محمود الرنتيسي - الجزيرة نت
مع انطلاق العملية العسكرية المسماة "عاصفة الحزم" التي تستهدف المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح بدأت الأنظار تتجه إلى المواقف الدولية والإقليمية المؤيدة والمعارضة لهذه العملية من أجل تقييم مبدئي للزخم والأثر المصاحب لها.
أسباب الموقف التركي
وفي ما عدا إيران فإن معظم الأطراف الإقليمية قد بدت مؤيدة للعملية، وجاء أحد المواقف المؤيدة وذات الأهمية والثقل الإقليمي من قبل تركيا التي أعلنت عبر رئيسها رجب طيب أردوغان تأييدها عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية، وقد عللت تركيا ذلك بأن التدخل الذي تم بطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي جاء -حسب اعتقادها- لأن الحوثيين انتهكوا الاتفاقيات الموقعة وقرارات مجلس الأمن الدولي، ولم يستجيبوا لدعوات الحوار وأظهروا نوايا التوجه نحو السيطرة على اليمن، مما زاد من احتمالات اندلاع حرب أهلية.
كما أن الزاوية الأخرى التي نظرت منها أنقرة هي زاوية التمدد الإيراني في المنطقة ومحاولات فرضه هيمنته في كل من سوريا والعراق واليمن، حيث لم تخف أنقرة انزعاجها المشترك مع عدد من دول الخليج -من ضمنها السعودية- من محاولات طهران بسط نفوذها، لذا فإنه يمكننا القول إن تركيا بموقفها هذا تبدو وكأنها تقوم بإرسال رسائل للعملاقين المتنافسين على ضفة الخليج أن تركيا سيكون لها دور أكبر في التوازنات الإقليمية في المنطقة.
ومفاد هذه الرسائل أن تركيا حريصة على التقارب الثنائي مع السعودية وتريد تطوير العلاقات لتعاون بشكل أكبر، وتطمح بقوة لانعكاسات هذه العملية على القضايا المشتركة والأكثر تأثيرا عليها كما في كل من سوريا والعراق، وربما في أماكن أخرى مثل ليبيا أيضا، كما أن العملية العسكرية بحد ذاتها هي دليل عملي على وجود تطور في السياسة الخارجية السعودية، وتركيا حريصة على تشجيع وحث هذا التطور ومساندته.
أما الرسالة الثانية فهي لإيران حيث إن البنية السياسية التركية منذ عام 2002 تحديدا اعتمدت على التطور الاقتصادي والتقدم الدبلوماسي في أجواء من الاستقرار النسبي، وتعتقد أن لإيران دورا كبيرا في الفوضى القائمة فهي تريد القول لها كفى! كما أن تركيا التي تصر على محاربة الأسد كما تحارب تنظيم الدولة الإسلامية تقول إنها غير راضية أن يحل الحرس الثوري الإيراني بديلا عن داعش.
وفي هذا السياق، يمكننا أن نشير إلى أن الموقف الجماعي في المنطقة الذي قد تحول قبل أشهر لتحالف ضد داعش -والذي كانت إيران جزءا منه بشكل مباشر أو غير مباشر- يعاد الآن تشكيله من خلال حالة الاستياء من التمدد الإيراني حيث يبدو وكأنه يتجمع في بوتقة حديدية على نار تزداد تدريجيا، وستصل لحالة من الغليان في حال لم يتم إخماد هذه النار والتي تعد الطائفية وقودها الأساسي.
تطورات الموقف
لم يكن الموقف التركي بشكل عام مفاجئا حيث جاء هذا الموقف بعد الحديث عن التقارب التركي السعودي منذ تولي الملك سلمان الحكم في الرياض، كما أن تركيا وقفت سابقا مع ثورة الشعب اليمني ضد نظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح الذي يلعب دورا مهما في الأحداث الدائرة حاليا.
أما من حيث طبيعة الموقف فهو لم يكن على أهميته إلا إعلانا عن التأييد، ثم تطور للحديث عن إمكانية تطويره إلى دعم لوجستي واستخباري. وفي هذا السياق، كان أردوغان قد أجرى اتصالا مع الملك سلمان، كما أعلن وزير الخارجية التركي أنه سيلتقي مسؤولين سعوديين سيصلون إلى تركيا للتباحث في أشكال الدعم.
