاون الإسلامي وقتها، إلا أن الرجل رأى أن البدايات الصغيرة أفضل بكثير من كيان كبير حركته بطيئة.
وضع أربكان أهدافا للاتحاد الوليد في حينها تمثلت في دعم السلام في المنطقة والعالم من خلال الحوار البناء، مع التأكيد على العدالة في شتى القضايا المطروحة والوقوف أمام ما أسماه طغيان الدول الكبرى وسعيها الدؤوب على الاستعمار، مع تغيير أشكاله وتطويرها وبقاء الهدف، وطرح في المقابل التعاون البيني دون استغلال أحد الأطراف للآخر مع الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته، ومع أن الدول التي دعاها أربكان أغلبها حاضرة في كوالالمبور (تركيا، اندونيسيا، إيران، قطر، ماليزيا) رغم غياب بنجلاديش ونيجيريا ومصر لظروف تراها الدولة المضيفة، و كذا غابت ظروف كثيرة أثرت على نجاح فكرة اتحاد أربكان الإسلامي، إلا أن أهداف الاتحاد الإسلامي الذي غيبها عسكر تركيا في تسعينات القرن الماضي لم تغب، بل تمحورت وأعيد صياغتها بحسب الحاجة والظرف والتحديات.
وعلى الرغم من محاولات البعض التهوين مما يمكن أن تخرج به القمة من نتائج، حتى وصفها بعض الإعلاميين المحسوبين على دول لم تدع بالأساس إلى هذه القمة بــ (قمة مهاترات) تندرا من مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي، فإن القمة تحمل الكثيرمن عوامل القوة التي تكفل لها النجاح، ومنها إمكانات الدول المشاركة فيها، فتركيا وماليزيا واندونيسيا دول ذات قوة اقتصادية كبيرة وباكستان واندونيسيا دول ذات قوة سكانية وسوق كبير يمكن الاستفادة منه، وقطر وإيران دول لا يستهان بها في مجال الطاقة لاسيما الغاز، أما الجانب التقني الذي قطعت فيه ماليزيا شوطا كبيرا، سيكون رافعة للمشروع التكاملي المأمول، ويحمل كل هذا، قوة عسكرية نووية في جانب منها، متمثلا في تركيا وباكستان.
وهو ما يعني أن الدول المشاركة في القمة، والطامحة إلى شراكات واعدة تأسس لتكامل في المجالات التي ستناقش خلال اجتماع قادتها، تمتلك رصيدا كبيرا من الإمكانات التي تؤهلها لتغيير الواقع الاقتصادي والسياسي وحتى الاستراتيجي في دولها وحتى على مستوى العالم الإسلامي، فيما لم تجد مناكفات من دول العالم الإسلامي الأخرى والتي بدأت توجيه منصاتها الإعلامية تجاه القمة قبل أن تبدأ.
فإن غاب الأستاذ نجم الدين أربكان بجسده، فإن روحه حاضرة في هذه القمة، لذا أدعو الأمانة العامة للقمة أن تذكره وتذكر مشروعه الأول والذي كان بمثابة شرارة البدء لعمل إسلامي ناضج يسعى الآن الداعين له لإنجاحه، في ظروف أفضل مما عاشها الأستاذ أربكان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس