ترك برس-الأناضول
جزيرة "رودوس" في البحر المتوسط الزاخرة بالآثار العثمانية، عملت كل من اليونان وإيطاليا على تدمير ومحو آثارها، ولم يعد فيها سوى بقايا مدرسة، بحسب مؤرخة وأكاديمية تركية.
وكلفت وزارة الخارجية التركية منذ العام 2006، نوال قونوق هالاش أوغلو، المؤرخة المعمارية بجامعة مرمرة الحكومية، بإجراء دراسات في الجزيرة، وحصر المساجد والمدارس العثمانية، في الجزيرة التي خرجت عام 1912 من الحكم العثماني.
هالاش أوغلو، أفادت أن جميع المباني كالمساجد والمدارس التي أسسها نامق كمال، أحد أهم الشخصيات البارزة في الفكر والفن والسياسة في فترة التنظيمات، تم تغيير هويتها ومحوها بالكامل على يد إيطاليا واليونان، ولم ينج من الدمار سوى بقايا "مدرسة قنديلي".
وسافرت الأكاديمية التركية إلى رودس، وتتبعت الآثار المعمارية هناك كالمساجد والمدارس التي بناها نامق كمال "شاعر الدولة" لتلبية احتياجات الناس لها، وذلك أثناء عمله في رودوس، وراقبت التحولات التي طرأت على هذه الآثار ووضعها الحالي.
وقامت بالبحث في هذه الأعمال المعمارية التي نفذها نامق كمال في الجزيرة من 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1884 وحتى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1887، وأدلت بنتائج هذه الأبحاث للأناضول.
** بحث استمر 12 عاما
المؤرخة التركية، قالت إنها أجرت بحثًا علميًا استمر نحو 12 عامًا، وعملت على فحص المنشورات التركية واليوناية المتعلقة بالآثار المعمارية التي أنشأها نامق كمال في الجزيرة أثناء عملها الميداني في رودوس.
وأضافت: "نتيجة لهذا تم لأول مرة تحديد تاريخ بناء هذه الآثار المعمارية، وعمليات البناء وأرشيف الصور ووضعها الحالي".
وذكرت أن نامق كمال عمل على "توفير الرفاهية للشعب في الفترة التي قضاها في رودوس، وهي تقريبًا ثلاث سنوات، كما أنه كتب إلى السلطان عبد الحميد الثاني بشكل رسمي وأبلغه بمشاكل الجزيرة وشعبها".
وتابعت: "طبق نامق كمال سياسة واعية في سبيل زيادة عدد الأتراك في الجزيرة، وحماية الثقافة الوطنية، واهتم بالتعليم، وأوضح للسلطان عبد الحميد الثاني في رسالة حقيقة التأثير السلبي للانخفاض الملحوظ في عدد السكان الأتراك في المنطقة على الدولة في المستقبل".
** رودوس القديمة والحديثة
وقدمت هالاش أوغلو، معلومات عن نسبة السكان في الجزيرة في فترة نامق كمال، وأفادت أن الجزيرة خلال الفترة العثمانية كانت تتكون من رودوس القديمة ورودوس الحديثة.
وأردفت: "كانت الأحياء التركية والحي اليهودي في رودوس القديمة، بينما يعيش اليونانيون في قرى تقع في رودوس الحديثة".
وأشارت إلى أنه "كانت هناك أحياء تركية مثل يوفا، دوقوز صوقاق، غاني أحمد، بوينو قارا، سمبل لي، مرجان تبه، قيزل تبه، قوملق، وقرى تركية كاملة قريبة من المدينة مثل تشاير، قنديلي، ميكسه، أوزغور".
كما كان يعيش بعض الأتراك في قرى مثل ليندوس، وأرنيطا، وسلاكوس، وإستريوز، وقطاوية، وكلامينان بحسب المؤرخة.
** تناقص عدد المسلمين في الجزيرة
وحول السكان المسلمين في الجزيرة قالت الأكاديمية التركية: "يذكر نامق كمال بك أن هناك ما يقرب من ستة آلاف مسلم في رودس، يوجد ألف منهم في القرى، ولا يوجد مكان في الإمبراطورية يقل عدد المسلمين فيها بقدر هذه الجزيرة".
وأوضحت أنه "إذا استمر الأمر على هذا النحو، فسوف يخرج الأمر عن السيطرة، وهو ما يشكل خطرًا، إذ إن نامق كمال لاحظ أن بعض الأتراك في الجزيرة قد بدلوا دينهم".
واستطردت "لقد بدّل 24 من المسلمين دينهم، وعند سؤالهم عن السبب، قالوا إنهم لا يعرفون من الإسلام سوى البسملة، وإنهم مسيحيون، ونتيجة لهذا الأمر رأى نامق كمال ضرورة زيادة عدد المساجد والمدارس في القرى لأنها قليلة للغاية".
وأشار إلى أن "ذلك من أجل تلقي الناس العلم والتعليم الديني، وكذلك يجب العمل على منع تحول الناس عن دينهم".
وأفادت هالاش أوغلو، أنه بناءً على هذا عرض نامق كمال الأمر على السلطان عبد الحميد الثاني، بناء مسجد للمسلمين في رودس، وبدأ بناء المسجد بمساعدة مالية من السلطان.
** المساجد التي بناها نامق كمال
وحول المساجد التي بناها نامق كمال، قالت هالاش أوغلو إنه "عمل على بناء مسجد الحميدية في قرية أرنيتا، ومسجد السلطانة تيرموجغان في قرية كالامينا، ومسجد شاه زاده أرطغرل في قرية شاير".
وأضافت: "عندما أبلغ نامق كمال السلطان عبد الحميد الثاني بهم، منحه السلطان وسام الامتياز لما قام بها من خدمات".
وتابعت المؤرخة: "تم رفع رواتب الأشخاص الآخرين المشاركين في بناء المساجد وتسليمهم ميداليات في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1886، وأقيمت مراسم افتتاح المساجد الثلاثة للعبادة، وعندها احتفلوا بختان الأطفال، وقراءة المدائح النبوية وتقديم أطباق الزردة والأرز".
وأشارت إلى أن "المساجد الثلاثة لا زالت تحتفظ بمخططاتها كما أنشئت على شكل مربع وبها قبة ذات نوافذ، كما أن المصلى الأخير بالمسجد الواحد يحط به ممر دائري، ومكون من ثلاثة أقسام وسقف مسطح، بالإضافة إلى وجود مئذنة في الركن الشمالي الغربي".
** مصير المساجد
وحول بقاء المساجد، قالت هالاش أوغلو، عن مسجد الحميدية في قرية أرنيتا جنوب غربي جزيرة رودس: "أغلق مسجد الحميدية؛ إذ لم يتبق هناك معلمين لخدمة الأتراك، وذلك بعد انخفاض أعدادهم بسبب هجرتهم بعد أن أصبحت الجزيرة تحت إدارة إيطاليا".
وأضافت: "بعد الحكم اليوناني أزيلت الأبواب والنوافذ ولم تعد هناك حياة في المسجد، وظل المسجد قائمًا حتى عام 1961، واليوم أصبح هناك ملعب للأطفال مكانه".
وحول مسجد أرطغرل في قرية شاير، قالت إنه خلال بحثها تمكنت من التقاط صورة للمسجد من بعيد، إذ يقع في منطقة عسكرية، كما وجدت أن مئذنة المسجد قد دُمرت.
وعن حالة مسجد تيري موجغان في قرية كالامينا، قالت إنه "تحول إلى كنيسة كاثوليكية مع التحول الذي قام به الإيطاليون فيما بين 1927- 1929، فتحول المسجد إلى كنيسة سيدة النصر سانتا ماريا".
وأردفت: "يقع المسجد في 45 شارع كاثوبولي في حي نيوهوري، ويحتفظ بهيكله الرئيسي رغم انهيار مئذنته، لكن المصلى الأخير للمسجد انهار، وأُغلقت النوافذ الموجودة حول القبة، إنه العمل الثاني الذي قمت باكتشافه بعد مبنى الحكومة، من بين الأعمال المعمارية العثمانية التي غير الإيطاليون أسلوبها ووظيفتها".
** آثار مدرسة واحدة
الأكاديمية التركية، ذكرت أن "إحدى الخدمات الأخرى التي قدمها نامق كمال في رودوس كانت في مجال التعليم".
وزادت "في عام 1885 طُلب من خريجي مدرسة السليمانية أن يتولوا وظائف معلمين في مدارس ستُفتتح في باحات مسجد أرطغرل ومسجد تيري موجغان، وأن تتحمل الدولة مرتبات المعلم في المدرسة التي ستُفتح في جزيرة ميس".
وواصلت حديثها أنه "يتم تعيين المعلمين في هذه المدارس الابتدائية الثلاثة بتكليف من السلطان عبد الحميد الثاني، وبعد تواصل مع مشيخة الإسلام تم تعيين بعض أساتذة مسجدي الفاتح وبايزيد باسطنبول".
ووصفت هالاش أوغلو، الوضع الحالي للمدارس التي تم افتتاحها، بأنه على الرغم من تضرر المدرسة الابتدائية بقرية قنديلي، إلا أن المحراب لا زال قائمًا، أما المدارس الأخرى فقد تهدمت".
وختمت بالقول: "لقد اندثر مسجد الحميدية ومسجد أرطغرل، ومسجد تيري موجغان، بعد تغيير هوياتهم وتدميرهم من قبل إيطاليا واليونان بعد أن أصبحت رودوس تحت إدارتهما، ومن بين المدارس التركية بقيت مدرسة قنديلي ولكنها بقيت حطاما".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!