وليس من المستغرب أن تركيا أكدت أنها لن تقوم بأي دور عسكري مباشر في العملية الدائرة في اليمن، ويعود ذلك -ربما- لعدة اعتبارات منها الميل التركي للمقاربات والحلول السياسية وأيضا لطبيعة العلاقات التي تحكم تركيا مع الجهات المعارضة للعملية وتحديدا روسيا وإيران، كما أن هناك عاملا زمنيا يجعل تركيا المقبلة على انتخابات برلمانية بعد قرابة ثلاثة أشهر تنأى عن فتح هذه البوابة التي يشوب نتائجها الغموض بسبب عدم اتضاح أشكال ردود الفعل المختلفة.
هناك عامل آخر أيضا يتعلق بالرأي العام التركي الذي يعارض قسم كبير منه التدخل العسكري في سوريا أو العراق، وقد ظهر ذلك في العملية العسكرية السريعة لنقل ضريح سليمان شاه من داخل الحدود السورية مؤخرا، ومن المؤكد أن قسما أكبر سيعارض التدخل في اليمن بعد أن ينظر إلى ثلاثة آلاف كيلومتر تفصل بين أنقرة وصنعاء متسائلا "وما دخلنا باليمن!".
لذا فمن غير المتوقع -وفق القراءة الواقعية للموقف التركي- أن يتطور هذا الموقف لسيناريو تدخل عسكري مباشر، وبحسب تطورات الأوضاع وردود الفعل الدولية والإقليمية فإن الموقف التركي سيعيد التموضع حول نفس الموقف تقريبا وإن كان يرجح الحلول والمسارات السياسية، وهذا ما يجعل تركيا تؤكد باستمرار أنها لا تريد للأمور أن تصل لحرب إقليمية طائفية.
وقد أكد وزير الخارجية التركي أن تركيا لا تريد ذلك ولم تدعم أي طرف من منطلق طائفي ولن تدعم أي صراع سني شيعي في المنطقة، لكنها ستتخذ الموقف السياسي الذي تعتقد أنه يقود لتوازن إقليمي يحقق مصالحها بشكل أكبر.
العلاقة مع إيران
لقد دعمت تركيا الموقف السعودي وعينها على ما يجري في سوريا والعراق، وهي تدرك أن إيران عامل مشترك أكبر في هذه الساحات، وبالتأكيد فإنه مع إعلان السعودية سماء اليمن منطقة حظر للطيران سيتبادر للذهن مباشرة منطقة حظر الطيران والمنطقة الآمنة التي تنادي بها تركيا على حدودها مع سوريا
ورغم اختلاف الظروف والمعطيات بين سوريا واليمن فإن تركيا تأمل في تغير المواقف خاصة أنه يبدو أن الرياض نجحت في إقناع واشنطن بعدم اتخاذ قرار فيتو أمام عاصفة الحزم، وسيزيد هذا الأمل التركي في حال لم تقم إيران برد فعل مؤثر تجاه ما يجري في اليمن.
أما في ما يتعلق بالعلاقات التركية الإيرانية فمن المؤكد أن المواقف الحالية المتناقضة تحيطها بالتوتر والتجاذب، وربما يحصل تراشق إعلامي بين الطرفين إلا أنهما سيسعيان للحفاظ على تلك العلاقة ذات البعد التاريخي التي تميزت بحدود ثابتة للخلاف في أغلب أوقاتها منذ الثورة في إيران عام 1979 على الأقل.
وفيما لم تتطور عاصفة الحزم إلى عملية برية بعد فإنه يعتقد أنها ستستمر حتى تجريد الحوثيين مما استولوا عليه من أدوات للقوة العسكرية والعمل على كسر حالة الغرور التي أصابتهم بعد السيطرة على صنعاء، وعندها ربما تتدخل أطراف عديدة من أجل المساهمة في التوصل لحلول سياسية، وربما تكون من هذه الأطراف تركيا وعمان وقطر، وهي أطراف حققت نجاحات سابقة في عمليات الوساطة، ولكن الأمر متوقف على عدم حدوث سيناريوهات مفاجئة قد تجر المنطقة إلى نيران حرب كبيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس