د. ربيع الحافظ - خاص ترك برس
عملية درع الربيع التي امتزج فيها الدم العربي بالدم التركي (على الأرض العربية هذه المرة) هي استكمال لفصول كسب الشرعية الإقليمية التي شرعت بها تركيا في المدن السورية على الصعد الإغاثية والاجتماعية والمدنية والأمنية ونالت بها ثقة الشعب السوري وولاءه ضد النظام الطائفي.
الأربعة ملايين سوري الذين تستضيفهم تركيا والأربعة الآخرين في إدلب لن يفصلوا مصيرهم عن تركيا ولن يبحثوا عن حلول في دمشق التي تتحكم بها المليشيات الإيرانية ومافيات المال. عرب سوريا اعادوا توجيه بوصلتهم ويفكرون بالطريقة التي تضمن هويتهم ومصيرهم وليس سيادة الدولة التي ذهبت.
إعادة توجيه المجتمعات لبوصلاتها نحو ما تظنه انه الخلاص أمر طبيعي. في القرن 20 غير المجتمع العربي بوصلته نحو القومية في زمن كانت فيه حمى القومية تجتاح العالم ولم تلبت الدولة القومية ان انهارت لأنها شكلت كيانا رخوا أمام مشاريع الاختراق الشعوبي والطائفي.
اليوم يغير المجتمع العربي بوصلته امام معطيات تجعل الانتماء الاجتماعي هو حمى القرن 21 بعد ان نجحت الطائفية في هدم الدولة وتمزيق المجتمع بواسطة مشاريع اقليمية تعجز الدول عن الصمود امامها منفردة ولابد لها من تكتلات اقليمية
في هذا الظرف يصبح اختيار الحليف الإقليمي وفق معيار صارم وهو ان يكون منسجما مع المفهوم الاجتماعي للشريك، بهذا المعيار تكون تركيا هي الدولة الاقليمية التي تستوفي هذا الشرط.
التدخل العسكري التركي الكاسح في ادلب (الذي قيل لن يحدث) يصطحب فكرا ناسخ للفكر الذي ساد في القرن 20 والذي كان مضمونه: "نحن عرب وهم اتراك" ويستبدله بفكر: "نحن العرب والاتراك يوحدنا مفهوم اجتماعي ينعم به الجميع مشتق من حضارتنا الاسلامية"
هذا التفكير يتمدد على كامل رقعة الصراع بين مجتمع الدولة ممثلا بتركيا ومجتمع المليشيات ممثلا بإيران. الموصل هي احدى الحواضر التي على هذه الرقعة ويتحتم على مثلها ان تتهيأ لتكون شريكة في الاتجاه الجديد لا ان تكون عبءا عليه وعلى نفسها وان تنسق مع المدن السورية.
المهم ملاحظته هو ان العالم في القرن 20 غادر حقبة الامبراطوريات ليدشن حقبة الدولة القومية واليوم يغادرها ويدخل حقبة الدولة الاقليمية (الهجينة) التي تجمع بين التوجه القومي في الداخل والخطاب الحضاري العابر للقومية مع محيطها وتقيم نظاما إقليميا على اساس المصالح المشتركة. تركيا هي احدى هذه الدول التي قطعت شوطا بعيدا على هذا الطريق الجديد متخذة من المدن السورية وسيلة إيضاح له.
من الغبن الاحتفال بانتصارات درع الربيع من خلال احصاء عدد دبابات وطائرات النظام الطائفي التي دمرت فهذا طراز من الاحتفاء لا دلالة مهمة فيه فضلا عن انه لا يدوم.
درع الربيع فصل متقدم في عملية تصويب الاعطاب الفكرية والاستراتيجية التي زرعت في دولنا حين تأسيسها وملفت مجتمعاتنا كل نفيس وبهذه الصيغة يحق لها الاحتفال بدرع الربيع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس